• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كلامك.. وسيلة للنجاح

ديل كارنيجي/ ترجمة: بهاءالدين خطاب

كلامك.. وسيلة للنجاح
تلقيت دعوة عشاء من صديقي القديم، الذي أعرفه من أيام الدراسة. وبعد أن جلسنا إلى المائدة، ومعنا زوجته وولده، أخذ يتمتم بكلمات فهمت أنها صلاة الشكر، ولكنني لم أميّز منها كلمة واحدة. ولم تمض بضع دقائق حتى أشار الصبي إلى لون من الطعام وتفوه بكلمات مبهمة لا تختلف كثيراً في طريقة نطقها عن طريقة والده، فغضب الوالد على الفور، وصرخ في وجه ابنه قائلاً: "أخبرتك عدة مرات أنّه يجب عليك أن تتكلم بوضوح حتى يستطيع السامع أن يفهمك". وتنهدت الأُم ثمّ عقبت في صوت مطرب تؤدي زوجها فيما ذهب إليه. وتجهم الولد ثمّ غادر الغرفة وهو يبكي، فقال صديقي موجهاً الحديث إليّ: لست أدري ماذا أصنع مع هذا الصبي.. إنّه يغمغم دائماً ولا يقول شيئاً واضحاً، ولست أدري ما علّة هذا الغموض في الحديث؟ فقلت على الفور: - إنك أنت وزوجك المسؤولان عن ذلك، فأنتما تأكلان أواخر الكلمات، والصبي في الواقع يقلدكما. ولمست لأوّل وهلة أنهما جُرحا في شعورهما، ولكن سرعان ما اعترف الوالد بهذا النقص فيه ثمّ قال في هدوء: - قد تكون مصيباً فيما تقول.. إنّ رئيسي في العمل أبدى غير مرة عجزه عن متابعة ما أقول، ولكنني كنت أغضب حينذاك وأحسب أنه يتعمد التعريض بي أمام زملائي". وقالت الأم: "وأحسب أنك محق أيضاً فيما ذهبت إليه بالنسبة لي. فقد حاولت مراراً أن أعبر عن رأيي خلال انعقاد مجلس إدارة الجمعية التي اشتركت فيها مؤخراً، ولكن الخوف كان يتملكني في كل مرة، فيضطرب الحديث ولا ألبث أن ألوذ بالصمت". وتمثلت في مخيلتي حينذاك صور مئات من معارفي الذين يشكون من عيوب في الحديث متشابهة ولكنهم لا يفطنون لها. ذكرت صديقي رجل الدين الذي كان رغم ذكائه وسعة اطلاعه لا يكاد يلقي موعظة حتى يسخر منه السامعون، أو يغطون في النوم قبل أن يفرغ منها، وكان الدم يتجمد في عروقه كلما دُعي إلى الاجتماع مع رؤسائه في لجنة أو مؤتمر. ولهذا كانت تسند إليه في كل عام وظيفة أقل من سابقتها. وتذكرت صديقاً ذكياً نشيطاً، ضاعت منه فرص كثيرة للتقدم في عمله، وذلك لأنّه كان يتأتأ في حديثه، ويتحاشى أن يتصل برؤسائه وأن يتفاهم معهم. وكذلك تذكرت مدرّسة شابة جميلة، أتت إليّ يوماً وهي تبكي، ثمّ ذكرت أنها لن تعطي درساً آخر في التاريخ، لأن تلميذاتها أخذن يضحكن منها أثناء الدرس لغير ما سبب ظاهر.. في جميع هذه الحالات، كان العيب الرئيسي مضغ الكلمات وإدماج إحداها في الاخرى، كما كان الخوف من الكلام يعوق المتكلمين عن التعبير عما يدور بخلدهم بطريق مفهومة واضحة. حدثني مدير إحدى المؤسسات عن شاب ذكي، ابتكر طريقة طريفة لزيادة الإنتاج، فلما طلب إليه أن يشرح طريقته في الاجتماع الإداري الخاص بهذه البحوث، خجل وتملكه الخوف من الكلام وسط جمع من كبار موظفي المؤسسة، فاعتذر عن الحديث وانسحب من الاجتماع. كان أن قام زميل له بشرح تلك الطريقة في اجتماع آخر، فعهد إليه في تنفيذها. ولم يلبث أن رشّح لوظيفة كبيرة، بينما ظلّ الشاب صاحب الفكرة كما هو لم يتقدم في وظيفته. وليست حاجة المرء إلى القدرة على الكلام الواضح المقنع وليدة اليوم، فقد فطن "ديموثيتس" إلى ذلك منذ عدة قرون، فأخذ يدرّب نفسه على إجادة هذا الفن حتى غدا أكبر خطيب في أثينا. وقد قضى (أبراهام لنكولن) فترة طويلة في صدر شبابه يتدرب على الإلقاء كي يؤثر في نفوس سامعيه، فنجح في بلوغ هدفه وتحقيق أمنيته. وأصبح رئيس الولايات المتحدة.. وكان (تشرشل) كثير التلعثم في حديثه وهو صغير، وكان معروفاً بصوته المنفر، ولكنه لما لبث أن تغلب على هذه العيوب وأصبح من الخطباء المعروفين. العبارة الواضحة: ولعل من أسباب نجاح فرانكلي روزفلت، وأيزنهاور، قدرتهما على تصوير آرائهما وعرضها في عبارات واضحة ولهجة غير منفرة. ولا تحسبن المهارة في الحديث والإلقاء على الموهوبين، فقد منحتك الطبيعة كما منحتهم، جميع الآلات الصوتية اللازمة للكلام الجيِّد المفهوم. ولكن الفارق بينك وبينهم أنهم يعرفون كيف يستخدمون جميع أجزاء هذه الآلات، وكيف يلائمون بينها فلا يجهد أحدها بينما تظل الأخرى عاطلة. ولو أتيح لك أن ترى – بالأشعة – مرة كيف تحدث الأصوات عند الإنسان لرأيت أنّ المرء يستنشق الهواء، وقود الصوت، ثمّ عظلة الحجاب الحاجز إلى أعلى، فيندفع داخل القصبة الهوائية ثمّ الحنجرة "الدهليز" وهو أعلى جزء فيها، ويحد من أعلى بوتري الصوت الكاذبين ومن أسفل بوتري الصوت الحقيقيين اللذين يهتزان بقوة اندفاع الهواء محدثين بعض النغمات. وهذه تصل إلى الفم والأنف – اللذين يكبّران الصوت – فتتحول النغمات إلى حروف عن طريق اللسان وسقف الحلق والشفتين والفك. ونطق الحروف المتحركة يكون بتغيير شكل الفم وحجمه. أما نطق الحروف الساكنة فيكون بإيقاف النغمات عند الدهليز. والمتكلم الطليق يستخدم الأعضاء التي تشترك في إحداث الصوت. ومعنى هذا أنّه يتنفس بانتظام، ويحتفظ بالأوتار الصوتية حساسة لينة سهلة الانثناء. وهذا يعني أيضاً استرخاء جميع أجزاء الفم عند الكلام، وبذلك تخرج الكلمات واضحة، ويكون الصوت رخيماً قوياً. ثمّ تأتي بعد ذلك مسألة السرعة إذ ينبغي ألا تزيد سرعة الكلام على 120 كلمة في الدقيقة، ولا أن تنقص عن ذلك كثيراً. على المتكلم اللبق أنّ يقسم حديثه إلى مجموعات من الجمل ذات مغزى. ثمّ يقف بين الواحدة والأخرى وقفة طبيعية يستعيد بها قدرته على الإلقاء ورخامة الصوت.. فإذا كنت تحس أنّ كلامك مبهم مضطرب ونبرات صوتك تثير سخرية السامع أو لا تسترعي التفاته، فجرب التمرينات التالية عشر دقائق كل يوم لمدة شهر. 1- خذ نفساً عميقاً، ثمّ الهث في سرعة ونشاط حتى تتعب. ثمّ حاول أن تضحك وأنت تستنشق الهواء ببطء عدة مرات. وحاول عند الزفير أن تكرر كلمتي "هات" و"هوت" ولا تيأس إذا أجهدتك هذه التمرينات في الأيام الأولى، فإن ذلك يدل على أن عضلة الحجاب الحاجز عندك في حاجة إلى تنشيط. 2- لتنشيط عضلات الحنجرة والفكين، حول رأسك في حركات دائرية. ثمّ تثاءب وأدر فكّيك ببطء من جانب إلى جانب. ثمّ اقرأ في همس وبسرعة حتى تتعب الأوتار الصوتية. إنّ بعض عيوب الكلام ترجع إلى ضعف نبرات الصوت وإلى سوء نطق الحروف التي تتكون بتحريك اللسان والشفتين والأسنان وسقف الحلق والفكين في أوضاع مختلفة. وهذه التمرينات مفيدة لتلافي هذه العيوب. 3- إذا كنت "أخنب" أي كان كلامك يبدو كأنّه صادر من أنفك، فإن ذلك يرجع إلى أنك تسد أنفك أثناء الحديث، فتحرم نفسك بذلك من "مكبر" ومرشح مهم للصوت. هذا إذا لم تكن في فتحتي الألف زائدة أو غيرها من الحواجز المرضية التي ينبغي علاجها واستئصالها. وعندئذ حاول أن "تدندن" لبضع دقائق، وأن تعوّد نفسك إخراج الصوت من الأنف بالإكثار من ترديد كلمات تنتهي بالحرفين "م" و"ن" أو المقطع "إنج" مثل "عوم"، "لون" "باذنج" و"لارنج" وهكذا. وهذه نصائح تستطيع إذا اتبعتها أن تصبح خطيباً مفوهاً. 1- انظر إلى الذين تتحدث إليهم.. سواء أكانوا شخصاً واحداً أم ألف شخص. 2- افتح فمك جيِّداً وأنت تتكلم ودع الكلمات تخرج واضحة وبصوت عالٍ. 3- ليكن فمك خالياً من لفافات التبغ أو العلكة وما شابهها. 4- اجلس أو قف معتدلاً، بحيث تكون عضلات حلقك وفكيك مرتخية حتى تستطيع أن تتنفس وأن تتكلم بسهولة. 5- كن منبسط الأسارير، وأنت تلقي خطاباً شديد الثقة بنفسك مؤمناً بحديثك.   المصدر: كتاب كيف تكسب النجاح – التفوق والثروة في حياتك

ارسال التعليق

Top