منذ أكثر من عشر سنوات، جاءت مواقع التعارف على الإنترنت لتحل محل الإعلانات الصغيرة التي كانت تكتب في الجرائد والمجلات بحثاً عن عريس أو عن مجرد الصداقة.
والآن، وعلى الرغم من أن هناك الملايين من العزاب والعازبات ممن يملكون حسابات في هذه المواقع، إلا أن بعض الناس يتخذون منها موقفاً معارضاً ويبتعدون عنها. فما أسبابهم؟
ملايين العزاب والعازبات، يختبئون وراء أسماء مستعارة حتى يلتقوا بركب الباحثات عن فارس الأحلام والباحثين عن بنت الحلال عبر النت. غير أنّ البعض الآخر، هم أشخاص عزاب أيضاً لكنهم مشككون ولا يثقون في نجاعة هذه المواقع كوسيلة للتعارف أو الزواج. لماذا؟
- إنها مخاطرة:
تعتقد فئة من الذين يرفضون استعمال مواقع التعارف على النت، أنّ الأمر ينطوي على مخاطرة، لكن التعرف إلى شخص في الحياة الواقعية أيضاً ينطوي على المخاطرة. يقول عالم الاجتماع باسكال لاردوليي، مؤلف كتاب "العزاب والحب على الإنترنت" بيلين 2004: "لقد أمضيت الفترة ما بين سنتي 2002 و2004 في البحث والتنقيب في هذا الموضوع، وقد رأيت فعلاً كيف تتطور العقليات، واكتشفت أنّ الشكوك التي كانت تحوم حول مواقع التعارف بدأت تتراجع شيئاً فشيئاً، وبدأ الناس يقولون: مادمنا نقوم بكل شيء عن طريق النت، فلم لا نبحث عن النصف الآخر أيضاً عبر النت؟". واليوم كل الناس يعرفون على الأقل شخصاً واحداً حاول فعل ذلك عبر النت.
لم يعد البحث عن شريك الحياة عبر النت من التابوهات، حيث إنّ النت هو مكان يرتاده كل الناس باختلاف أعمارهم وطبقاتهم وفئاتهم. وأصبح الحديث عن التعارف بين المرأة والرجل عبر النت أمراً يتحدث فيه الزملاء والأصدقاء بكل طلاقة. "كنت أعتقد أنني لن أجد على مواقع التعارف سوى رجال من الدرجة الثانية، الذين لا تريدهم باقي النساء، أو الرجال المشكوك في أمرهم، وهذا صحيح في جزء منه، لأنّ هذا النوع من الرجال موجود هناك، لكن هناك أيضاً رجالاً مميزين جدّاً". تقول مريم (43 سنة). وتضيف "في هذه المواقع يجد العزاب ضالتهم، وهي تماماً مثل الحياة الواقعية، فيها المغامرات، وفيها العلاقات العابرة، وفيها أيضاً العلاقات الجادة".
- هذا مخجل:
تقول المحللة النفسية سعيدة ريزا: "أسمع كثيراً مثل هذه الفكرة "أنا بخير، أنا سعيدة، ما الذي يدفعني لكي أبحث عن فارس الأحلام في الإنترنت؟ هل تراجع مستواي إلى هذا الحد؟" وهذه مقاومة نرجسية شديدة". في هذه الحالة يظهر التعارف على الإنترنت للمعنية بالأمر كأنّه طوق نجاة، أي آخر حل يمكن اللجوء إليه، ولا يلجأ إليه إلا بعد اليأس من باقي الحلول.
لكن، هذا ليس صحيحاً، ربما يعني اللجوء إلى التعارف عبر الإنترنت سعيك إلى أن تكون صريح مع ذاتك. يقول المحلل النفسي لوي كروش صاحب كتاب "في السرير مع الإنترنت" منشورات شيرون 2005، "هذا الأمر فيه شيء من الممنوع، أو التجاوز للحدود المسموح بها بينك وبين نفسك، هذا بمثابة اعتداء على الصورة التي تحملها عن نفسك، وهذا إحساس ينبغي تجاوزه. إنّ الأمر أشبه ما يكون بوضع شخص يسمح لنفسه بأن يزور طبيباً نفسياً، لكن قبل ذلك عليه أوّلاً أن يعترف بأنّه في حاجة إلى مساعدة الطبيب النفسي".
غالباً ما يكون لدى العزاب المخضرمين حياتهم الفردية التي اعتادوها والمليئة بالأنشطة، وهم مقتنعون بأنهم ليسوا في حاجة إلى الآخرين لكي يكونوا سعداء. وبالنسبة إليهم فإنّ التسجيل في أحد مواقع التعارف "يعتبر في نظرهم تراجعاً عن تلك الثقة بالنفس والاستغناء عن الآخرين"، بحسب ما توضح الأخصائية النفسية صابرينا فيليب، والتي تقدم نصائح للمسجلين في أحد مواقع التعارف.
البحث عن شريك في الإنترنت هو اعتراف بالنقص، ونهاية للكذب على الذات. وهذه الصراحة مع الذات لا يمكن إلا أن تكون مفيدة، لأنّها تدفع المرء إلى أن يعيش حياة اجتماعية حقيقية.
- لن يتجاوب معي أحد:
تقول المحللة النفسية سعيدة ريزا: "يعتقد بعض الأشخاص أنهم بلجوئهم إلى التسجيل في أحد هذه المواقع الاجتماعية فإنّهم يميلون إلى التقليل من شأن أنفسهم، بينما يعتقد آخرون أنهم يعطون لذاتهم أكثر مما تستحق، فهم لا يؤمنون بقدرتهم على جذب الجنس الآخر". وتضيف: "بعضهم يقول لي: "لن يتجاوب معي أحد، لا أحد سيهتم بي، أو أنا لا أجيد الكتابة، وهذا مشكل تقع فيه النساء أكثر مما يقع فيه الرجال، فالرجال مثلاً لا يترددون كثيراً في وضع صورتهم على حسابهم في هذه المواقع، بينما النساء يترددن ويقلن أنا لست "فوتوجينيك". يحب الناس في هذه المواقع ألا يظهروا شكلهم وأن يبقوا مختبئين وراء أسماء مستعارة، فهم يولون أشياء، مثل الشكل الخارجي والأخطاء النحوية، أهمية.
لكن العكس هو الصحيح، إنّ التسجيل في مثل هذه المواقع أمر مفيد للأنا، فالفرد بمجرد أن يتخطئ عتبة التسجيل حتى يصبح الموقع بالنسبة إليه عاملاً مهماً للثقة بالنفس، بل إنّه يصبح مصدر تضخيم للأنا، بحيث يصبح مدمناً زيارة ذلك الموقع. ويقول مراد (34 سنة): "أنا متزوج منذ سبع سنوات، وكنت في حاجة إلى أن أعرف أما زلت مغرياً أم لا، ففتحت حساباً في موقع للتعارف، وسرعان ما أصبحت زيارة هذا الموقع بمثابة مخدر بالنسبة إليّ، أصبحت كل مساء أمرّ على مقهى الإنترنت قبل أن أذهب إلى البيت، بالنسبة إليّ هذا الأمر هو بمثابة علاج صغير لحالتي".
- هذا ليس رومانسياً:
هناك شريحة من الناس تعتقد أنّ التعارف عن طريق مواقع الإنترنت أمر خالٍ من الرومانسية. وتقول ريما (21 سنة): "لا أتمنى أن أتعرف إلى فارس أحلامي عبر النت. ولماذا وفي وسعي أن أقابل يومياً عشرات الشبان وأنا ذاهبة إلى العمل. أين هي أحلام الطفولة، واللقاءات الطريفة التي نراها في الأفلام. والحب من النظرة الأولى؟".
غير أنّ الأخصائيين النفسيين لا يتفقون مع ريما، ويؤكدون أنّ الإنترنت يمكن أن يكون مكاناً رومانسياً لأي لقاء عاطفي، حيث إن هناك الملايين من المنخرطين في مواقع التعارف والزواج، وهم ينتمون إلى عشرات الدول واللغات، والمسجلون بها يتجددون باستمرار، لهذا فهذه المواقع هي فرصة لا يجب تفويتها للقاء أشخاص متنوعين، ما كنت لتقابلهم لولا الإنترنت. وإذا كانت طريقة التعارف الأولى عبر الإنترنت غير رومانسية، فاعلموا أنها ليست سوى مقدمة للتعارف الحقيقي الذي يمكن أن تجعلوه رومانسياً كما تتمنون.
ارسال التعليق