الشباب الدائم كان ولا يزال حلم الإنسان، ومنذ القدم لم يكف الناس عن البحث عن نبع للشباب يهب الصحة ويطيل العمر حتى عصرنا الحالي حيث يحاول العلم التوصل إلى دواء للشيخوخة يبعث النشاط في الجسد والنفس في آخر العمر، وإذا كانت المحاولات في القدم ذات طابع أسطوري فإنّ محاولات العصر الحديث تبدو علمية حيث تتركز في البحث عن عقاقير من الطبيعة مثل خلاصات نبات الجنسانا من شرق آسيا الذي ينشط الجهاز العصبي في كبار السن والهرمونات التي تعوض نقص هذه المواد في السن المتقدم، فالهرمون الأنثوي يعالج بعض صعوبات السيدات بعض توقف الحيض ويصلح نسبة من متاعب "سن اليأس" في المرأة، أما في الرجال فلا شيء يقابل سن اليأس، ولكن الهرمونات الذكرية لها دور جيد في الحالات التي تعاني من نقص هذه المواد، وفي هذا المجال أيضاً هناك وصفات طبية أخرى للمسنين مثل الدواء الذي أدخلته للاستخدام أن أصلان من معهد الشيخوخة ببوخارست في رومانيا والذي انتشر استخدامه فيما بعد، كما أنّ هناك من يوصي بأنواع من الغذاء مثل غذاء ملكات النحل أو بعض الفيتامينات وغير ذلك.
وكلّ ما سبق محاولات جيدة غير أنّ الأمل الذي نعلقه على الطب لحل مشكلة الشيخوخة والتوصل إلى سر للشباب الدائم لا يبدو موضوعياً، فالأطباء يمكن أن يقوموا بعلاج الأمراض وتحسين الحالة الصحية ولا يجب أن نطالبهم بأكثر من ذلك، فلا مانع من استمرار هذه المحاولات لكن علينا جميعاً حين يتقدم بنا العمر أن لا ننسى أنّ الحياة لم تنته بعد، وأنّ علينا أن نعيش أيامها حتى آخر لحظة، وإذا ريعان الشباب قد ذهب وجاءت الشيخوخة فإنّ بالإمكان أن يظل المرء منا يحمل قلب وروح الشباب ويستمر كذلك مهما تطول به الحياة.
ولكي نطمئن بأنّ الاستمرار في الحياة يمكن مع الاستمتاع والعمل والعطاء بل والإبداع حتى في السن المتقدم هناك أمثلة كثيرة من الفنانين والشعراء والفلاسفة نذكر منها "مايكل آنجلو" الذي ظل يواصل رسم لوحاته حتى وصل عمره إلى 89 سنة، و"فيردي" الذي أبدع أفضل أعماله وهو في الثمانين، والموسيقار الألماني "فاجنر" وضع أشهر ألحانه وعمره 72 سنة، و"جوته" الذي قام بتأليف أشهر أعماله "دكتور فاوست" وهو في الثمانين، وفي مصر هناك أمثلة على ذلك من الأدباء توفيق الحكيم وطه حسين والكاتب الكبير نجيب محفوظ الذي حصل على جائزة نوبل وكلّها تدل على استمرار العطاء والإبداع الفكري حتى مرحلة متقدمة ولم يكن للسن أي أثر عليهم، وليس أي واحد منا مطالباً بأن يحقق المزيد من الإنجازات في الشيخوخة فأيام الإنجاز في حياة الناس غالباً ما تكون العقد بين الثالث والرابع لكن الحياة لابدّ أن تستمر بمواصفات مقبولة حتى نهايتها.
ولا نعني بالشباب الدائم أن يحاول من يتقدم به السن أن يبدو أصغر مما هو عليه فإنّ مثل هذه المحاولات لا ننجح في العادة فيها كما ترتبط بالكثير من القلق صحيح أن نطهر الشيخوخة بما فيه من نقائص مثل سقوط الأسنان، وانحناء القوام، والتغييرات التي تصيب شكل الجلد حين تظهر التجاعيد وتذهب النضارة كلّ ذلك قد يجعل الشخص يفتقد الجاذبية التي تمتع بها في مراحل حياته السابقة لا مانع إذن من تحسين هذه الصورة لكن الإبقاء على مظهر وقار الشيخوخة وتحقيق التوازن بين حسن المظهر وأن يبدو الشخص مطابقاً لسنه.
