العيد ليس فسحة للذات فقط، أو مناسبة أنانية نفرح بها وحدنا، أو مع أقرب المقربين إلينا، بل ينبغي أن يكون مناسبة للتفكير في عالم أحسن، وبما يمكن أن يقوم به كل واحد منّا لجعل الحياة على كوكبنا أفضل. وربّما بهذا فقط، يستردّ العيد معناه الحقيقي ويصبح مناسبة للمشاركة والسلام. فكيف يمكن أن نحوّله من مجرّد يوم عابر نفرح به لساعات معدودة، إلى حركة ذاتية وإجتماعية وكونية تساهم في إدخال الفرح إلى قلوب الجميع.
* السلام مع الذات: في عصر بات فيه الإنسان غير متصالح مع نفسه، يريد دائماً أن يكون الأفضل والأوّل والأكثر جمالاً وثراءً وحظاً ويدخل في منافسة مستمرة مع الآخرين، يأتي العيد ليذكّره بأنّ ثمّة كثراً من المحرومين الذين لا يجد العيد مكانه بينهم، وأن قيمة الإنسان ليست في ما يملك وما يكدّسه من مراتب وثروات وألقاب، بل بما يعطي وما يستطيع تقديمه إلى الآخرين من حب ومساعدة، وكم يستطيع أن يجمع أحباء من حوله.
* السلام مع الآخر: في العيد، يأخذ الآخر معناه الحقيقي، فلا يعود شخصاً لا يعنينا أمره، بل يصبح شريكاً لنا في هذه المناسبة، له فيها بقدر ما لنا. فإن كان حزيناً، متألماً أو معوزاً، فمن واجبنا، أن نتشارك وإياه الحزن والألم لعلّنا نخفف عنه بعض الشيء، ويصبح العيد حقاً مشتركاً للجميع. والسلام مع الآخر لا يعني فقط أن نصالح الأقربين ونعيد شد الأواصر بيننا وبينهم، بل يتوسع ليشمل السلم مع البعيد الذي تفصلنا عنه مسافات فكرية وعرقية ودينية وإجتماعية، والآخر المختلف الذي لا نتقبله في الأيّام العادية. بهذا السلام مع الآخر، يستعيد العيد معناه ولا يعود حالة فردية أنانية.
* السلام مع الوضع الإقتصادي: في وقت تحوّل فيه العيد إلى مناسبة إستهلاكية ترهق كاهل الناس بأعباء قد تفوق طاقتهم، لابدّ من إعادة النظر في علاقتنا بالإنفاق في محاولة للعيش بسلام مع وضعنا المادي. فلا نسعى إلى تحميل ميزانيتنا فوق طاقتها فنغرق في الإحباط والديون، بل نحاول أن نعيش المعنى الحقيقي للعيد بالمحبة واللقاءات العائلية، والإكتفاء بما هو ضمن مقدورنا، فيبقى مناسبة للفرح بدلاً من أن يتحوّل إلى مدعاة للهم والقلق.
* السلام مع البيئة: مواسم الأعياد عامة تشكل عبئاً بيئياً كبيراً، وهو أمر لا يتنبّه إليه كثر من الناس. وكلّما تضررت البيئة ازداد الفقر في الدول الفقيرة والنامية نتيجة التحوّلات المناخية المؤذية. من هنا، واجبنا في الأعياد إلا نبالغ في الإستهلاك، ولاسيما المواد الضارة بيئياً التي يمكن الإستغناء عنها، مثل ورق الهدايا، الأطعمة المستوردة، مواد الزينة المصنعة في البلدان التي لا تحترم حقوق الإنسان، وما إلى ذلك من كماليات تشكل هماً إقتصادياً وبيئياً. فالإستهلاك المبالغ فيه يجعلنا نلغي معنى العيد ونجعله مناسبة لأذية الطبيعة التي وهبنا الله إياها، عوضاً عن أن نجعله عيد عطاء ومشاركة.
* السلام مع المواطنة: قد يقول البعض ما دخل الأعياد بالمواطنة؟ لكن، في هذا الموسم الاحتفالي الذي يخلق حيوية وزحمة في البلاد، ويسرّع وتيرة الحياة فيها، ويجذب السياح والزوار، يصبح من السهل الغرق في الفوضى. وإذا ما فكر كل مواطن في نفسه فقط وفي كيفية قضاء جميع حاجاته بأسرع الوسائل، وإن على حساب الآخرين، فسوف تتحوّل الأعياد إلى جحيم لا يطاق. لذا، من واجب كلٍّ منّا أن يعمل على التخفيف عن مدينته في هذه الأيّام الصاخبة، وأن يدرك أن مساهمات بسيطة منه تحفظ الهدوء وتسهّل حركة الآخرين وتعطي صورة جميلة عن بلده، وعنه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق