• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مساعدة الطفل على النجاح

مساعدة الطفل على النجاح
من المؤكد أنّ الطفل يولد ولديه من الطموح واللهفة ما يكفيان لتحفيزه على تعلم المشي والكلام، إضافة إلى المهارات الأخرى. لكن هذا لا يكفي، فكيف تساعدين طفلك على النجاح؟ مهما واجه الطفل من صعوبات (الوقوع أرضاً مرات عديدة) أثناء بذله الجهد ومحاولته المشي أول مرة، إلا أنّه لا يستسلم، بل يصمم على امتلاك هذه المهارة الجديدة المدهشة. ولكن، لاحظ التربويون وعلماء النفس، بعد إجراء دراسات عدة حول موضوع الطموح والحوافز، أنّه بعد مرور سنوات عدة (في مرحلة التعليم المتوسطة أو العليا تقريباً) يبدأ عدد لا بأس به من الأطفال في فقدان حماسهم فلا يعود الواحد منهم يهتم بالنجاح وينضم إلى صفوف المقصرين. وهذا يسبب الشعور بالمرارة والارتباك للأهل، خاصة الذين يعلقون أهمية كبيرة جدّاً على نجاح أطفالهم. لذا، من غير المستغرب أن يتمنى البعض منهم، مجرد تمنٍّ، لو كان في الإمكان تعليم الطموح مثل أي مادة دراسية أخرى. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ من الممكن إعطاء الطفل الفرصة ليصبح شغوفاً بموضوع أو نشاط ما، لكن من غير الممكن إجباره على ذلك. ولأن الطفل يمتلك نسبة كافية من الطموح ما يعتقد علماء النفس، حتى لو لم يبد عليه ذلك، تستطيع الأُم إعادة إحياء رغبته الفطرية في التعلم وتحقيق النجاح، إذا سعت إلى غرس الثقة بنفسه، وشجعته على المخاطرة أحياناً، وعلى تقبُّل الفشل، وحاولت توسيع المجالات التي يمكن أن يبرع فيها.   - الخوف من الفشل: يعتقد علماء النفس، أن سبب خمود جذوة طموح الطفل، يعود إلى الخوف من الفشل أو الخوف من سخرية الأنداد، الذين يعتقدون أنّ الاهتمام بمظهر الطفل الـ"كول"، أهم كثيراً من أن يكرس جل وقته للدراسة والتحصيل العلمي. ولكن، تستطيع الأُم التي تلعب دوراً رئيسياً في حياة طفلها في الغالب، وأن تشجعه على الدراسة وذلك بمدح جهوده ونجاحاته، وأن تبين له أن أهمية النجاح لمستقبله تفوق كثيراً أهمية مظهره الـ"كول"، الذي لا يحقق له شيئاً. في حين يعتقد بعض التربويين أنّ النظام التعليمي الذي يركز كثيراً على نتائج الامتحان والتمييز الظالم بين الأطفال بناء على مستوى قدراتهم، يمكن أن يكون سبباً آخر، لأنّ التمييز يقضي على الحوافز عند الأطفال المصنفين غير موهوبين أو غير أذكياء.   - أهمية الأنشطة: من المهم أن تشرك الأم طفلها في أعمال تطوعية، وفي فرق رياضية وأنشطة غير مدرسية أخرى، ليتعرف إلى العالم الآخر خارج حدود المدرسة والدراسة، وذلك لأنّ معظم الأطفال يعتبرون الحياة الدراسية كشيء منفصل عن طموحاتهم وأهدافهم في الحياة. إنّ المفتاح لجعل الطفل يطمح إلى تحقيق نجاح جيِّد في المدرسة، هو تحريره من فكرة أن لا علاقة للدراسة بالطموح. على الأُم أن توضح لطفلها أنّ الأداء الجيِّد في المدرسة يساعد فعلياً على تحقيق أحلامه، وأن تجعله يدرك أنّ العلاقة بين الطموح والدراسة تشبه إلى حد ما العلاقة بين المشي والجري. فلو لم يتعلم المشي لما تمكن من الجري.   - مساعدة الطفل على النجاح في الحياة: إنّ مساعدة الأُم طفلها لينجح في الحياة، لا تعني تعليمه كيف يصبح مشهوراً أو غنياً، بل تعني تعليمه أن يبذل أقصى جهد ممكن ليصبح شخصاً مميزاً، ويتم ذلك من خلال استخدام أساليب تربوية محددة وتعليم الطفل مهارات تساعده على النجاح وترافقه مدى الحياة، منها: - البراعة: إنّ تعليم الطفل تهدئة نفسه بنفسه، وتعريفه أن في إمكانه حل أي مشكلة بطرق عدة، وجعله يسعى إلى التوصل إلى الحل وحده، يمكن أن تساعده على تحقيق أكبر فائدة ممكنة من الوضع الذي يجد نفسه فيه. وهذا في المقابل يساعده على النجاح بغض النظر عن الطريق الذي يسلكه في الحياة. ولكن، على الأم أن تكون صبورة، لأنّ قدرات الطفل محدودة، ويحتاج إلى وقت كي يصبح بارعاً ويتمكن من اتخاذ القرار المناسب. عليها ألا تستعجله في اتخاذ القرار، والأسوأ ألا تقرر عنه. - الحماسة: إذا لم يكن الطفل متحمساً لفعل أي شيء، فإنّه لن يهتم لأي اقتراح يعرض عليه. من الأخطاء الرئيسية التي يرتكبها الأهل، الافتراض أن يحب الطفل تلقائياً ما يحبون هم. على الأم ألا تعمل على جعل طفلها يتبنى أهدافها نفسها. بل عليها أن تسعى إلى معرفة اهتماماته هو وتشجعه على تطويرها، إذ من غير الضروري أن تكون طموحات الطفل هي نفسها طموحات الأم. - الإبداع: إنّ التفوق العلمي أمر يطمح إليه الجميع لكن لا يستطيع كل طفل تحقيقه. ولكن يجب عدم إغفال دور المهارات الإبداعية في مساعدة الطفل على توسيع آفاق تفكيره، وعلى حل مشاكله، وعلى النجاح في نواحٍ أخرى غير علمية. لذا، على الأُم أن توفر لطفلها كل ما يمكن أن يساعده على الإبداع من أدوات وغيرها. وأن تبدأ في تعليمه مهارات متعددة مثل القراءة واستخدام المكعبات الخشبية في بناء أبراج وبيوت وتنفيذ أعمال فنية أخرى، في سن مبكرة جدّاً، وأن تشترك معه في أنشطة تنمي قدراته الفنية. - أخلاقيات العمل: بالإضافة إلى ضرورة تركيز الأُم على تعليم طفلها بذل الجهد والمثابرة وعلى ضبط سلوكه، عليها أيضاً التركيز على تعليمه أخلاقيات العمل مثل الأمانة والاستقامة والنزاهة، والقدرة على التواصل والتعاون مع الآخرين. على الأُم ألا تبالغ في توقعاتها من طفلها. فإذا كلفته بعمل ما، يجب أن يكون معقولاً ويتناسب مع قدراته. عليها ألا تتوقع من طفل في عمر السنتين أن يقوم بعمل لا يستطيع إلا شخص بالغ تنفيذه، لأن ذلك يؤدي حتماً إلى فشل الطفل وإلى شعورها هي بالإحباط. - الفعالية: إضافة إلى وجوب تمتع الطفل بالثقة والاعتزاز بالنفس، وإلى القدرة على السيطرة، يجب أن يكون فعالاً أيضاً في القدرة على التحكم في كل مفاصل الحياة، لأنها مهارة ضرورية في مساعدة الطفل على النجاح. على الأُم ألا تشعر بالقلق كلما حاول طفلها اتخاذ خطوات متقدمة، لأنّها بذلك تمنعه من تجاوز الحدود القائمة ومحاولة التعرف إلى شيء جديد، وتجرده من قدرته على مواجهة التحديات وحل مشاكله بنفسه. - التخيل: يمكن تنمية مخيلة الطفل من خلال التحفيز. فالمعروف أنّ الأطفال يتمتعون بخيال واسع ونشط. على الأُم أن تستغل فترة وجودها مع طفلها في الفراش قبل النوم وأن تطلب منه أن يتخيل نفسه أنّه نجح بتفوق في امتحانه. بهذا تشجعه على تخيل نفسه ناجحاً وتحفزه على بذل الجهد ليتحول حلمه إلى حقيقة. إنّ الطلب من الطفل التحدث عما يمكن أن يساعده على النجاح بالتفصيل، يشجعه على وضع خطط مسبقة وعلى تخيل المراحل التي يمر بها ليحقق النجاح. إذا أصبح هذا الأسلوب روتيناً يومياً تتبعه الأُم قبل النوم تقدم بذلك مساعدة كبيرة للطفل تدوم معه طوال حياته. - القدرة على الاحتمال: يقابل الطفل في الحياة أشخاصاً عديدين يختلفون عنه بطريقة أو أخرى. يمكن أن يكون الاختلاف في لون البشرة، اللغة، الدين، وجهات النظر.. إلخ. مهما كان الاختلاف، واجب الأُم تعليم طفلها تحمل الطرف الآخر واحترام حقوقه وتقبله كما هو تماماً مثلما يحب هو أن يتقبله الطرف الآخر ويحترم حقوقه. - الاهتمام بصحته: إنّ الصفة العامة التي يتشاركها الأشخاص الناجحون، هي الاهتمام بالصحة. من الصعب أن يحقق الشخص طموحاته وأحلامه إذا كان معرضاً للإصابة بأي مرض أو عدوى عند الاختلاط مع الآخرين. إنّ تعليم الطفل قواعد النظافة الصحية، وعادات الأكل الجيدة، وأهمية الرياضة تعتبر من الوسائل المهمة في مساعدته على النجاح في الحياة. - قول الحقيقة: الكذب كذب سواء أكان "أبيض" أم غير "أبيض"، فإن من واجب الأُم أن تبين لطفلها أنّه لا يمكن الثقة بشخص يكذب، وليس من السهل نسيان ماضيه بعد أن يعرف بين الناس أنّه كاذب. إن تعليم الطفل قول الحقيقة دائماً أو السكوت عن قول أي شيء أفضل من الكذب ميزة تساعده على النجاح طوال حياته.   - تشجيع: تشجيع الطفل على السعي إلى تحقق حلمه هو لا حلم الأُم. على الأُم أن تفسح المجال أمام طفلها للانخراط في أنشطة يحبها هو لا هي. تسعى معظم الأمُهات إلى دفع أطفالهنّ ممارسة أنشطة أو هوايات يستمتعن بها، بينما قد يرغب أطفالهنّ في اكتشاف هوايات أخرى يحبون ممارستها. هناك فرق كبير بين جعل الطفل يفعل ما تحب الأُم، وبين أن تحب الأُم ما يفعل الطفل. فإذا سعت الأُم إلى وضع أجندة تخالف ما يحب طفلها تعمل بذلك على نشوء خلاف بينها وبينه وشعوره بالامتعاض، منها: - تعليم الطفل أن يكون اجتماعياً: من المهم أن تؤمن الأُم مستقبلاً ناجحاً لطفلها. ولضمان ذلك عليها أن تساعده على الانخراط في الحياة الحقيقية. أن تعلمه اكتساب الأصدقاء، والمشاركة، وتبادل المعلومات والأفكار مع الآخرين، والتكيف مع الوضع الذي يجد نفسه فيه. لا تستطيع الأُم أن تحمي طفلها من العالم الخارجي كل الوقت. وليس هناك من سبب يدعو الأُم إلى الخوف من ترك طفلها وحده لفترة زمنية