الدِّين الإسلامي دين عام عالمي جاء لخير البشرية جميعاً، حيث قام بتوحيد أبنائه وجمعهم حول العقيدة الصادقة والمبادئ السامية وأصبح الإخاء العام بينهم هو الرباط والدعامة الذي بنوا عليه علاقاتهم وتعاملهم وكانت الإخوة الدينية أصدق تعبير وأسمى هدف وأجل غاية. العلاقة الدينية ليست محدودة بالزمان أو بالمكان إذ الإسلام يقيم هذه العلاقة على الإخاء الوثيق الذي تزدهر فيه حقائق الرسالة الإسلامية. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10).
وضرب المسلمون في بدر مُثلاً عليا لصدق الإيمان، وأنّهم آثروا رضاء الله ورسوله على حبّ الوالد والولد والأهل والعشيرة، الله سبحانه أشاد بهذه المواقف الصادقة وأمثالها في قوله تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) (المجادلة/ 22)، وإذا كانت شريعة الإسلام تعتبر العلاقة الدينية أسمى وأعظم من كلّ علاقة أخرى فإنّ الشرائع السابقة اعتبرت نفس العلاقة حجر الأساس في الصلاة بين أبنائها فنوح (عليه السلام) كان ابنه من النسب كافراً وهلك مع الهالكين فنظر نوح إلى العلاقة النسبية بينه وبين ولده فخاطب الحقّ تبارك وتعالى بما حكاه القرآن في قوله: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (هود/ 45)، وأنكر الله على نوح هذا الاعتبار وتلك النظرة وبيّن له أنّ العلاقة بينهما انفصلت بكفر الابن فقال: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود/ 46).
وحرص الإسلام على تثبيت هذه الأخوة وتقوية هذه العلاقة حتى أصبحت واقعاً ملموساً يحس الجميع بأثرها فطبّق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الأخوة عملياً وواقعياً فور وصوله إلى المدينة مهاجراً فآخى بين المهاجرين والأنصار وبلغ بالأنصار أنّهم أحبّوا إخوانهم المهاجرين حبّاً فاق كلّ تصور ومن آثار ذلك الحبّ أنّهم آثروهم على أنفسهم مهما بلغت بهم الظروف وسجّل القرآن ذلك في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).
وهكذا أثمرت الأخوة ثمرتها وآتت أُكلها وصفت القلوب وطهرت السرائر وسجّل القرآن ذلك الدُّعاء: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر/ 10).
إذا كان الإسلام قد جمع بين أبنائه على الإخاء واعتبرهم جميعاً أخوة تربط بينهم هذه العقيدة، فلابدّ أن تكون هذه الصلة صادقة وأن يكون ذلك الإخاء مخلصاً، وحينئذ يشعر الجميع بالتراحم والتعاطف والتآلف ويكون روح الإسلام شعار الجميع من خلال تنميه أهدافه، ويحس كلّ فرد أنّه لبنة في صرح المجتمع الإسلامي الكبير يعمل دائماً على أن يزيده صلابة وقوّة، ويحس من الجميع أنّهم معه بعواطفهم ومشاعرهم. والأخوة هي أصدق تعبير عن الحقوق والواجبات الاجتماعية وهي أقوى ما يبعث في النفوس معاني التراحم والتعاطف والتعاون وتبادل الشعور والإحساس ممّا يحقق لمجتمع مثالية التي تخلص به للخير وتبعد به عن الشر.
ومن إمارات صدق الأخوة أن يفعل الشخص كلّ ما يقويها وينميها ويؤكدها بأن تكون صلته بإخوانه طيِّبة، فيقوم بما يقرّبه من قلوبهم ويباعد بينه وبين ما يبغضون وما يؤدي بهم إلى النفور منه، والابتعاد عنه ولقد حفل القرآن الكريم والسّنُة النبويّة بالكثير ممّا يرغب في إحسان معاملة الإخوان والنهي عما يغضبهم ويثير حفيظته.
ولا شكّ أنّ ما أمر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث على تقوية الصلة وتنمية العلاقات الطيِّبة بين المسلمين. ومن توجيهات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصيحته للمسلمين بيانه أنّ إيمان الشخص لا يكمل حتى يحبّ المسلم لأخيه ما يحبّ لنفسه كما في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق