يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» (الحشر/ 18). تبين الآية الكريمة وتؤكد على ضرورة مراقبة النفس ومحاسبتها، حيث إنّ من أسمى مظاهر العقل هو البحث عن الخطأ في أعماق النفس، أي أنّ الإنسان يغوص في أعماقه الزاخرة بالأفكار والرغبات والميول والعواطف والأفعال والأقوال واكتشاف مواطن الخطأ ومن ثمّ اجتنابها.
من غير المنتظر أن لا يخطىء الإنسان، إذ من الطبيعي أن يخطىء فكلّ ابن آدم خطّاء، ولكن المنتظر من الإنسان الاستفادة من هذا الخطأ وعدم تكراره. ليس الفرق بين المؤمن وغير المؤمن في أنّ الأوّل لا يخطىء في حين يخطىء الآخر. الفرق يكمن في أنّ المؤمن يستفيد من أخطائه فلا يكررها في حين أنّ غير المؤمن يصدم بأخطائه مراراً وتكراراً دون أن يلتفت إلى ضرورة تجنبها في المستقبل. يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «فكر فيما قيل فيك»، أي: إن وجود هذا العيب فيك أو عدمه مبهم بعض الشيء حتى بالنسبة لك، وقد لا تصدق بوجوده من دون تفكير وتأمل، فإنّ الكثير من الرذائل كالحسد، والتكبر، والأنانية موجودة، وإن كانت بمراتب ضعيفة، عند كثير من الناس لكنّهم غير مصدّقين بذلك». فكثيراً ما توجد في المرء عيوب تكون غائبة عن باله، لأنّ من جملة حيل النفس- التي تُعدّ موجوداً عجيباً إلى أبعد الحدود- هي سترها لعيوب الإنسان ونقائصه حتى عن نفسه، فهي أحياناً تجعل الأمر مشتبهاً على الإنسان نفسه فتُظهر نفسه له بشكل لا يُصدّق معه أنّه إنسان سيئ.
إن ضرورة التفكّر للوقوف على عيوب النفس، يحتم علينا ويوجهنا للسير برحلة البحث في كتاب الله تعالى ويوصلنا إلى قوله سبحانه: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا» (النساء/ 49). إنّ هذا المنهج (منهج المحاسبة الذاتية) قد رسم الإسلام أطره وحدّد أبعاده في دستوره الخالد (القرآن الكريم) الذي راح يؤكد على إشاعة مفهوم اليقظة الدائمة في النفوس لتكون على وعي تام بما تسلكه وبما يجب أن تسلكه في الحياة وهكذا راح القرآن يهاجم الساهين عن أداء أعمالهم ويندد بالخاملين الجامدين وينعى على الغافلين غفلتهم عن التزام جانب الوعي في مهماتهم الحياتية ومن ثم وتّد الإسلام أركان مبدأ المحاسبة الذاتية التي تعني الالتزام بجانب الوعي واليقظة الدائمة، على لسان الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا».
هذه المرتكزات الفكرية التي تنعقد على قلب المرء المسلم تدفعه بحرارة إلى مراجعة حساباته وتدقيقها لإزالة الانحراف والمعصية عن نفسه وعن واقعه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق