• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ثمرة نفع وخدمة الناس

عمار كاظم

ثمرة نفع وخدمة الناس

الخدمة العامّة وقضاء الحاجات الضرورية هي لحفظ حياة الإنسان وتأمين رفاهيته والتي يجب توفيرها لعامّة أفراد المجتمع، والالتزام في منهج بغية توفيرها والرفع من المستوى المعيشي، وتلبية هذه الخدمات تعتمد على المجتمع، وهي ليست مرتبطة بزمن معين، بل هي عملية دائمة مستمرة.

 من النعم الإلهية الكبرى أن يوفَّق الإنسان للقيام بخدمة أو معروف اتجاه إخوانه، لأنّه لو اطلع على ما أعدّه الله تعالى له من عطاء أبدي لا ينفذ لأدرك أنّ الأمر بالعكس بمعنى أنّ المحتاج والمخدوم هو الذي يسدي خدمة للخادم والباذل لأنّه السبب في حصوله على هذه الهبة الربّانية، وعليه ليس من الصواب أن تُتاح فرصة لأحدنا كي يقوم بتقديم مساعدة للآخرين وقضاء حوائجهم فيفوّت تلك الفرصة، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله تعالى عمره».

 جاءت الشريعة الإسلامية ساعيةً لتعزيز القيم والأخلاق الحميدة المختلفة في نفوس الناس، ومصداقٌ على أنّ من الغايات السامية من إرسال الرُّسل والأنبياء (عليهم السلام) تعزيز الأخلاق الحسنة، ما روي عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّما بُعِثتُ لأتمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ»، ومن أهم هذه الأخلاق الحسنة التي يحثّ عليها الإسلام وهو نفع الناس وتقديم الخدمة لهم، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «خيرُ الناس أنفعهم للناس»، المسلم مدعو لكي يساعد أخوه المسلم، ويقف منه موقف الصديق كما في قوله سبحانه وتعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71). إنّ أشرف عباد الله تعالى وأحبّهم إليه مَن كان أكثر نفعاً لعباده الآخرين، ويكون نفعه لهم بما يسديه إليهم من معروفٍ وما يقدِّمه لهم من نِعمٍ، وما يسعى في قضاء حوائجهم، والتخفيف عنهم، والوقوف معهم، وعونهم، فمن كان حريصاً على كلِّ ذلك كان من خير الناس وأحبّهم إلى الله تعالى. ولثمرة نفع الناس ومعاونتهم جاءت كثيرٌ من النصوص القرآنية الحاثة على التعاضد والتآخي وإسداء المعروف، ومدِّ يد العون لمن يحتاج، ومن ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2).

 كما ولنفع الآخرين ومعونتهم ثمراتٌ وآثارٌ تعود على الفرد بوجهٍ خاصٍ وعلى المجتمع كلّه بوجهٍ عامٍ، ومن هذه الثمرات والآثار: إشاعة الألفة والمحبّة بين الناس. إزالة أسباب التحاسد وبواعث الحقد والبغضاء من نفوس الناس. تحقيق معاني الأخوة الإسلامية والإنسانية. تحصيل محبّة الله تعالى، والفوز برضوانه وجنّته. وإنّ الله - سبحانه وتعالى - يكون مع العبد الذي يخدم عباده الآخرين ويعينهم، فينصره ويسدِّده ويعينه، ويقف معه في كلِّ موقفٍ. وقد جاء الحديث الشريف مؤكداً أنّ عون العبد لأخيه تقابله معونة الله تعالى له، وتفريج العبد لكربة أخيه يقابله تفريج الله تعالى لكربته يوم القيامة، وتيسير العبد على غيره في شأنٍ من شؤونهم يوازيه تيسيرٌ من الله تعالى لأُمور العبد في الدنيا والآخرة، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): «مَن نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يسَّرَ على معسرٍ، يسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ، ومَن سترَ مسلماً، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه».. والكربة: الحزن والهمُّ والضيق، وعون العبد لأخيه يكون بالمال والعلم والنصح والمشورة وغيرها من وجوه العون، وفي الحديث الشريف دليلٌ على أنّ الجزاء من جنس العمل؛ فمَن أعان يُعان، ومَن ستر غيره يُكافأ بستر الله تعالى له، ومَن فرَّج كرباً يُجازى بتفريج كربته، ومَن يسَّر على غيره يسَّر الله تعالى له وعليه في كلِّ أُموره وشؤونه.

 

وتبقى قاعدة جلب الخير ودفع الشرّ هي المحك والمقياس لكلّ فعل أخلاقي إسلامي تستمد منها الروح الإسلامية إيجابيتها الدينية والدنيوية والأخلاقية والأدبية وغيرها. قال تعالى في أهل الخيرية والإيجابية التي هي أصل كلّ حراك إنساني اعتقاداً وفكراً وسلوكاً وواقعاً ملموساً: (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران/ 114). وقال تعالى في ورثة الخيرية والإيجابية: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر/ 32).

ارسال التعليق

Top