الهجرة النبوية هي من أهم الأحداث التاريخية في الإسلام، وهي تعبير يشير إلى هجرة النبيّ (ص) من مكة إلى المدينة مع مجموعة من أنصاره وأصحابه الذين عُرفوا فيما بعد بالمهاجرين، وبها بدأ العد التصادعدي في تاريخ الإسلام، مع أنّ هناك هجرتان سبقتا هذه الهجرة قام بها المسلمون، حيث هاجروا وخرجوا من مكة إلى الحبشة لما لقيه المسلمون من الظلم والمهانة من مشركي مكة وعُتاتها، لكن بخروج النبيّ منها بعد وفاة زوجته خديجة وعمه أبو طالب في العام الثالث عشر من البعثة عرف التاريخ مبدأً جديداً له .خرج رسول الله (ص) من مكة ليلة الحادي من شهر ربيع الأول ووصل إلى منطقة قبا وأقام فيها أول مسجد عُرف بمسجد قبا. علمت قريش بأمر البيعة رغم كلِّ التكتُّم الذي اتبعه الرسول (ص) فعزمت على إلقاء القبض على المُبايعين، وشددت من إيذائها للمسلمين وتعذيبهم، وعلى إثر ذلك قال لهم النبيّ (ص): "إنّ الله عزّوجلّ قد جعل لكم إخواناَ وداراً تأمنون بها" وكان هذا إيذاناً بالهجرة إلى المدينة. فأخذ المسلمون يتوجهون إلى يثرب رغم كلّ المشاكل والعراقيل التي وضعتها قريش أمامهم. ورأت قريش في هذه الهجرة خطراً عليها لِما يُشكِّله المهاجرون مع أهل المدينة من قوة تستطيع أن تقف في وجه قريش ومصالحها، خاصة أنّ تجارتها إلى الشام تمر عبر المدينة، فأخذت تمنع المسلمين من الهجرة وتلاحقهم. وعلى الرغم من كلّ المضايقات تمكّن معظم المسلمين من الهجرة، ولم يبقَ في مكة بعد بيعة العقبة بفترة وجيزة سوى النبيّ (ص) وأمير المؤمنين (ع) وعدد قليل من المسلمين. بقي النبيّ (ص) في مكة ينتظر الإذن الإلهيّ بالهجرة. وشعرت قريش بحجم الخطر فيما لو التحق النبيّ (ص) بأصحابه، خاصّة بعدما قُدِّرت أنّ المدنيين سيحمونه وينصرونه بعدما بايعوه، فاتخذت قراراً حاسماً بالتخلُّص من النبيّ (ص) قبل فوات الأوان، واستطاعت أن تنتزع قراراً بمشاركة كلّ قبائل قريش في عملية الاغتيال، من أجل أن يتفرّق دمه في القبائل كلّه، فلا يعود بإمكان بني هاشم أن يثأروا لدمه، ولكن الله تعالى أخبر رسوله بهذه المؤامرة، وأمره بالخروج ليلاً من مكة وأن يجعل عليّاً (ع) مكانه ليبيت على فراشه من أجل التمويه والإيهام، وليرد كيدهم عليهم، فخرج رسول الله (ص) إلى غار ثور وبات عليّ (ع) على فراشه تلك الليلة. وعندما اقتحم المشركون دار النبيّ (ص) وجدوا أنفسهم أمام عليّ (ع)، وكان النبيّ (ص) قد خرج قبل ذلك من بينهم وتوجه نحو غار ثور وبقي فيه ثلاثة أيام، إلى أن تمكّن من الوصول إلى قرية (قباء) في طريق المدينة المنورة، برغم ملاحقة قريش له. ثم توجه بصحبة عليّ (ع) وجماعة من بني النجار (أخوال عبد المطلب) تجاه يثرب. ولدى وصوله إليها استقبله الناس بفرح وسرور بالغ، وكان (ص) لا يمر بمكان إلّا وقام وجوه القبائل وأشرافها بأخذ زمام ناقته، طالبين منه النزول عليهم وهو يقول: "خلوا سبيلها فإنّها مأمورة" حتى وصل إلى أرضٍ ليتيمين قرب دار أبي أيوب الأنصاري، وبنى في تلك الأرض المسجد النبويّ. ولأنّ الهجرة تُعتبر نقطة تحوُّل ومُنعطَفاً مُهمَّاً في تاريخ الإسلام أصبحت مبدأً لتاريخ الإسلام والمسلمين بتدبير النبيّ (ص)، الذي أمر المسلمين أن يُؤرخوا ابتداءً من شهر ربيع الأول، وهناك العديد من رسائل النبيّ ووثائقه وكتبه تُؤيد ذلك.
ولم تكن الهجرة إلى المدينة رد فعل لاضطهاد قريش، بل كانت فعلاً خطط له النبيّ (ص) لتكون المدينة قاعدة ارتكاز للدعوة، وأهم الدوافع التي أدت للهجرة هي:
· إنّ مكة لم تَعُد مكاناً صالحاً للدعوة، ولم يبقَ أي أمل في دخول فئات جديدة في الدِّين الجديد في المستقبل القريب على الأقل، فكان لا بدّ من الانتقال إلى مكانٍ آخر ينطلق الإسلام فيه بحرية بعيداً عن ضغوط قريش.
· وكان اختياره للمدينة بسبب بعدها الجغرافيّ عن مكة، مما يجعلها بمأمن من هجمات قريش المفاجئة والمباغتة من جهة، ومن جهة أخرى هي قريبة من طريق تجارة مكة الشام، بحيث يتمكن النبيّ (ص) من فرض سيطرته وممارسة نوع من الضغط السياسي والاقتصادي، وحتى العسكري، على قريش في الوقت المناسب.
· ومن الناحية الاجتماعية كانت يثرب مركزاً للتنازع القبلي، بين الأوس والخزرج واليهود، وهي تتطلع إلى رجل تلتف حوله لينزع عنها إلى الأبد هذه العصبيات المستعصية. وأما اقتصادياً فهي غنية بإمكانياتها الزراعية بما يُمكِّنها من المقاومة في حال التعرُّض للضغوط الاقتصادية من قِبَل المشركين وغيرهم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق