• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معاني الإنسانية في واقعة كربلاء

عمار كاظم

معاني الإنسانية في واقعة كربلاء

يوم عاشوراء يوم الإسلام العظيم الذي يبعث في المسلمين روح العزّة والكرامة والشرف والمجد والعظمة، يوم التضامن مع المظلومين والمستضعفين. ففي أكثر من مشهد عاشورائي، تجلت مواقف إنسانية فريدة، ومن أبهى تلك المواقف، بكاء الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو ينظر إلى جيش عمر بن سعد، فسألته أُخته الحوراء زينب (عليها السلام): «أتبكي يا أخي؟ فقال: والله ما على نفسي بكيت، بل على دخول هذه الجموع إلى النار».

وعن المُثل الإنسانية الفريدة - على مستوى تاريخ البشرية - التي كانت في واقعة كربلاء، كتب الأديب المسيحي (أنطون بارا) في كتابه (الحسين في الفكر المسيحي): «جدير بقدسية رسالة الحسين أن يقدمها العالم الإسلامي كأنصع ما في تاريخ الإسلام إلى العالم المسيحي، وكأعظم شهادة لأعظم شهيد في سبيل القيم الإنسانية الصافية، الخالية من أي غرض أو إقليمية ضيِّقة، وكأبرز شاهد على صدق رسالة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكلّ رسالات الأنبياء التي سبقتها».

في كربلاء نهض الإمام سيِّد الشهداء (عليه السلام)، مقدماً نفسه الزكية وأولاده وإخوته وأصحابه، في واقعة دامية مروعة، أعطى فيها (عليه السلام) كلّ ما يملك من أجل الإنسان وحرّيته وكرامته، وتخلى فيها أعداء الحسين (عليه السلام) عن كلّ ما يمتُّ للقيم الإنسانية من صلة، وللذين يحتفون بعاشوراء الاعتبار والاقتداء، فإنّ الحسين (عليه السلام) عِبرة وعَبرة، أُسوة وقدوة، دنيا وآخرة، وإنّ في الاعتبار والاقتداء تتجسد المحبّة والوفاء لإمام ضحّى في كلّ شيء من أجلنا جميعاً، فهل من وفاء ورد لبعض جميله؟!

جاء الإسلام إلى تحرير الإنسان من الأغلال، سواء أكانت في حياته المادّية أو الفكرية، تحرير يرفع الإنسان (الفرد والمجتمع) من ذل العبودية إلى رحاب عبادة الله تعالى، يقول الله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (النِّساء/ 48).

ومن الشِّرك بالله عبودية الإنسان للإنسان، وخضوعه للسلطة، أية سلطة، سواء أكانت حزبية أو فئوية أو حكومية أو قومية أو عرقية، وإنّ الإنسان المسلم الذي أعلن طاعته لله وعبوديته له تعالى، مخلصاً له الدِّين، لا يقر بأية طاعة إلّا طاعة الله أو طاعة السلطة القائمة بأمره (عزّوجلّ)، التي تتحرّك على ضوء مفاهيم القرآن والسنة النبويّة الشريفة وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام). أو السلطة التي تعاهد عليها «مجتمع بشري» في إطار ما يعرف بالدولة المدنية التي تحفظ النظام العام وحرّيات الناس وكراماتهم وممتلكاتهم. وبالتالي، فإنّ الإنسان في ظل حاكمية الإسلام يتحرر من كلّ أنواع الولاء إلّا ما كان لله تعالى، فإنّ كلّ صنوف الاستبداد والتحكم والتسلُّط يرفضها الإسلام، وحرّية الإنسان في دولة الإسلام لا حدود لها، إلّا حدود الله، وهي الحدود التي ترسم للإنسان سبيل سعادته في الدُّنيا ونجاته في الآخرة.

إنّ جهاد الإمام الحسين (عليه السلام) تمثّل في رفضه للظلم الذي هو أخطر أزمة تضرب المجتمعات. وإنّ سيِّد الشهداء (عليه السلام)، في نهضة كربلاء، قارع سلطة الطغيان وفقهاء السلطة في عصر سُلبت فيه الأُمّة الوعي والإرادة، ضمن عوامل مركّبة وأسباب متعدّدة، فقام الإمام (عليه السلام) بهز الأُسس التي تقوم عليها سلطة الظلم والانحراف، ورفع شعار الثورة ضد الحكم الأموي، وإنْ كلفه ذلك حياته الشريفة، ومن هنا كانت موقعية الإمام الحسين (عليه السلام) عظيمة في قلوب المؤمنين إلى يوم القيامة. فضلاً عن الروايات المستفيضة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) التي بيّنت - بوضوح - المكانة العالية للإمام الحسين (عليه السلام) حتى أنّه لم يكن صحابي إلّا ويحمل في نفسه المودّة والاحترام والحبّ للإمام الحسين (عليه السلام)، لِما سمعوه من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حول الحسنين (عليهما السلام) عامّة، وحول الحسين (عليه السلام) خاصّة. ومن جملة تلك الأحاديث، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن سره أن ينظر إلى سيِّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلى الحسين». وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، وابغض الله من أبغض حسيناً، حسينٌ سبطٌ من الأسباط». وقوله (صلى الله عليه وآله): في حقّ الحسنين (عليه السلام): «مَن أحبّهما فقد أحبني، ومَن أحبّني فقد أحبّه الله، ومَن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومَن أبغضهما فقد أبغضني، ومَن أبغضني أبغضه الله، ومَن أبغضه الله أدخله النار».

ارسال التعليق

Top