ومن أسرار الشباب الدائم أن يظل المرء يعمل مهما كانت حالته، وأن يمارس الرياضة والنشاط، ولا يشترط أن يكون جاداً أو منتظماً، فالمقصود هنا هو شغل الوقت لا الكسب المادي، فلا مانع من أن يكون العمل هو إحدى الهوايات الممتعة مثل تربية النبات أو الحيوان، كما أنّ النشاط والرياضة يمكن أن تتضمن المشي لمدة قصيرة كلّ يوم دون إجهاد، أو حتى الحركة على كرسي متحرك لمن لا يستطيع المشي، إنّ ذلك لا يفيد الصحة العامة فحسب بل يدفع إلى الثقة، ويبعد الملل والرتابة القاتلة.
إنّ دراسة حياة الذين بلغوا سناً متقدماً – ومنهم من تجاوز المئة عام – وهم في حالة جيدة من الصحة والنشاط أوضحت أنّهم جميعاً تقريباً يشتركون في بعض الصفات أهمها التفاؤل وحب الحياة، والتفكير الإيجابي الذي يجعلهم يتكيفون مع الخسارة مثل موت الزوج أو الزوجة أو فقد الأبناء، كما أنّ الكثير منهم يكون لديهم التزام بقضية أو عمل أو عقيدة مع المشاركة الفعلية في مجال محبب مثل الأعمال الخيرية.
ومن الأشياء الهامة في مسألة الاحتفاظ بالشباب الدائم التمسك بكلّ ما يشيع المرح والترويح عن النفس والابتعاد عن كلّ ما يعكر الصفو قدر الطاقة فالمسنون الذين يبدأون يومهم بقراءة صفحات الوفيات في الصحف، والذين يمضون الوقت في قراءة كلّ ما يتعلق بأمراض الشيخوخة ومشكلاتها، والذين يدأبون على التردد على الأطباء بمناسبة وبدون مناسبة ويظلون في قلق دائم على صحتهم هؤلاء غالباً ما يفتقدون عنصر المرح في حياتهم ليحل محله النكد الذي يسرع بتدهور العقل والجسد، والبديل لذلك هو الابتعاد عن هذه الأمور، فبدلاً من قراءة صفحات الوفيات لماذا لا نقرأ موضوعات خفيفة ونشاهد برامج ضاحكة تثير في النفس البهجة والمرح؟ وبدلاً من قضاء الوقت مع الذين لا يكفون عن الشكوى والمتبرين من الحياة لم لا يكون أصدقاؤنا ممن يعرف عنهم الفكاهة والدعابة؟ ولمَ لا نضحك من همومنا بدلاً من أن نستسلم للكآبة واليآس؟
أما الذين يبالغون في القلق على صحتهم، ويترددون على الأطباء بدون مناسبة فأول لهم بعضاً مما جاء في كتاب حديث حول الذين يفعلون ذلك حيث يذكر مؤلفه وهو طبيب معروف أنّ ما يتحدث عنه كبار السن من ضرورة الفحص الطبي الدوري كلّ سنة أمر لا لزوم له، كما أنّ كثرة التردد على العيادات والمستشفيات يعني زيارة أماكن خطرة قد تسبب لهم أضراراً صحية، وكذلك فإنّ الكثير من العمليات الجراحية لا يفيد إلّا قليلاً مقارنة بما ينجم من مشكلات، أما التحاليل الطبية التي يحرص البعض على القيام بها بانتظام فإنّها غالباً ما تكون متناقضة وغير دقيقة، والدواء تفوق الآثار الجانبية له كلّ ما نتوقعه منه من فوائد! إنّ هذه ليست دعوة إلى إهمال المسن لصحته لكنها في الواقع دعوة إلى نبذ المخاوف التي يفوق تأثيرها كلّ الأمراض، إذن علينا جميعاً أن ندع القلق ونستمتع بالحياة دون خوف.
إنّ بإمكاننا أن نهيّئ لأنفسنا جواً ملائماً وحياة يملؤها الهدوء والسلام النفسي حتى وإن لم تكن كلّ الظروف مواتية، فالسعادة لا يمكن أن تأتي إلينا من الخارج لكنها موجودة في داخلنا ومن حولنا وكلّ ما علينا هو أن نتلمس أسبابها ونحب الحياة ونتمسك بها حتى آخر لحظات العمر.
الكاتب: د. لطفي الشربيني
المصدر: كتاب الزهايمر/ مرض (أرذل العمر)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق