• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معاني التوبة والاستغفار في الشهر الفضيل

عمار كاظم

معاني التوبة والاستغفار في الشهر الفضيل

يريد الله سبحانه وتعالى من الصائم ما حدثنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «وتوبوا إليه من ذنوبكم، أيّ أن يستحضر الإنسان في صومه التوبة إلى الله، بحيث يشعر بخطورة ما قام به تجاه ربّه، ليتذكر ما ارتكبه من أخطاء في الماضي، في الكبير من أعماله وفي الصغير منها، والله فتح للإنسان باب التوبة، ولقد علّمنا الإمام علي بن الحسين زين العابدين (علیه السلام) أن نتحدّث مع الله عن طبيعة معصيتنا، التي لم تكن تمرداً عليه: «إلهي، ما عصيتك إذ عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد، ولا بعقوبتك متعرض، ولا بأمرك مستخفّ، ولا بوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت ـ شيء طارىء في حياتي ـ وسوّلت لي نفسي، وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرّني سترك المرخى عليّ، فقد عصيتك وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً من يخلّصني، وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك عني»، أن يتوب الإنسان من صغائر ذنوبه وكبائرها ـ وارفعوا إليه أيديكم بالدُّعاء في أوقات صلواتكم». حاول أن تدعو الله قبل الصلاة وفي أثنائها، في ركوعك وسجودك وقنوتك، لأنّ للزمن ميزة في عالم استجابة الدُّعاء، فعلينا أن نرفع أيدينا بالدُّعاء، وقد أراد الله لنا أن ندعوه في كلّ ما أهمّنا: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186) و(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60). ولذلك، فإنّ علينا، في أوقات صلواتنا وأوقات صيامنا، أن ننفتح على ربنا، ونفتح قلوبنا بين يديه، ليطّلع سبحانه عليها ويرى صدق التوبة: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى/ 25). توبوا إلى الله في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل الساعات، ينظر الله ـ عزّوجلّ ـ فيها بالرّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه..

ثم يؤكد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيّها الناس، إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ـ كما إذا رهنت مالك عند شخص لقاء دَيْن له عليك، ألا تحاول سداده لتحرر مالك، (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر/ 38)، كيف نفك رهن أنفسنا؟ فكوها باستغفاركم، لا تتركوا الاستغفار لله عمّا أسلفتم، في أيّ وقت من الأوقات، في البيت، والسيارة، وفي المحل.. ـ وظهوركم ثقيلة بأوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم، فإنّ الله أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروّعهم بالنار يوم يقوم الناس لربِّ العالمين».

وهكذا نجد كيف يخسر الإنسان الذي لا يصلي ولا يسجد، الكثير من رحمة ربه ولطفه وأمنه له بالنجاة من النار.

إن الله يريد منّا أن نتحسّس في الصوم معاني التوبة والاستغفار، والتخفف من كلِّ الأوزار، وأن نستحضر معاني يوم القيامة، كما يريدنا سبحانه أن نصوم الصوم الاجتماعي، بأن نتحمل مسؤولية الفئات الفقيرة والمحرومة في مجتمعنا، كلٌّ بحسب إمكاناته وطاقاته، «وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم»، بشكل إفرادي أو اجتماعي، حيث جعل الله الصدقة تطيل العمر، وتطرد المرض، وتخفف البلاء، وقد أراد للإنسان أن يتخفف في هذا الشهر الشريف من كلِّ حقوق الله وحقوق الناس المستحقة عليه، ولذلك نجد أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في شهر رمضان يدعو الله أن يطهر النفوس بإخراج الزكوات، فمن حاول الشيطان أن يسيطر عليه، من خلال وعده له بالفقر إذا أخرج حقوقه الواجبة عليه، فإنّ عليه أن يتمرد على الشيطان وينفتح على الله، ليطهر نفسه بإخراج كلّ ما أراد الله له أن يخرجه من خمس أو زكاة أو غير ذلك. (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ...) ويقول لك إن لك عيالاً وتتحمل مسؤوليات وعليك أن تحسب حساب المستقبل، لا تخرج خمسك أو زكاتك (وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا)، فكر من الذي رزقك هذا المال؟ إنّ الذي رزقك هذا المال جعل للفقراء حصة فيه ، فعليك أن لا تبخس حقوق الفقراء فتحبسها عنهم، وعليك أن تثق أن الذي رزقك بالأمس سوف يرزقك غداً (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات/ 22).

ارسال التعليق

Top