محددة. فالطفل يقع ويؤذي نفسه، سواء أكانت الأُم بقربه أم لم تكن. فمن الطبيعي حصول مثل هذه الأمور أثناء نمو الطفل، كما يجب أن يختبرها الطفل ليتعلم كيف يتكيف معها عندما يكون وحيداً. - مدح جهود الطفل: يبذل الطفل جهداً أكبر عندما يعرف أن أمه تراقب ما يفعل وتثني على جهوده، وتشعره بأنها تقدر محاولاته حتى لو لم تكن جميعها ناجحة، لأنّها بذلك توحي للطفل بأن بذل الجهد مهم جدّاً للنجاح. وحتى يكون المديح فعالاً، على الأُم أن تكون صادقة ومحددة. مثلاً، إذا رأت الأُم طفلها محبطاً لأنّه لا يستطيع رسم الحصان جيداً، يمكنها القول له: "لاحظت أنك تبذل أقصى ما تستطيع من جهد لرسم حصان بصورة جيدة. من الصعب رسم الأحصنة". أو أن تمدح تصرفه إذا توقف عن ضربها أو ضرب شقيقه أو شقيقته، بأن تقول له: "أنا فخورة بك. لاحظت أنك لم تضرب أحداً اليوم". إنّ اهتمام الأم بالأنشطة التي تكلف الطفل بها وطريقة تنفيذه لها وتجاوبه معها، يشجعه على مواجهة التحديات وبذل الجهد لحل المشاكل، بدلاً من أن يهرب منها خجلاً. - الثقة بالنفس: إنّ الطفل الذي لا يملك ثقة عالية بالنفس معرض دائماً للفشل. لذا، على الأُم أن تبدأ في تشجيع طفلها ومساعدته عن تنمية ثقته بنفسه وتعزيزها في سن مبكرة ليتمكن من تحقيق النجاح. فالطفل أثناء محاولاته الأولى في الشقلبة، الابتسام، الوقوف، الجلوس، المشي... إلخ، يحتاج إلى دعم من المحيطين به، وخاصة من الأُم. معظم الأُمّهات يشجعن أطفالهنّ ويدعمنهم عندما يبدأون المشي. ولكن عليهنّ الاستمرار في تقديم الدعم حتى بعد أن يتقن الطفل مهارة المشي أو أي مهارة أخرى، حتى لا يفقد الطفل حماسته وثقته بنفسه. إذا كانت الأُم ترغب في أن يكون طفلها ناجحاً، فعليها أن تكون واضحة في حديثها معه. مثلاً، أن تقول له بثقة "أنا متأكدة من قدرتك على النجاح". عليها ألا تشعر طفلها بأنها تشك في قدراته. عليها أن تفترض دائماً أنّه سينجح، فإذا تعثر عليها أن تدعمه لا أن تنتقده. فالطفل يتعرض لانتقاد كافٍ من أنداده ومعلماته. لذا، فهو في حاجة إلى دعم الأُم. يجب أن تؤكد الأُم لطفلها أنها تسانده دائماً. والأهم، أنها تؤمن به وبقدراته. - الظهور بمظهر القوي: من الصعب أن تعلم الأُم طفلها أن يظهر دائماً أنه قوي وليس ضحية. بداية، عليها تعليمه تحمل مسؤولية نتائج أعماله. فإذا علمته أنّه هو من يقرر ما يريد فعله ويقرر مصيره فإنّها بذلك تزرع الثقة بنفسه فيشعر بأنّه قوي وقادر على النجاح في ما يقوم به. عليها أن تعلمه أنّه حتى لو أخطأ فلا ضير في ذلك، لأنّه إذا كان قوياً يستطيع أن يتعلم من خطئه. مثلاً، إذا لمس الطفل الموقد واختبر ألم الحروق، فعلى الأم أن تخفف عنه، ثمّ تقول له: "حامي". عندها يتعلم الطفل درساً لن ينساه. أو إذا عاد الطفل من المدرسة محبطاً لأنّ الأمور لم تسر حسب هواه، على الأُم أن تخفف عنه ثمّ تساعده على الخروج بنتيجة مما حصل معه.

ارسال التعليق

Top