• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عيد الأضحى المبارك.. عيد الرحمة والمودّة

عيد الأضحى المبارك.. عيد الرحمة والمودّة

◄مرّ بنا عيدٌ ونستقبل عيداً آخر، وفكرة العيد في الإسلام، لا تنطلق من مجرد مناسبة يراد استذكارها، ليكون العيد مجرَّد حافز للذكرى، ولكنَّ العيد في الإسلام ينطلق من فكرةٍ تتّصل بكلِّ حياة الإنسان، فليس فيها ماض وحاضر ومستقبل، بل هي الفكرة التي تتّفق على إنسانيّة الإنسان في كلِّ أمورها وفي كلِّ نشاطاتها، الأمر الّذي يجعل معنى الاحتفال بالعيد مختلفاً عن كلّ ما يحتفل النّاس به، لأنّ الناس عادةً يحتفلون بمناسبة تتصل بأوضاعهم الشخصيّة، فيفرحون الفرح الذاتي، ولكنّ الاحتفال بالعيد هو انسجام مع الفكرة، وحركة من أجل تأكيدها في واقع الناس وفي واقع الحياة. ومن خلال ذلك، يمكننا أن نستوحي من العيد الإسلامي، ما استوحاه عليّ (ع)، عندما اعتبر أنّ من الممكن إذا انفتحنا على فكرة العيد، أن نحوِّل كلَّ أيامنا إلى أعياد، فلا يكون العيد يوماً في السنة، بل يمكن أن يكون السنة كلّها من خلال تأكيد الفكرة.

عيد الأضحى المبارك من الأيّام الفضيلة بمعانيها ودلالاتها، حيث يضحّي المسلمون في الحجّ، وللتضحية كلّ المعنى والقيمة المفترض أن تتجذّر في نفوس الحجيج وغيرهم. العيد مناسبة كي يصحِّح الإنسان أوضاعه، ويلتفت إلى ما يصلح باله ويضمن سلامة مصيره في الدنيا والآخرة، عبر شكر الله وحمده، والتقرّب إليه بالأعمال الصالحات، وعمران النفوس والقلوب والعقول بالأفكار والمشاعر النافعة الخيِّرة، فالعيد لا يقبل منّا نفوساً ضعيفة مليئة بالأحقاد وبالعصبيّة. في هذا اليوم، أرادنا الله تعالى أن نتذكَّر أنّ دماءنا وأموالنا وأعراضنا على بعضنا البعض حرام، وأنّ كلّ المسلم على المسلم حرام، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا اليوم، يدعونا إلى الوحدة وعدم الرجوع بعده كفَّاراً، يضرب بعضنا أعناق بعض، فإذا كنّا نريد أن نضحِّي فعلاً، فلنضحِّ بكلِّ مشاعر الفتنة والمشاعر الشيطانية، ولنحوِّلها إلى مشاعر الرحمة والمودّة والتسامح.

إنّ العيد فرصة لنا، ومساحة مضيئة لتأكيد عمق إسلامنا والتزامنا بالحقِّ في مواجهة الانحراف والباطل، وفي مواجهة الرغبات والشهوات، ولإخماد نار العداوات المشتعلة هنا وهناك. العيد فرصة كي نعود إلى ذواتنا، ولنعي أهميّة التضحية في سبيل مواجهة كلِّ التحدّيات المصيرية، وأن نحترس من وساوس الشياطين التي تحاول اختراقنا وإسقاطنا. إنّ أهميّة التضحية أن ينعتق الإنسان من كلّ المظاهر والزخارف الدنيوية في سبيل مرضاة الله تعالى، عندها نشعر بعمق الإيمان في مشاعرنا ووجداننا. فالمجتمع الإيماني الإسلامي الذي يعيش التضحية، هو ساحة مفتوحة وعامّة، يبلغ فيها أقصى ما لديه من طاقاتٍ لتذليل العقبات أمام الحوار والوحدة الانسجام مع الآخرين وتفعيل القوى في سبيل بناء الحياة ونزع فتيل التوتر من كلّ الميادين التي تعرقل مسيرة الإسلام والمسلمين. التضحية أن تفكّر في حجم الإسلام وفي حجم الحياة وحجم المجتمع ككلّ، وأن تعمل كلّ الإمكانات في سبيل تعزيز مفاهيم الإسلام وزرعها في الوجدان والممارسة، فلا أحقاد ولا عصبيّات ولا حسابات في مجتمع الإسلام النظيف الذي يحبّ التضحية في كلّ لحظة من لحظات مسيرته.

العيد هو تجديد العهد والوفاء لأنبياء الله ورُسُله وسيرتهم، فيما جاهدوا وصبروا وأعطوا للناس من عزيمتهم وعلمهم وسلوكهم؛ إنّه إعلان الولاء لله تعالى وحده، ونبذ كلّ أشكال الولاءات للشياطين وأزلامهم، من جنود المال والتسلّط والتكبّر والاستعلاء والفساد. فالعيد مناسبة ليحيا المجتمع كلّ معاني الشكر لله والتقرّب منه، ومن تجلّيات ذلك، أن يتواصل الإنسان مع أرحامه والناس من حوله، ليكون المجتمع مجتمعاً متراحماً متشاركاً في الهموم والآمال، مجتمع الإيمان العامر بالنفوس والعقول، لا مجتمع الأحقاد والتباعد، فالعيد محطّة روحيّة وتربوية وأخلاقية هامّة، تعمل على جعل المجتمع كياناً وعائلة واحدة، يحارب كلّ مشاعر البغضاء والأحقاد، ويزرع مكانها مشاعر الألفة والمحبّة والعطاء.  ولهذا، نستطيع أن نعتبر كلّ يوم عيداً أضحى، إذا كنا نسلم فيه أمرنا لله، وكلّ يوم نتقرَّب فيه إلى الله بالطّاعة هو عيد. قدّم ابتعادك عن المعصية قرباناً لله، قدِّم توبتك قرباناً لله، قدّم مسؤوليتك ومحبتك للإنسان كلّه وللحياة كلّها في سبيل الله ومن أجل الله، فسوف تجد في ذلك كلّ يوم عيد أضحى.

كي نشعر بفرحة العيد، علينا تنقية قلوبنا، وفتح مداركنا على الحقّ، لنتعرف أين نحن من توحيد الله وطاعته، وأين نحن من العودة الطوعيّة المخلصة إليه، والتي تفترض إنساناً مؤمناً بحقّ، يسعى إلى تكريس لغة الحوار والتواصل، وتأكيد روح التضامن والتكافل في المجتمع، إنساناً لا يعرف حقداً ولا غلاً ولا حسداً، بل يحمل مشاعر الرحمة والمحبّة، ويتحرّك بين الناس بكلّ ما يصلحهم وينفعهم ويغنيهم. العيد هو أن تعود أيّامك ولياليك، وأنت لم تعصِ الله في شيء، وهكذا ينبغي أن تكون أعيادنا، والتي هي مواسم فرح، باعتبار أنّها مرتبطة بفترات عبادية زمانية كشهر رمضان، ومكانية كالحجّ، وقد تكون غير ذلك، كالأعياد الباقية، كيوم الجمعة ونحو ذلك، وهي أيّام فرح وسرور، ولكنّه الفرح والسرور الذي يرتبط برضا الله تعالى، ولا يرتبط بما يكون إلى زوال من متاع الدنيا وزخارفها، وبعيداً من تحصيل رضا الله. وسُمِّي العيد عيداً من العود والتجدّد، أي ما يعود بعد ذهابه، فكأنّ الأيّام تروح وتجيء، وبالتالي فهي تعود.►

ارسال التعليق

Top