• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

وحدة المجتمع بتعاون أفراده

عمار كاظم

وحدة المجتمع بتعاون أفراده

التعاون.. سلوك اجتماعي حضاري ينم عن الترابط والتكافل بين أفراد الأُمّة الواحدة، إنّ الإسلام يحثّ أتباعه على التعاون على الخير ويحذّر من التعاون على الشرّ والعدوان، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2)، والبرّ كلمة جامعة تطلق على أنواع الخير كلها.

ضرب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وصحابته الكرام أروع الأمثلة الواقعية وأجلّها في روح التعاون والتكافل، كما ربّاهم الله تعالى على ذلك، لتنبعث فيهم عزائم التعاون الأخوي على مكارم البذل والإيثار والتضحية والفداء. مثال ذلك أيّام حَفر الخندق لمواجهة حصار الأحزاب، وقد بلغ من تلاحم الصحابة وصبرهم وتضحياتهم مبلغاً عظيماً وعجيباً من التعاون، في كلّ شيء من أحوالهم، على الرغم من الظرف العصيب، وما كان يكلفهم من الفزع والمشقة والكرب العظيم، الذي ليس له من توصيف مُبين إلّا قول الله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا) (الأحزاب/ 10-11). وقد كافأهم الله تعالى جزاء تعاونهم وصبرهم، فكفاهم القتال وردّ أعداءهم على أعقابهم مغتاظين خائبين: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (الأحزاب/ 25).

ويُربّي الإسلام المؤمن على هذا الخلق العظيم والعمل بمقتضاه، كما يُبيّن القرآن الكريم والسنّة النبويّة. فلقد قصَّ القرآن علينا أمثلة حيّة في ذلك للعبرة والاقتداء، كما في حال موسى (عليه السلام) يسأل ربه أن يعينه ويشد أزره بأخيه هارون: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (طه/ 29-32)، فاستجاب الله دعوته: (قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا) (القصص/ 35).

ولأنّ تطبيق هذا الخلق يجلب السعادة للفرد والمجموع فقد أمر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلّ الأوقات، بل وشبّه مَن يتحلّى بكامل الإيمان، يقول عليه (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يُؤمِن أحَدَكُم حتى يُحبّ لأخيه ما يحب لنفسه». ويقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «مثلُ المؤمنين في تَوادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمّى». فهذا الحديث الشريف يرسم صورة رائعة ويضرب مثلاً لما يجب أن يكون عليه المجتمع الإسلامي من مودة ورحمة وعطف، ويدعو المسلمين إلى أن يكونوا كالجسد الواحد تربطهم وحدة الشعور بالمصلحة العامّة. ويضرب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مثلاً آخر لتعاون المسلمين وتماسكهم فيقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً». فهذا الحديث يرشدنا إلى أنّ العلاقة التي تربط المؤمن بالمؤمن يجب أن تكون متينة لا تنفك عُراها في حالتي العسر واليسر.

التعاون له آثار حميدة تظهر في حياة المجتمع المتعاون:

أ- فالأسرة التي يتعاون أفرادها على الاقتصاد في العيش، وتربية الأبناء، والشفقة على الوالدين تكون سعيدة.

ب- والمجتمع الذي يتعاون أفراده على مساعدة الفقير، تعليم الجاهل، معالجة المرضى، كفالة اليتامى، محاربة الظلم، وتطهير مجتمعهم من الفساد هذا المجتمع يكون سعيداً ويكثر فيه الرخاء والأمن وتنتشر المحبة بين أفراده.

ارسال التعليق

Top