جيرهارد هورنر/ ترجمة: محمد جديد
◄هل يحمِّلك فيض المعلومات المتصاعد عندك أيضاً، هموم تأمين منَصّات كتابة طافحة بالأدراج
وهل يحمِّلك هموم أزمة وقت متواصلة وهموم الإحباط؟
إذا كان من الممكن، قبل مئتين وخمسين عاماً، بالقياس إلى امرئ من أنصاف المثقفين، أن يحيط بكامل طيف المعلومات بنظرة شاملة فإنّ هذا يمثِّل اليوم – حتى بالقياس إلى أكبر العبقريات – مسألة تضاهي عملية تربيه الدائرة، معضلة تستعصي على الحل! ومن أجل ذلك لا ينبغي لك، أبداً، أن تختبر نفسك بالتصدّي لهذا.
والحق أنّ الثقافة والميزان يعدّان – من قبلُ ومن بعدُ – من الشروط الأولية الحاسمة للنجاح المهني، والنجاح في الحياة الخاصة. وحتى بعد خمسمئة وخمسين عاماً من اختراع يوحنا جوتنبرج للطباعة التي فتح بها للناس مغاليق المعلومات على النطاق العام، مازال يصح قول المثل: المعرفة قوة.
البحث عن أجوبة مسائل جديدة:
ولكن أصبح ما هو أهم كثيراً مِن أن نُراكم المعلومات ونُخَزِّنها، في مجتمع المعلومات الحديث، الإجابة عن مسائل أخرى:
· كيف أحتفظ بالنظرة الشاملة مع وجود هذا الفيض من المعلومات؟
· كيف أختار معلومات موجهة إلى هدفٍ ما وبسرعة، على قدر الإمكان؟
· كيف أميِّز بين المعلومات المهمة وغير المهمة؟
· كيف أنشئ من المعلومات المختلفة، روابط بين مجالات اختصاص مستقلٍّ بعضها عن بعض كل الاستقلال، ومجالاتٍ علميّة متباينة كل التباين؟
فيض المعلومات طوفان جارف:
العثور على إجابات عن هذه الأسئلة يضاهي فناً حقيقيّاً، لأن تدفّق المعلومات تنامى، من جرّاء الازدياد الهائل في منتجات المطابع، حتى وصل إلى درجة الطوفان الجارف. ولئن كان لا يوجد، في عام 1865، سوى مئة مجلة علمية على نطاق العالم، فقد تصاعد عددها اليوم إلى ما يربو عن مئة ألف مجلة، وفي كل عام يظهر نحو مليون من المنشورات العلمية، وينمو جبل الكتب ويترعرع.
وما كان يبدو بالأمس فحسب، مما ينتمي إلى قضايا الساعة إلى حد بعيد، بات يبدو اليوم قد عَراهُ التقادُم. مرة أخرى، منذ عهد بعيد على نحو شامل، ولاسيّما في مجالات، مثل، الإلكترونيات، وتكنولوجيا المعلومات، وأضف إلى ذلك الثورة التي حدثت من جراء الإنترنت، فباتت المعارف الجديدة تنتشر في العالم كله بسرعة وتغدو في متناول كل فرد.
وثمة نقطة أخرى، وهي التعقيد الذي تزداد شدته على نحو مطرد، وإذا شئنا أن نعبِّر عن هذا بطريقة مبسَّطة فهو يعني أنّ من بدأ بمقدمة فلابدّ له أن يتقبّل نتائجها، ومثال ذلك: من أراد أن يحل المشكلات الاقتصادية فلابدّ له أيضاً أن يعرف آثارها في البيئة البشرية، ومن أراد أن يبحث في العلل الاجتماعية فلابدّ أن تتوافر لديه معرفة سيكولوجية أساسية، ومن أراد أن يتناول بالبحث مسألة أوروبا الموحَّدة فلابدّ له أن يُدْخِل في حسبانه العوامل المتباينة الخاصة بكل بلد من بلدانها.
وليس هناك ما يعو إلى العَجَب مِن أنّ كثيراً من المعاصرين يقفون حائرين أمام هذه التحديات المرتبطة بفيض المعلومات الآخذ في الازدياد على وجه السرعة. ومع ذلك فالاستسلام أمام هذه الأمور خليق أن تترتّب عليه عواقب وخيمة: إذ لن يستطيع من يفعل ذلك أن يشارك في الحديث لاحقاً، في صدد كثير من المضوعات، وسوف يفقد صلته بالواقع وسيغدو عاجلاً، أم آجلاً، وفي عزلة كاملة، سواء من الناحية المهنية أو في الحياة الخاصة.
المطالعة: هي الشرط الأولي للدخول في الإنترنت:
ولذلك لا يبقى أمامك خيار آخر؛ إذ يجب عليك أن تتابع أمورك بغير انقطاع، غير أنك لا تحقق هذا إلّا عندما تتمكّن من المعلومات الكثيرة وتستحوذ عليها، وتستوعبها استيعاباً نقدياً. وتضم إليها معارف جديدة، ومع ذلك فلن تُوَفَّق إلى هذا، مرة أخرى، إلّا عندما تطالع مطالعة كثيرة قَدْرَ ما في وسعك: كتباً، وصحفاً، ومجلات، وصحائف من الإنترنت.
بل يجب أن تطالع في شاشة التلفاز، ذلك لأنّ المطالعة والحاسوب لا يستبعد أحدهما الآخر، بل على النقيض، وذلك أن ثقافة المطالعة – تلك الثقافة القديمة الطيبة التي زعمت مذاهب الشذوذ المرتبطة بالتكنولوجيا لتوِّها أنها ماتت – باتت شرطاً أولياً جوهرياً للدخول في الإنترنت.
طرائف المطالعة التقليدية الموروثة لا تكفي:
ولكن التمكُّن من كميّات المعلومات التي تتنامى في كل حين لا تكفيه المطالعة، كما تعلّمناها في المدرسة، بل بالطبع، باتت بعيدة عن حد الكفاية كل البعد.
إذن ما العمل؟ يجب عليك أن تتدرَّب على القراءة السريعة، وهي أسلوب مهنيٌّ جديد في المطالعة: فهذه الطريقة سيكون في وسعك أن تتلقى وتستوعب أنتَ أيضاً، خلال أقصر الأوقات، كميات من المعلومات لم يكن من الممكن حتى الآن تصوُّر حجمها وتأثيرها، كما يتوافر لك في الوقت ذاته مزيد من الوقت من أجل أمور أخرى في الحياة. ►
المصدر: كتاب القراءة السريعة المهنية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق