مرض القلب واحد من أكثر الأمراض المميتة انتشاراً في صفوف الرجال والنساء على حد سواء. وتعتبر العوامل النفسية والانفعالية السلبية واحدة من أبرز أسباب زيادة خطر الإصابة به.
تؤكد الأبحاث المتتالية أن صحتنا الذهنية وصحة قلوبنا والأوعية الدموية مرتبطة ارتباطاً قوياً. وتعلق الدكتورة ميمي غوارنيري، المتخصصة الأميركية في الطب التكاملي فتقول إن مشاعر الغضب، الاكتئاب وحتى الشعور بالوحدة تؤدي إلى إفراز هرمونات التوتر، مثل الأدرينالين والكورتيزول. وتعمل هذه الهرمونات على رفع ضغط الدم، وزيادة مستويات الكوليسترول، وعلى تضييق الشرايين والتسبب بعدم انتظام ضربات القلب. ويسهم الكورتيزول أيضاً في زيادة خطر الإصابة بالبدانة (خاصة في منطقة البطن) إضافة إلى السكري من الفئة الثانية، وكلاهما عاملان يسهمان بدورهما في زيادة خطر الإصابة بمرض القلب. إضافة إلى ذلك فإنّ الانفعالات غالباً ما تدفعنا إلى اتخاذ خيارات تضر بصحة قلوبنا مثل التدخين والخمول في المنزل. وتقول غوارنيري إنّ الخبر الجيد هنا هو أنّ هذه الأشياء يمكننا التحكم فيها. ففي 80% من الحالات يكون المرض مرتبطاً بنمط الحياة والبيئة. وهذا يعني أننا إذا اتخذنا الخيارات الجيدة، يمكننا أن نغير ونحسن وضعنا الصحي. ونستعرض في ما يلي تأثير المشاعر المذكورة في صحة القلب، والنصائح التي يقدمها الخبراء بشأن كيفية التعامل معها، والتخفيف من تأثيراتها السلبية.
الغضب:
أفادت أبحاث حديثة نشرتها مجلة "الدورة الدموية" الأميركية أنّ إمكانية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية تزداد لدى النساء ذوات الصحة الجيِّدة اللواتي يحرزن درجات عالية على اختبار يقيس العدوانية الساخرة، مقارنة بالنساء اللواتي يحرزن درجات عالية في اختبار يقيس التفاؤل. وكانت دراسة أجريت في جامعة جونز هوبكينز الأميركية قد وجدت إن إمكانية الإصابة بمرض القلب المبكر ترتفع بمعدل 3 أضعاف لدى طلاب الطب الذين يغضبون بسرعة عند تعرضهم للتوتر، كما إن إمكانية إصابتهم بنوعية قلبية مبكرة ترتفع بمعدل 5 أضعاف، مقارنة بزملائهم الأكثر هدوءاً. صحيح أنّه يستحسن التنفيس عن الغضب عوضاً عن كبته، لكن الأفضل هو تطوير ردود فعل أكثر ليونة وأقل عدوانية تجاه الوضعيات المسببة للتوتر. وهنا يقدم الخبراء النصائح التالية:
- الهدوء: تبين في دراسة طويلة الأمد شملت عدداً كبيراً من المصابين بمرض القلب والأوعية الدموية، أنّ التأمل التجاوزي الذي يسمح للذهن بالاسترخاء وبتجاوز وتخطي الأفكار عوضاً عن محاولة التركيز على شيء محدد، يسهم في التخفيف من خطر الإصابة بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية بنسبة 47%. وتقول غوارنيري إنّ أنواع التأمل الأخرى جيدة، لكن التأمل التجاوزي حقق أفضل النتائج في ما يتعلق بصحة القلب. أما الأشخاص الذين لا يستهويهم التأمل فيمكنهم الخضوع لجلسات تدليك. فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة الطب التكاملي والطب البديل الأميركية، أن تدليك الأنسجة العميقة يخفف من مستويات ضغط الدم، كما يخفف من سرعة ضربات القلب.
- ممارسة الرياضات الشرقية: تعتبر التمارين التأملية، مثل تمارين اليوغا والتاي تشي، بمثل فاعلية تقنيات الاسترخاء المذكورة. والواقع أن كلّ أنواع الأنشطة البدنية تساعد على تعزيز صحة الذهن والقلب وتشير بعض الأبحاث إلى أنّ التمارين الرياضية في الهواء الطلق تكون فاعلة بشكل خاص في مكافحة مشاعر التوتر والغضب.
- تناول كمية كافية من الطعام: الإحساس بالحرمان يؤدي إلى زيادة الإحساس بالغضب. وقد أظهرت دراسة حديثة نشرتها "مجلة أبحاث المستهلك" أنّ الأشخاص الذين كانوا يأكلون التفاح في إطار حمية لتخفيف الوزن، كانوا أكثر ميلاً لمشاهدة الأفلام التي تدور مواضيعها حول الغضب والانتقام، مقارنة بالأشخاص الذين يأكلون الشوكولاتة. ويقول المشرفون على الدراسة إن فرض السيطرة على النفس يجعل الناس أكثر ميلاً إلى التصرف بشكل عدواني تجاه الآخرين، وأنّ الأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية قاسية يكونون عادة أكثر تحسساً ونزقاً وأسرع غضباً من الآخرين. لذلك لا ضير من أن نتناول أطعمتنا المفضلة من وقت إلى آخر. وينصح الدكتور أندرو ويل، مؤسس ومدير مركز الطب التكاملي في جامعة أريزونا الأميركية، بتناول قطعة من الشوكولاتة السوداء في اليوم، فهي تتمتع بفوائد على مستوى صحة القلب والمستوى الانفعالي. ومن جهتها تنصح المتخصصة الأميركية في أمراض القلب الدكتورة ترايسي ستيفنز بعدم تفويت أي وجبة خلال النهار. فعندما نشعر بالجوع الشديد وتنخفض مستويات سكر الدم كثيراً، قد يؤدي ذلك إلى التوتر والغضب، إضافة إلى أنّه يجعلنا نقدم على خيارات غذائية سيئة غالباً ما لا تكون جيدة لصحة القلب. أما ما يتوجب علينا أن نستغني عنه تماماً، فهو الكحول، لأنّها تسهم في رفع ضغط الدم وزيادة السلوك العدواني.
الاكتئاب:
يؤكد الخبراء أنّ مرض القلب والأوعية الدموية يفاقم أعراض الاكتئاب والعكس بالعكس. فقد أظهرت الدراسات أنّ الاكتئاب شائع بعد الإصابة بالنوبات القلبية والاضطربات الصحية الأخرى المتعلقة بالأوعية الدموية. وكان البحاثة في مستشفى واشنطن الجامعي في سانت لويس قد استنتجوا أن إصابة سابقة بحالة من الاكتئاب الحاد تزيد من خطر الإصابة بمرض القلب أكثر مما تفعل العوامل الجينية أو البيئية. وقد دفعت العلاقة الواضحة والوطيدة بين الاكتئاب ومرض القلب، الخبراء في رابطة القلب الأميركية إلى التوصية بإخضاع المريض إلى اختبار الاكتئاب كجزء من التقويم الشامل لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ولحسن الحظ فإنّ العديد من العلاجات التي تساعد على التخفيف من الاكتئاب يمكنها أيضاً أن تحسن صحة القلب.
- الاستعانة بالأقراص المكملة: من المعروف أنّ هناك علاقة بين الافتقار إلى فيتامين D والإصابة بمرض ألزهايمر، والاكتئاب وتراجع القدرات الذهنية، إضافة إلى مرض القلب. ويقول الخبراء إن تناول أقراص فيتامين D المكملة (ما بين 600 و400 وحدة دولية يومياً للاكتئاب، وما بين 1000 و5000 وحدة دولية في اليوم لمرض القلب) هو أمر جيِّد. كذلك أظهرت الدراسات أنّ الافتقار إلى أحماض أوميغا- 3 الدهنية يؤدي إلى النتائج نفسها على مستوى الذهن والقلب. ويقول ويل إن نقص أحماض أوميغا- 3 يؤدي إلى إضعاف تركيبة الدماغ ووظائفه، ويزيد كثيراً من إمكانية الإصابة بالاكتئاب. كذلك فإنّ هذا النقص يزيد من نسبة الالتهابات ويقوي ظاهرة تشكل الجلطات في الدم، وكلاهما يزيدان من خطر الإصابة بمرض القلب. وهو ينصح بتناول ما بين 2 و4 غرامات من هذه الأحماض في اليوم. وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض أنواع الأقراص المكملة تحتوي في الوقت نفسه على أحماض أوميغا- 3 إضافة إلى فيتامين D.
- تغذية الدماغ: هناك طريقة أخرى لمكافحة الاكتئاب ومرض القلب معاً، وتتمثل في اعتماد نظام غذائي يكافح الالتهابات، ويركّز على الفواكه والخضار الطازجة والبقوليات والدهون الصحية، إضافة إلى كمية صغيرة من الحبوب الكاملة، والقليل من الأطعمة حيوانية المصدر. ويقول ويل إنّ علينا تجنب اللحوم والدواجن قدر الإمكان، فهي غنية بالدهون التي تسبب الالتهابات، كذلك علينا تفادي الأطعمة المصنعة والمكررة والوجبات السريعة والمشروبات الغنية بالسكر. فالدهون غير الصحية، مثل الدهون المشبعة ودهون ترانس والكربوهيدرات سريعة الهضم، تسهم في التسبب بالالتهابات. ويركز العلماء اليوم بشكل خاص على الأضرار التي يلحقها السكر ومواد التحلية الاصطناعية بالجسم بشكل عام والقلب بشكل خاص.
فقد تبين في دراسة نشرتها مجلة رابطة الطب الأميركية أن إضافة مواد التحلية الاصطناعية إلى الطعام تسهم في زيادة خطر الإصابة بمرض القلب، لأنّها تخفض مستويات الكوليسترول الجيِّد، وترفع مستويات دهون التريغليسيريدز الضارة. ويقول ويل إنّ الجسم لا يتمكن من أيض الفراكتوز، وهو المكون الأساسي في كل مواد التحلية، ما يلحق الضرر بوظائف الكبد، ويسبب البدانة وبروز ظاهرة مقاومة الأنسولين والالتهابات. وهو ينصح بالامتناع عن تناول مواد التحلية الاصطناعية وبدائل السكر والمشروبات الغازية وحتى عصائر الفاكهة. وإذا كان لابدّ من تناول السكر فيجب الالتزام بنصائح رابطة أمراض القلب الأميركية التي توصي بأن يشكل السكر المضاف الذي تتناوله المرأة في اليوم مصدر 100 وحدة حرارية فقط في اليوم، و150 وحدة حرارية للرجل.
- ممارسة الأنشطة البدنية: تبين في عدد كبير من الأبحاث والدراسات أنّ ممارسة الرياضة تخفف من أعراض الاكتئاب، وتتمتع بتأثيرات إيجابية استثنائية في صحة القلب. ويقول ويل إن واحداً من أكثر العلاجات الطبيعية فاعلية في ما يتعلق بالاكتئاب هو نصف ساعة من تمارين الأيروبيكس، خمس مرات في الأسبوع. وأفضل ما في النشاط البدني هو أن نتائجه الإيجابية تظهر بوضوح في غضون أسابيع قليلة. ومن جهته ينصح أندرو وولف، المتخصص الأميركي في فيزيولوجيا الرياضية، بتنويع الأنشطة البدنية التي نمارسها، فلا نكتفي بالأيروبيكس، بل نخصص وقتاً أيضاً لتمارين تقوية العضلات، مثل: رفع الأوزان، والبيلاتس، اليوغا والتاي تشي. فكل واحدة من هذه الرياضات تسهم بطريقتها في التخفيف من عوامل الخطر التي تلعب دوراً في التسبب بمرض القلب.
الوحدة:
تبين في دراسة أميركية شملت أشخاصاً أصيبوا بنوية قلبية ونجوا، أنّ الوفيات في فترة السنوات الثلاث التالية للنوبة القلبية في صفوف أولئك الذين سجلوا درجات عالية في اختبار العزلة الاجتماعية والتوتر، كانت أكبر بأربعة أضعاف تلك التي سجلت في صفوف الذين كانوا يتمتعون بسلسلة واسعة من العلاقات الاجتماعية، ويعانون قدراً أقل من التوتر. كذلك أظهرت دراسة دنماركية أنّ الأشخاص الذين يعيشون وحدهم يكونون معرضين للإصابة بمرض القلب بمعدل مرتين أكثر من الآخرين الذين يعيشون مع شريك حياتهم أو أفراد عائلاتهم. وتبين في إحصاء أجري في مدينة شيكاغو الأميركية وشمل أكثر من 200 شخص، أنّ ضغط الدم يرتفع بمعدل 3 نقاط أكثر في صفوف الأشخاص الوحيدين، مقارنة بالآخرين الذين يشعرون بأنهم أكثر اتصالاً مع الآخرين.
- تحسين العلاقات الزوجية: أظهرت الأبحاث الحديثة، التي أجريت في جامعة روشيستر في نيويورك، أن إمكانية التمتع بصحة جيِّدة خلال الخمسة عشر عاماً التي تلي خضوع الأزواج السعيدين في حياتهم لجراحة في الشرايين (تحويلة إكليلية) كانت تزيد بمعدل 3 أضعاف نسبتها لدى الأشخاص غير المتزوجين الذين خضعوا للعملية نفسها. وفي المقابل يؤكد الخبراء البريطانيون أنّ الحياة الزوجية البائسة تلعب دوراً كبيراً في التسبب بأمراض القلب والأوعية الدموية. وهنا من المفيد اللجوء إلى استشاري العلاقات الزوجية وإلى العلاقات النفسية لتحسين العلاقة الزوجية. وتقول الأستاذة المساعدة في علم النفس العيادي في جامعة كاليفورنيا الدكتورة جوديث أورلوف إنّ العلاقات الزوجية تتفكك وتتهدم لأسباب عدة، من بينها مسائل تتعلق باحترام الذات، الإحساس بالذنب، فقدان التواصل. وتؤكد أنّ التطرق إلى هذه المواضيع مع استشاري نفسي متخصص يمكن أن يساعد الزوجين على اكتشاف جذور مشاكل الخلاف والعمل على تصحيحها.
- التطوع والعطاء: أظهرت مراجعة لدراسات نشرتها رابطة الخدمات الوطنية والمجتمعية أنّ الأشخاص الذين يقومون بأعمال تطوعية يتمتعون بشيخوخة أطول، وبقدرات عملية أكبر، وبمستويات أقل من الاكتئاب، وبحالات أقل من الإصابة بمرض القلب، مقارنة بالآخرين الذين لا يقومون بذلك. وتقول غوارنيري إنّ مساعدة الآخرين تنشئ روابط تخلق لدينا شعوراً بالفرح.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق