• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مخالفة الاهواء بالصوم

د. الشيخ حسين معن

مخالفة الاهواء بالصوم

 إنّ كلّ مؤمن له أهواؤه – قلت أو كثرة وهي قد تتعلق بالمال – الأكل والشرب، الجاه والمركز، التحكم والسيطرة على الآخرين، إلخ. والهدف النهائي الذي يطمح إليه المؤمن هو إلغاء هذه الأهواء من نفسه، وتطهير مشاعره، ووجدانه ودوافعه منها تطهيراً  كاملاً.

أمّا المهمة الآنية والملحة، فهي إضعاف تأثير هذه الأهواء على السلوك، والتحكم فيها، وعدم السماح لها بالسيطرة على النفس، بل عدم السماح لها بالنفوذ بأي شكل من الأشكال.. وبكلمة أخرى: إنّ المهمة الآنية للإنسان المؤمن هي تأمين سيطرة الإرادة الربانية على النشاط، والسلوك بحيث تكون مقدمة على الأهواء، والميول الذاتية في النفس..

والتحكم في الأهواء، وإلغاؤها نهائياً من صفحة النفس والشعور ينتج من مجموعة عوامل أهمها أو من أهمها.. مخالفة الهوى..

"واما مَن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنة هي المأوى".

وذلك لأنّ كلّ عاطفة، أو إنفعال أو هوى، يضعف إذا لم تنفذ مطالبه، ولم يلب ما تقتضيه من تصرفات..

وبكلمة أخرى: توجد لدينا حقيقتان ثابتتان:

1- إنّ لكل عاطفة، أو هوى، أو إنفعال تصرفاً يقتضيه وينتهى إليه، فحب المال ينتهي إلى الحفاظ عليه، وعدم التصدق به وحب المركز يقتضي من الإنسان أن يحاول الظهور أمام الناس في المجالات الفكرية، أو الخطابية أو الدينية..

2- إنّ الفصل بين الهوى، وبين نتيجته العملية، وعدم تلبية مطالبه اضعاف له، وزعزعة لسيطرته على النفس، وتحكمه في السلوك، وتقوية للإرادة الربانية (الجهاز الحاكم في الشخصية الإسلامية). والفصل بين الهوى، ونتيجته العملية أمر ممكن لأنّ العلاقة بينهما علاقة (الإقتضاء) لا علاقة (اللزوم).

إنّ مخالفة الأهواء بالنسبة إلى الإنسان المؤمن العامل في سبيل الله هي من أهم مهامه الآنية.. لأنّه أحوج من غيره إلى الإرادة الحازمة، والقدرة على التحكم في الأهواء ومخالفة النفس.. إنّ خوف مقام الله تعالى، ومخالفة النفس، والصبر، واليقين هي دعائم الشخصية الرسالية القيادية، أو من دعائمها المهمة، وقد بيّن الله تعالى، انّه قد جعل من بني إسرائيل أئمة لما صبروا، وكانوا بآياته يوقنون والصبر، هو الإرادة الحازمة ضد ميول النفس، وإتجاهاتها الذاتية، ولا يتم تكوين هذه الإرادة إلا من خلال مخالفة النفس.

وللإسلام طريقته الخاصة في مخالفة الأهواء..

وأمر الإسلام بالتحكم في النفس.. وأكد على ضرورة سيطرة الإرادة الربانية ومخالفة الأهواء.. وحدد لنا الطريق.

لا ترمي مالك في البحر، ولا تبسط يدك كل البسط فتقعد ملوماً مدحوراً، ولا تسرف لأنّ الله لا يحب المسرفين، ولكن انفق العفو، واد الصدقات المستحبة والواجبة.. والإسلام يعي أنّ الهدف من الزكاة، والصدقة ليس هو إعانة الفقراء فقط ولكن تطهير الوجدان البشري من حب المال، وتمكنه من القلب.

"خذ من أموالهم صدقة تزكيهم بها وتطهرهم".

ومن هنا فإنّ الإسلام في باب الصدقة أوجب الزكاة.. ولكن من جهة أخرى حث على الصدقة.. وكان هذا الحث بدرجة الإستحباب.. وهذا يعني انّ الإسلام يريد من ذلك أن يكون طواعية، وإختياراً ليكون أثر قدرة على التطهير والتزكية.. وحث إلى جانب ذلك أن تكون الصدقة سراً لأنّ صدقة السر أفضل من صدقة العلانية.. وأكثر قدرة على تنمية الروح المخلصة والروح المرتبطة بالله.. ومن هنا كان على المؤمن أن ينفق عفو ماله، وفضله أن يتحسس حاجات اخوانه. وأن يحافظ على الطابع السري للإنفاق قدر الإمكان.

وإنّما أمره إلى جانب الصدقة، والإنفاق السري أن يصون لسانه من الكذب، والغيبة، ومن محاولات الظهور والثرثرة، وأن تكون قاعدته الصمت إلا في موارد الحاجة والضرورة، وأن يتعلم الصوم المستحب.. الذي يكف به عن الشهوة ساعات. شهوة الجنس، وشهوة الطعام والشراب.. والصوم المستحب من أروع العبادات الإسلامية التي تربط الإنسان بالله تعالى، وتنمي الإرادة، وتصعد من ملكة الصبر.. ومن أهم مجالات الصوم المستحب، صوم ثلاثة أيام في الشهر.. (أول خميس من الشهر، وآخر خميس، والأربعاء الوسطى) وقد ورد الحث الشديد على ذلك في النصوص.. وهو من القدرات الروحية التي أن كانت مستحبة على الإنسان المسلم من زاوية شرعية، فهي الزامية على الداعية من ناحية المنطق الأخلاقي، والروحية الإسلامية.. لأنّ الداعية يلزمه ان يعد نفسه لتحمل القول الثقيل، والسير في طريق ذات الشوكة، وأن يعاني مرارة الإستقامة في خضم العمل الإجتماعي، وكل هذا لا يتم إلا من خلال التربية، والإعداد الروحي القائم على هذا، وأمثاله.. ومن عناصر الداعية المسلم في هذا الميدان هو أن يتأمل ذاته، ويحسب نشاطاته، ويدرسها.. سيجد أن بعض التصرفات تقوم على أساس دواعي الهوى ولم يقصد الله فيها، ولم يذكره اصلا.. هنا يجب عليه، أو ينبغي له أن يتوقف موقتاً، وأن يتأمل قبل الأداء، فإن كان تصرفه، وموقفه ضرورياً من الناحية الشرعية أقدم عليه، وأداه مثاباً ماجوراً، وأن لم يكن موقفه ضرورياً من الناحية الشرعية، والدعوتية تركه، واهمله.. خاصة في موارد التقييمات، والكلام على الناس، ومواجهتهم..

 

المصدر: كتاب (نظرات حول الإعداد الروحي)

ارسال التعليق

Top