وبدون أن تكون لك قدرة على استمالة الآخرين، كيف يمكن أن تكون لك شخصيّة جذّابة؟
والسؤال الذي يُطرح هنا: ما هي المجاملة؟
إنّ البعض يظن أنّ المجاملة تتلخّص في أن لا تكون غليظاً في التعامل مع الآخرين.
إلّا أنّ ذلك هو الجانب "السلبي" منها، وهنالك جوانب "إيجابية" لابدّ من مراعاتها. مثلاً، تتضمن المجاملة المقدرة على تحويل مجرى النقاش إلى الوجهة التي تلذ لمحدّثك ومحاولة كسب قلبه، قبل فرض رأيك عليه.
وطبيعي أنّ تلك ليست مشكلة مستعصية في التعامل مع صديق تعرفه معرفة وثيقة، تفهمه حقّ الفهم. ولكن ماذا عساك تفعل لتتجنب إيذاء شعور شخص لا تعرف طبيعة أحاسيسه؟
إنّ المجاملة كالصداقة من الميسور التدرب عليها متى عرفت سرَّها. وشأنها شأن كلّ عادة أخرى، متى اكتسبت رسخت وأصبح من العسير اقتلاعها.
وإليك في ما يلي تسع طرق لاكتساب في المجاملة:
أوّلاً: حاول دائماً أن تروي للآخرين ما يلذّ لهم مما سمعت أو قرأت، ولا تهمل المجاملات العابرة التي تتضمن المديح المخلص الصادق.
ثانياً: اجتهد في أن تتذكر الأسماء والوجوه، والأغلب أنّ الذين لا يفتأون يقولون: "إنّني لا أستطيع تذكر اسم هذا الشخص" هم في الواقع أكسل من أن يحاولوا اكتساب فن المجاملة. فلكلّ إنسان المقدرة على تثبيت الأسماء والوجوه في ذهنه، ولكن الرغبة القوية في تحقيق هذا ينبغي أن تتحقق أوّلاً، ثمّ التدرب على الباقي.
ثالثاً: إذا وضع الناس ثقتهم فيك، فانهض بها، ولا تكشف أي سرّ ائتمنوك عليه.
رابعاً: التزم ما أمكنك ضمير المخاطب في مناقشاتك، وبنمو اهتمامك بالآخرين، وكلّ ما يعود عليه أو يتصل به، ستجد نفسك مدفوعاً إلى الإقلال من ضمير المتكلم.
خامساً: لا تسخر من الآخرين ولا تستهزئ بهم. بل، على العكس اجعل دأبك أن تشعرهم بأهميتهم.
سادساً: اكتسب المقدرة على القول المناسب في الوقت المربك. والمراد بهذا أن تمحو الإحساس بالنقص من نفس الشخص الآخر وتشعره: "أننا يجمعنا العيش في سفينة واحدة".
سابعاً: إذا اتضح لك أنك مخطئ فسلّم بذلك، فأفضل الطرق لتصحيح خطأ ما أن تعترف به في شجاعة وصراحة.
ثامناً: استمع أكثر مما تتكلم، وابتسم أكثر مما تتجهم، واضحك مع الآخرين أكثر مما تضحك منهم، وتوخَّ دائماً ألّا تخرج عن حدود المجاملة.
تاسعاً: لا تنتحل قط العذر لنفسك قائلاً: "لم أكن أعرف"، فالجهل بالقانون لا يعفي من عقاب خرقه. والشيء نفسه ينطبق على المجاملة. فطبيعي أنّ الجاهل باللباقة يؤذي المشاعر بغير علم، وأنّ الشخص الأناني يجرح بغير إدراك، لكن ما جدوى الاهتمام بالمسببات ما دامت النتجة واحدة؟!
واعلم أنّ المجاملة، أمر لا غنى عنه، حتى لقد اعتبرها خبراء العلاقات الإنسانية وأصحاب الأعمال في المقام الأوّل بين الصفات التي لابدّ منها للنجاح، وقال أحدهم: "إنّ الموهبة شيء عظيم، ولكن المجاملة شيء أعظم".
فإذا أردت أن تحصل على مفتاح النجاح، فتدرّب على الطرق التسع التي أسلفناها، واعمل بها، وسوف تدهش لمدى النجاح الذي يكلل صلاتك بالناس، ولمدى السرعة التي تكسب بها الفرص.
ولابدّ هنا من أن نذكر أنّ المجاملة مطلوبة دينياً وقد جاء التعبير عنها بكلمة: "المداراة" فقد روي عن رسول الله (ص) قوله: "أمرني ربّي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض".
وروي: "مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش".
وروي أيضاً في تفسير قوله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة/ 83)، "أي للناس كلّهم مؤمنون، ومخالفهم، أمّا المؤمنون فيبسط لهم وجهه، وأما المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان".
ولقد اعتبر الإمام عليّ (ع) "المداراة ثمرة العقل" وقال إنها "عنوان العقل مداراة الناس".
وقال: "رأس الحكمة مداراة الناس".
واعتبر أنّ "سلامة الدين والدنيا في مداراة الناس".
وروي عن رسول الله (ص) قوله: "ثلاث من لم يكنّ فيه لم يتم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخُلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجاهل".►
المصدر: كتاب كيف تكسب قوة الشخصيّة/ فنون السعادة (2)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق