إنّ عاشوراء التي تستنزف دموعنا، لابدّ أن نحرّكها من أجل أن تحرِّك عقولنا، لأنّ الإنسان عندما يستغرق في العاطفة، ويجعل حياته كلّها حركة عاطفية؛ فإنّ العاطفة قد تقوده إلى الهلاك والخسران.
وحين نريد أن ننطلق في حياتنا كما أراد الله لنا أن ننطلق، فلابدّ أن نتوازن في عاطفتنا؛ فنعطي العقل جرعةً من العاطفة حتى لا يبقى العقلُ جامداً، ونعطي العاطفة جرعةً من العقل حتى لا تكون العاطفة مائعة. لهذا فعندما نستقبل قضية الإمام الحسين (ع)، فإنّ عنصر المأساة يجتذبنا، على أنّ كلَّ إنسان يتأثّر بعناصر المأساة عندما يواجهها أو عندما تُذكر أمامه؛ ولهذا فمن الطبيعي لنا – ونحن نحب أهل البيت (عليهم السلام) – أن تتحرك عواطفنا وتسيل دموعنا عندما نتذكّر مآسيهم، ولكن المأساة كانت شيئاً في التاريخ، لقد مضى على كربلاء ثلاثة عشر قرناً ونصف، ويزيد على ذلك... معنى ذلك أنّ المأساة في عناصرها الإنسانية قد انتهت، لقد تألموا وانتهت آلامهم وأصبحوا (أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران/ 169).
لقد انتهى ذلك التاريخ بأشخاصه، فماذا بقي لنا؟
إننا مسؤولون أن نكسب ما يريدنا الله أن نكسبه في حركتنا في الحياة. فلدينا عقلٌ ولابدّ للعقل أن يكتسب المعرفة ويتحمَّل مسؤولية المعرفة، ولنا إرادةٌ ولابدّ لهذه الإرادة أن تتجلى في الحياة، ولنا طاقات ولابدّ لهذه الطاقات أن تعبِّر عن نفسها في كلّ المواقف التي تتطلب ذلك.
إذاً فالله يسألنا: كيف يمكن أن نكسب رضاه، وكيف يمكن أن نكسب القضايا الكبيرة التي يحبّها؟ ولذلك لابدّ أن نحرِّك عقولنا حتى لا نكون من الذين يملكون عقولاً لا يعقلون بها، وأن نحرِّك أسماعنا وأبصارنا حتى لا نكون من الذين يملكون أعيناً لا يُبصرون بها وآذاناً لا يسمعون بها.
إنّ الله يريد من الإنسان اكتساب المعرفة والثقافة.
إنّ مجتمع عاشوراء، سواء كان مجتمع الخير المتمثِّل بالإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، أو مجتمع الشر المتمثّل بيزيد وبأصحابه. إنّه مجتمع قد انتهى، إذ كانت لهم حياتهم التي عاشوها، ولهم مواقفهم التي وقفوها. أمّا نحن فلنا حياتنا ونحن مسؤولون عنها لا عن حياة أهل البيت في التاريخ، وعن حياة الآخرين من بني أميّة.
إنّنا مسؤولون أن نصنع تاريخاً، وأن نُبدِع حياةً، وأن نحرِّك طاقةً، وأن نجسِّد موقفاً في الحياة... تلك هي مسؤوليتنا.
إنّ الإلتزام في قضية الإمام الحسين (ع) تحمّلنا مسؤولية أن نقف حيث وقف، وأن نتحرَّك حيث تحرك. إنّه كان يتحرك من أجل طلب الإصلاح في أُمّة جده، فهل نتحرّك في خط الإصلاح في أمة جده؟ الحسين (ع) كان يتحرك في خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنتحرك في هذا الخط. الحسين كان ينفتح على الله بكلِّ حياته، ويضحّي في سبيل الله بكلِّ حياته، فهل نحن كذلك؟
يجب أن لا نعتبر العظماء الذين نقدّسهم ونتقرَّب إلى الله بهم أشخاصاً انتهوا إلى صفحات التاريخ؛ بل يجب أن يستمروا إشراقات في كلِّ طرقنا المظلمة: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب/ 33)، وأهل البيت يحتاجون إلى أتباع أطهار يعيشون طهر أهل البيت الفكري في طهرهم الفكري، وطهر أهل البيت العاطفي في طهرهم العاطفي، ويعيشون طهر أهل البيت الحركي في طهرهم الحركي.. إنّه الطريق الذي يتّبع الحقّ، وينتهي بالجنّة.
إنّ هناك من يفكِّر بأنّ قصة الجهاد انتهت باستشهاد الحسين (ع). المسألة أنّ لك الحقّ في أن تدفع العدوان عن نفسك، وإذا دفعتَ العدوان عن نفسك فلست معتدياً (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة/ 194).
نحن مع السلام، ولكن السلام الذي لا يأكل حريتنا، ولا يضطهد عدالتنا، ولا يخنق إنسانيتنا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق