• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التجارب.. ثـروة الحياة/ ج(2)

أسرة

التجارب.. ثـروة الحياة/ ج(2)
تناولنا في الجزء الاول من هذا الموضوع جانباً من التجارب المفيدة في حياة الأخرين على الرابط التالي: http://www.balagh.com/pages/tex.php?tid=2571 وفي هذا الموضوع نكمل ما ذكرناه في الجزء الاول.   6- التهذيب الأخلاقي: يقول أحد المتخلِّقين بأخلاق الإسلام وآدابه: تعلّمتُ من أخطاء الآخرين دروساً كثيرة، فكنتُ إذا رأيتُ شخصاً يكذب ورأيتُ الناس يذمّونه كرهتُ الكذب واجتنبته، وإذا رأيتهم يكرهون المغتاب والمتلوِّن والمغرور ابتعدتُ عن الغيبة والنفاق والتكبّر. ويقول أيضاً: وتعلّمتُ من المحسنين الصالحين العاملين الصادقين دروساً كثيرة، فرأيتُ الناس يحبّون المخلص الوفي الشجاع الجريء صاحب المروءة، فحاولتُ الأخذ بذلك، ومن هذه الأبواب دخلتُ قلوب الناس. ويضيف: وكنتُ أخذتُ على نفسي عهداً أن أترجم أخلاقي إلى سلوك عملي، فمثلاً عندما عرفتُ انّه: "ما مِن أحدٍ أودعَ قلباً سروراً، إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً"، حتى قرّرتُ أن أتفقّد إخواني المؤمنين وأصدقائي المسلمين وأدخل السرور على قلوب – على الأقلّ – ثلاثة منهم يوميّاً! وزادني في التمسّك بهذا الخلق، قول النبي (ص): "مَن سرّ مؤمناً فقد سرّني، ومَن سرّني فقد سرّ الله". ويختم تجربته بالقول: منذ أن علمتُ بما أوحاهُ الله تعالى إلى النبي إبراهيم (ع): أن ابن لي بيتاً، فبنى له مسجداً، ثمّ تكرّر النِّداء وتكرّر البناء، إلى أن قال: إلهي! لقد بنيتُ بيوتاً كثيرة، فجاء النداء: يا إبراهيم.. هل كسوتَ عرياناً؟! هل أشبعتَ جائعاً؟! عرفتُ أن بيوت الله في خدمة عباد الله، فشرعتُ أبني ما أستطيعُ منها!   7- أسلوب النقد السليم: يروي (س) تجربته مع النقد، سواء في توجيهه للآخرين أو في استقباله منهم، فيقول: بحثتُ في تراثنا الإسلامي الأخلاقي عن استعمال للفظة (نقد)، فلم أجد، ووجدتُ مفردات بديلة مثل (التسديد) و(إهداء العيوب) و(إقامة العثرات) و(الوعظ) و(المحاسبة) و(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و(النصيحة).. والتقيتُ – في أثناء البحث – بأساليب (نقديّة) تربوية رائعة، ومنها هذان المثالان: فلقد جرى حوار بين الإمام موسى الكاظم (ع) (أحد أئمّة أهل البيت عليهم السلام في العصر العباسي) وأحد أصحابه المعروفين (صفوان الجمّال) الذي كان يؤجِّر جماله إلى (هارون الرشيد)، فقال له: "كلّ ما فيكَ حسن، ما خلا خصلةً واحدة". فتوجّه صفوان بكلّ مشاعره لهذه الخصلة، قائلاً: - وما هي يا مولاي! فقال: "اكراؤك الجِمال من هذا الرجل (ويقصد هارون)". فاللّافت هنا أنّ الإمام الكاظم (ع) ابتدأ بنقد صفوان بطريقة مهذّبة ولطيفة ورقيقة، لم يشعر معها بالجرح أو الحرج، بل العكس تفتّحت مسامعه كلّها للإستماع إليها. فحينما تقول لإنسان (كلّ ما فيك حسن) فإنّك تبتدئ بالإيجابي، ولقد رأيت – من خلال تجربتي – أنّ الإبتداء بالنقاط الإيجابيّة يجعل (المنقود) مستعدّاً لتقبّل النقد. ومثل ذلك (نقد) الإمام جعفر الصادق (ع) لشخص منحرف اسمه (الشقرانيّ) حيث قال له: "الحسن من كلِّ أحد حسن وإنّه منك أحسن لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلِّ أحد قبيح وإنّه منك أقبح لمكانك منّا". فالإمام هنا بدأ بالنصيحة بأمر إيجابي أيضاً (الحسن من كلِّ أحد) كما أنّه ركّز على أنّه محسوب على المسلمين، ومَن كان منهم حريّ به أن يكون في مثل أخلاقهم. ولقد جرّبتُ ذلك فوجدت أثره عظيماً، فهو أسلوب رفيق رقيق ليس فيه تجريح ولا تشهير ولا تسقيط. وكنتُ قد استفدتُ أيضاً من قول آخر للإمام الصادق (ع) في أسلوب النقد السليم، ذلك هو: "مَن وعظَ أخاهُ سرّاً فقد زانه، ومَن وعظهُ علانيةً فقد شانه". فرأيتُ أنّ النقد والوعظ والنصيحة في حصور الآخرين لها مردود سلبي على نفسية (المنقود) وقد يكون عكسياً، أي قد تجعله يتشبّث بموقفه وخطئه، وأنّ المحاسبة والنصيحة البينية، أي بينك وبين صاحبك تأثيرها أعظم. بهذه الأساليب الرائعة، تحوّل نقدي للآخرين إلى عمليّة إهداء للعيوب بالحكمة والموعظة الحسنة. وقد عَلَمني أحد الإخوة درساً عملياً آخر. فلقد أسأتُ إليه بكلمةٍ جارحة فتألّم منِّي لكنّه كتمها في نفسه ولم يبدها في الحال، فزرته في بيته بعد يومين لأعتذر إليه فاستقبلني مهلِّلاً مرحِّباً، فقلت: إنّها بداية طيِّبة.. ويبدو أنّه تناسى كلمتي، فقلت له: - لقد جئتك معتذراً. فقال باستغراب: عن ماذا؟! قلت: عن الخطأ الذي صدر مني قبل يومين. قال: لقد استغربته منك في حينها، لكنني حينما رجعتُ إلى نفسي، تذكّرتُ أنّ لدي أمثال هذا الخطأ الكثير، فعذرتك! وفي الحال تذكّرت الحديث الشريف الذي يقول: "خيرُ إخوانك مَن نسبَ ذنبك إليه وذكر إحسانك إليه". ومن يومها وأنا أحمل تصرّفات إخواني على الوجه الحسن، وأجد لهم العذر، فإذا لم أجد خلقت لهم عذراً من عندي، وبهذا طابت صحبتي معهم وصحبتهم معي! أمّا تقبّلي لنقودهم وملاحظاتهم، فجاء نتيجة عهدٍ عهدته مع نفسي أن لا أتسرّع في الدِّفاع عن نفسي، بل أترك للملاحظات النقدية فرصة المراجعة، فإن كنتُ كما يقولون غيّرتُ وعدّلتُ وبدّلت، وإن كنتُ ليس كما يقولون غفرتُ لهم واستغفرت. كما تعاهدتُ مع بعضهم على أن نكون مرايا فعليّة لبعضنا البعض، أي أن أنقل له ملاحظاتي عنه بصراحةٍ تامّة، وينقل لي ملاحظاته ومؤاخذاته بصراحةٍ كاملة، ولم ننسَ أن نضع ذلك كلّه في إطارٍ من المودّة والمحبّة والحرص المتبادل والإخلاص فيما بيننا.   8- إمساك زمام النفس عند الغضب: تنقل (ل) تجربتها في التحكّم بمشاعرها الهائجة والثائرة في حالات الغضب والانفعال الشديد، فتقول: إنّ كظم الغيظ ليس بالعملية السهلة، لكنّه أمر ممكن لِمَن أراد أن يسيطر على انفعالاته، وقد قرّرتُ ذلك وجرّبتُ ونجحت، فكيف كان ذلك؟ في البداية، رحتُ أراقب الغاضبين الثائرين، فرأيتُ أنّ حركاتهم وتصرفاتهم إبّان الإنفعال الهائج مضحكة ومؤسفة في آنٍ واحد، بل وتثير الشفقة، فقلتُ في نفسي: هل هكذا أبدو في حال غضبي وانفعالي؟ فقرفتُ وامشأزّت نفسي. وبالتجربة أيضاً، تأكّد لي أنّ الردّ السريع المتعجّل تعقبه الندامة، فكنتُ أفضِّل أن أترك فاصلة زمنيّة مناسبة حتى يهدأ روعي وتذهب ردود الفعل الأولى التي غالباً ما تكون متشنِّجة، حتى إذا تحدّثتُ مع مَن أثارني، تحدّثتُ بهدوءٍ ورويّة وتأثير أكبر عليه. وجرّبتُ أيضاً في المواقف المثيرة للأعصاب أن أنسِحب من ساحة المعركة لئلا تزداد الخسائر ويحدث ما لا تحمد عقباه، كأن أدخل إلى غرفة أخرى، أو أخرج من البيت لحين عودة الهدوء إلى الساحة. فبالتجربة ثبت لي أنّ السكوت وعدم الرد أحياناً يهدِّئ الموقف ولا يصعِّده، لأنّ كلمة نابية منك وكلمة نابية من الآخر تحدث شرارة لمعركة، أمّا إذا أطلقها هو وتجنّبت الرد بالمثل تكون قد حدّدت نهاية المعركة. وجرّبتُ أحياناً أن أنفِّس عن غضبي وانفعالي بكلمات باردة تطفئ لهيب المواقف الساخنة مثل: "سامحكَ الله"، "غفرَ الله لك"، ولم ألجأ إلى كلمات تزيد النار حطباً مثل: أنا قادرة على الردِّ ولكنني أفضِّل الصمت، أو أنا قادرة على أن أردّ الصّاع صاعين، لكنّني أترفّع عن ذلك.. أو لا أريد أن أكون حمقاء مثلك. كما جهدتُ على أن أطبِّق ما ورد من نصائح عمليّة في بعض الأحاديث الشريفة من أن أجلس إذا كنتُ واقفة، لأنّ الوقوف أثناء المشاجرة يزيد في حدّة التوتر والانفعال، أو أنني أستلقي على فراشي لفترةٍ محدودةٍ لأقوم بعملية تسريب للشحنات التي تعتري أعصابي. وفي النتيجة، حصلتُ من تجاربي مع الإمساك بزمام النفس عند الغضب على إنّني كنتُ أبدو في كل موقف أملك فيه السيطرة على انفعالاتي، كبيرةً في نفسي، وإنّني أحسن ممَن أراد إغضابي وأكرم منه، وإنّني كسبتُ مودّة بعض الناس بدلاً من كسب عداواتهم.   9- تجاربهنّ مع الحجاب: إنّ تجربة الفتاة التي كانت سافرة، ثمّ التزمت بالسِّتر الشرعي، تنفعني كفتاةٍ لم آخذ بهذا السِّتر بعد، لكنّ تجارب أولئك اللّواتي عشنَ حياة الشهرة والأضواء والكشف عن المحاسن والمفاتن، ثمّ اعتزلنَ ذلك كلّه وتمسّكنَ بالعفاف والحجاب، أبلغ في التأثير. تقوى إحدى الفنّانات المعتزلات: "أنقذتُ نفسي قبل فوات الأوان.. وعندما اعتزلتُ الفنُ، أصبحتُ حرّة.. ولا تتصوّري كم أشعر بالراحة والأمان والعفّة وأنا أرتدي الحجاب.. أشعرُ بالسعادة الحقيقية.. هذه السعادة لن أتنازل عنها أبداً حتى آخر يوم في حياتي"!! وتقول زميلة لها: "كلّما أتذكّر الماضي، أشعر بالقرف ممّا كنتُ فيه.. الآن أشعر أنّ حياتي لها معنى وقيمة.. ذقتُ حياة الإيمان.. ذقتُ حلاوة القُرب من الله.. إنّ هذه السعادة تستحقّ أن أموت من أجلها.. أحبّ أن أؤكِّد أنّني أعيش الآن أجمل أيام حياتي"!! وتقول أخرى: "هل تضاهي ملايين العالم لحظة واحدة في القُرب من الله عزّ وجلّ؟! الآن أعيش أجمل أيّام حياتي.. الحياة الجديدة كان لها دور كبير في تغيير أشياء كثيرة بداخلي، فأنا مثلاً كنتُ عصبيّة، أمّا الآن فقد أصبحت أكثر هدوءاً". وتقول أخرى: "لن أعود إلى الشيطان.. حياة الماضي أسقطتها من حياتي.. في المرّة الأولى التي ارتديتُ فيها هذا الزي دون أن أضع أي مكياج، نظرتُ إلى المرآة.. وجدتُ نفسي أكثر جمالاً في هذه الثياب الطاهرة"! وتقول مذيعة اختارت طريق الهداية: "خيّروني بين الشاشة والحجاب، فاخترتُ الأخير.. أنا نادمة على كلِّ لحظة مرّت عليَّ بدون أن تُقرِّبني من الله، وأنا سعيدة جدّاً بحياتي الجديدة.. لقد تغيّرت أشياء كثيرة في داخلي.. اليوم أصبحتُ أكثر سماحة وتعقّلاً.. فعلاً إنّ حلاوة الإيمان تعطي الراحة في كل شيء.. كلّ شيء.. يكفي أن تعيشي حياتك راضية عن نفسك وسعيدة بلقاء ربّك في أي وقت". فليقولوا عن حجابي **** لا وربِّي لن أُبالي قد حماني خيرُ دينٍ **** وحباني بالجلالِ زينتي دوماً حيائي **** واحتشامي رأس مالي لقد جربنَ الحياتين معاً: حياة التبرّج والخلاعة، وحياة الإيمان والتلذّذ بالقُرب من الله وإطاعته والسير على منهج الإسلام، فرأينَ الحياة الثانية أرحب وأخصب وأعذب! ألا تقدِّم لكِ هذه التجارب قناعة إضافيّة لما أنتِ فيه من الإيمان والإلتزام بالستر الشرعي؟!   10- العمل والكسب والتجارة: يقول أحد أصحاب الأعمال الناجحين: "يربح المرء نصف المعركة بمخيّلته الخصبة، وأمّا ربح النِّصف الآخر، فإنّه يتوقّف على تحقيق المشروعات التي ترتسم مخطّطاتها في الذِّهن.. لقد تعلّمتُ أن فكرة واحدة قابلة للتنفيذ خير من مئة فكرة يهمل صاحبها تنفيذها". ويقول العارفون بشؤون التِّجارة: إذا سألتَ رجلاً من رجال الأعمال: ماذا تأخذ على الذين يعرضون عليك أفكاراً ومشاريع؟ أجابك إنّه يأخذ عليهم أمرين: الأوّل: إنّهم يتقدّمون بمشاريع وآراء غامضة، غير مدروسة، والأمر الثاني: إنّهم لا يرفقون بمشاريعهم مخطّطاً يشرحون فيه كيفية تحقيقها. وإليك هذه التجارب العملية التي قد تنفعك ذات يوم: يقول (ر): كلّفني مدير إحدى الشركات أن أختار شابّين ليعهد إليهما بمهمّة معيّنة في أقسام البيع والعرض في الشركة، فوقع اختياري على إثنين. وبعد عام زرتُ المدير لشأنٍ من الشؤون، فأحالني على مساعده الذي لم يكن سوى أحد الشابّين، وقد عرفتُ منه أنّ رفيقه ما زال مُستخدَماً بسيطاً في قسم المبيعات، فسألتُ المدير عن السبب، فقال: كلاهما ذو أفكار، لكنّ أحدهما يتحلّى بالإقدام والإستعداد لوضع الفكرة موضع التنفيذ، والآخر يتردّد طويلاً، وقلّما يقرن عرض فكرته باقتراح عمليّ. فالإقدام هو مفتاح من مفاتيح النجاح، ويقول أهل الخبرة: المخيّلة + الإقدام = النّجاح. والإقدام ليس موهبة وإنّما يُكتسَب بالمران الطويل، ويكون مؤثِّراً إذا اقترن بالتفكير السليم والتبصّر بعواقب الأمور. ويقول مجرِّبون: الحصول على عمل هو في أيامنا مسألة مهارة في إقناع المخدوم بأنّ استخدامك يعود عليه بفائدة، ولكي يرتكز في ذهن صاحب العمل أنّك عنصر مفيد، ينبغي لك أن تتقدّم منه بفكرةٍ أو مشروع يكون له طابع الطرافة، أي الجدّة، فإذا لم تسعفك مخيّلتك تبنّ فكرة لسواك، واجتهد في بسطها بحيث تبدو لمستمعك فكرة عمليّة. ويؤكِّدون: إنّ ذكريات ما عرفته بالأمس مضافة إلى انطباعات اليوم، هي التي تولِّد الأفكار الجديدة، وممّا يساعد على التفكير أن تدوِّن ما يمرّ في رأسك على الورق، فالفكرة تولِّد الفكرة، فإذا دوّنت فكرة ما على ورقةٍ أمامك، تتبعها ثانية فثالثة فرابعة إلى أن تمتلئ الصّفحة. يقول أحد العاملين في الحقل التجاري: لابدّ لكلّ إنسان – حتى المثقّفين – من دخول السوق؛ لأنّ أساليب التعامل هناك تُعرِّفهم أخلاق وأذواق وطبائع الناس. لذا فالتاجر الناجح لا يقول للزّبون: جئت أعرض عليك أصنافي، بل يقول له: جئتُ أعرض عليك مشروعاً يدرّ أرباحاً طائلة، وبذلك يستميله ويخلق الرغبة لديه للتعامل والتعاطي معه. ألم يُصادفك بائع ما وهو يقول لك: أُنظر إلى هذه البضاعة كم تساوي؟ ويذكر لك مبلغاً أكثر من قيمتها، لكنّه يُعقِّب ويقول: أمّا إذا أردتَ أن تتعامل معنا فإنّ سعرها (كذا) أي أقلّ من السعر المذكور أوّلاً. ولذا قيل – من وحي التجربة – إن إتمام صفقة من الصفقات يتوقّف بالدرجة الأولى على براعة البائع في القضاء على تردّد المشتري. وينصح البائع أيضاً بأن يضع نفسه مكان المشتري وينظر بعيونه ويفكِّر بعقله، ولذا شاعَ في الأوساط التجارية شعار يقول: "الحقّ مع الزبون دائماً". كما أنّ لأسلوب عرض البضاعة دوره في الترويج لها، فلقد مرّ رسول الله (ص) ذات يوم بالسوق، فرأى شخصاً طويل القامة يبيع ثوباً قصيراً، فقال له: اجلس وبعه فذلك أنفق لبضاعتك. ولا يخفى عليك مغزى إشارة النبي (ص)، فالطويل الذي يعرض ثوباً قصيراً يبيِّن قصرُ الثوب بالمقارنة مع طوله، ممّا يبدو في عين الناظر قصيراً جدّاً. ويعرّف فنّ إخراج البضاعة وعرضها، بأنّه استلفات النظر واستثارة الاهتمام. ويروي صاحب كتاب (كيف تكسب المال)، أنّ امرأة في ولاية نيوجرسي كانت تبيع الفاكهة في كشك صغير تزاحمه عشرات من الأكشاك الكبرى، ولكنّه يفوقها جميعاً في تصريف الأصناف وإرضاء الزبائن، ذلك أنّ المرأة عندما تزن الفاكهة تضيف إلى كلِّ وزنة تفّاحة أو خوخة، ثمّ تضحك وتقول: هذه إكراماً لك أو للصّغير!! وقد كان لهذه البادرة تأثيرها في نفوس المشترين. ويقول بالنسبة للفتيات: تستطيعين يا آنستي أن تديري لحسابك مشروعاً ناجحاً، كأن يكون لكِ محل للخياطة أو مكتبة أو متجر، وكأن تحترفي الرسم أو الدهان (الصبغ) أو التجميل على أنواعه، واعلمي أنّ فكرة موفّقة هي رأسمال لا يقل شأناً عن الرّساميل الحقيقية، وأنّ التخصّص في حقلٍ من الحقول عامل من عوامل النجاح، كما أنّ متابعة التطوّرات التي تطرأ على حقل النشاط الذي تعملين فيه، عامل مهم آخر. وفي حزيران 1998 نشرت مجلّة (الشباب) العدد (252)، تحقيقاً موسّعاً تحت عنوان: (مَن هنّ أنجح 20 سيِّدة أعمال في مصر الآن؟) نضع بين يدي الفتيات الطموحات نبذة عنه: تقول إحداهنّ: رغم أنني لم أدرس الإدارة، فقد تعلّمت هذا الفنّ من والدي.. المجموعة التي تعمل معي حوالي (40) عاملاً، تتعامل كفريق عمل واحد، ويشعر كل فرد فيه كأنّه يمتلك المشروع، وأشاركهم أفكارهم ومشاكلهم الشخصية.. أستمع لها وأحاول حلّها كأنّها مشكلتي الخاصّة، وتوجد بيننا ثقة متبادلة، وأنظِّم لهم احتفالاً سنويّاً، كما أنظِّم لهم رحلات هم وأسرهم، وأجاملهم في المناسبات العائليّة. هذه السِّيدة هي صاحبة لمعمل لصناعة وبيع المفروشات، وترى أنّ أسلوبها في التعامل مع فريق العمل هو أحد أهم أسباب نجاحها. وتقول أخرى عملت في البداية في مجال اختصاصها (الهندسة)، ثمّ تركتها لعملٍ آخر كان هواية، حيث كانت شغوفة بالزرع، وكانت ترى أنّ الأواني التي يوضع فيها عادية، ففكّرت في تصميم أوانٍ بأشكال جماليّة، يمكن وضعها في صالونات المنازل، وقامت بعرض منتجاتها، فوجدت الإنبهار والإقبال بشكل لم تتوقّعه. وبعد أن كانت تعتمد على ورشة غيرها في تنفيذ هذه التصميمات، فكّرت في افتتاح مصنع خاصّ بها، ووصل إنتاجها إلى (4) آلاف منتج. وتقول عن تجربتها: تجربتي نجحت لتوافر طموحي، ولأنِّي تعوّدتُ على الاعتماد على النفس.. وأحاول دائماً أن أُجدِّد أفكاري وعملي وأن لا أكون نمطيّة، وأنصح أيّة فتاة تتمنّى أن تكون سيِّدة أعمال مستقبلاً، أن تفكِّر في تبنِّي المشروع الجديد غير المتوافر في السوق، وأن يكون عملها مبتكراً، وألّا تدخل مرحلة التنفيذ إلا بعد تفكير واطِّلاع. وتقول أخرى وهي متخصصِّة في مجال التربية: تعلّمتُ من أمِّي أنّ السعادة في العطاء وحبّ الآخرين، وعدم الخوف إلا من الله. وعلّمتني أيضاً أن أعمل بجدِّية.. وأن أعتمد على التفكير السليم، وألا أجعل من أيّة مشكلة عقبة تقلِّل من حماسي، وأنّ التفوق في العمل ليس بالأمر السهل، والمهم هو حبّ العمل بإخلاص، وتكريس الجهود من أجل إنجازه. وتقول أخرى رأت أنّ عملها كموظّفة لا يدرّ عليها سوى مال قليل، ولمّا كانت تمتلك حاسّة فنِّيّة وموهبة الحياكة، فضّلتُ العمل الحر بتشجيع من صديقة لها. وتروي تجربتها فتقول: "اكتشفتُ أنّ العمل الخاصّ يتّسم بعدّة مميّزات لا تتوافر في الوظيفة الحكوميّة، فلا توجد التزامات لمواعيد الحضور والإنصراف، كما أنّ العمل الخاص يتيح التعرّف على أناس جدد باستمرار، ولا شك أنّ في ذلك متعة كبيرة، بالإضافة إلى أنّ نجاح المشروع له فائدة على المستوى الشخصي لا تُضاهيها فائدة أخرى على الجانب المعنوي والجانب المادي أيضاً". وتضيف عن تجربتها في فنِّ التفصيل والخياطة: بدأتُ في الحصول على طلبات كثيرة من جهات مختلفة لإعداد الزي الخاصّ للعاملين في المستشفيات الخاصّة والمطار.. ورفضتُ أن أدخل مجال الملابس العاديّة.. وتقول عن طموحها: أتمنّى أن أصل إلى مرحلة أكون مُصدِّرة للعديد من البلدان. وعن تنمية مهاراتها: حاولتُ أن أكتسب بعض المهارات.. فحصلتُ على دورة تدريبيّة.. كما زرتُ عدّة مصانع مشابهة لمشروعي لاكتساب الخبرة العمليّة.. وأعتقدُ أنّ النِّساء يمكن أن يتفوّقن لوجود اللّمسة الجماليّة لديهنّ.. وأنصحُ مَن ترغب في دخول العمل الخاصّ أن تدرس جيِّداً المشروع الذي تنوي عمله.. وتستشيرُ أصحاب الخبرة، ولابدّ أن تتواجد في مكان عملها وتفهم كلّ صغيرة وكبيرة فيه.

ارسال التعليق

Top