• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الشّفاعة في القرآن الكريم

الشّيخ علي حسن غلوم

الشّفاعة في القرآن الكريم
  الشّفاعة في المعنى الاصطلاحي العقدي عند المسلمين مرتبطة بكرامة الله لبعض أوليائه فيما يريد أن يُظهره من فضلهم في الآخرة، فيُشفّعهم في من يريد المغفرة له أو يريد رفع درجته عنده. وقد وردت كلمة (شفع) باشتقاقاتها اللغوية 26 مرة في القرآن الكريم، وباستعراضها نجد أنّ ما له علاقة بالمعنى الاصطلاحي يشمل 24 آية، بينما قوله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) (النساء/ 85). فقد استعلمت الكلمة هنا في المعنى اللّغوي، ولها ارتباط بالوساطات التي كان يعرضها بعض المسلمين لبعض المنافقين أو المشركين في العهد النبوي، وهكذا بالنسبة إلى قوله تعالى: (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) (الفجر/ 3)، والتي يشير بها إلى نوع من الصلاة، أو يوم من أيام السنة، أو غير ذلك مما لا علاقة له بالمعنى الاصطلاحي الذي نبحث فيه.   - نفي الشفاعة الوهميّة: ومن يتتبع تلك الآيات ويستقرؤها، يلاحظ أنها لا تتحدّث عن الشفاعة بقصد إثبات وجودها، بل تتحدث عنها بشكل سلبي كما يلي: 1- نفي الشفاعة: (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة/ 254). 2- نفي الشفاعة عن الشفعاء الوهميين الذين كان المشركون يدّعون لهم تلك الكرامة: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام/ 94). 3- بيان عدم تأثير الشفاعة: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (البقرة/ 123). 4- لا شفاعة إلا بإذن الله ورضاه: (هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ) (البقرة/ 255)، (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء/ 28).   - إثبات الشفاعة بشروطها: بالطّبع، فإنّ ما سبق لا يعني نفي الشفاعة في الآخرة بشكل مطلق، إذ أثبتت الآيات نحواً من الشفاعة ضمن قانون معين، ولكنّ اهتمام الآيات انصبّ على معارضة فكرة الشفاعة بالصورة التي كانت مطروحة من قبل المشركين الذين كانوا يعتقدون أن أصنامهم تملك ذلك الامتياز، وأنّهم يتقربون إليها بالعبادة والطاعة وتقديم القرابين، لكي تكون لهم الحظوة عندها في تحقيق أمانيهم كلّها. والمشركون وإن لم يؤمنوا بالآخرة، إلا أنّهم كانوا يواجهون النبي (ص) بدعوى أنّه لو افتُرض وقوعها، فإنّ تلك الأصنام ستشفع لهم وتخلّصهم من عذاباتها. ومن جهة أخرى، فإنّ القرآن الكريم لم يحدِّد الشفعاء في الآخرة، بل ذكر منهم الملائكة، كما ذكر بعض صفاتهم.   - شفاعة بعد الإذن: ومن مجمل الآيات القرآنية التي تحدّثت عن الشفاعة، فإنّنا نجد تأكيد سبق الإذن والرضا الإلهي لأيّ شفاعة، وهذا يعني أنّ شفاعة الشافعين لا تتعارض مع الحكم الإلهي على عباده، بحيث إذا أراد الله إنزال العقوبة بهم، فيتدخّل الشفعاء ليغيّروا الإرادة الإلهيّة، ويحوّلوا الغضب الإلهي إلى رضا، بل إنّ الله سبحانه يحكم – وفق رحمته – باستحقاق فئات من الناس الشفاعة، وحينئذ يشفع الشّفعاء فيهم وفق الإذن الإلهي المسبق لهم بذلك، ووفق معرفة الشفعاء بقانون الشفاعة ومعاييرها وشروطها التي وضعها الله سبحانه، وذلك تكريماً للشفعاء من جهة، وتحسيناً لأوضاع تلك الفئات، برفع درجاتهم في الجنة، أو في التجاوز الإلهي عن بعض ما ارتكبوه من معاصي، من جهة أخرى.   - مبالغة ومخالفة: وقد عمل الخطاب الديني الإسلامي في بعض مواقعه على تقديم صورة مشوّشة أو قاصرة حول الشفاعة، أدّت إلى تصورها بالشكل السابق، كما أدّت إلى تقديم الشفاعة على العمل من حيث المرتبة والأهمية، على الرغم من كل التركيز القرآني على الإيمان والعمل كأساسين للنّجاة في الآخرة، في الوقت الذي غلبت الصِّفة السلبية على الحديث عن الشفاعة. ونتيجة تلك الصورة المعكوسة، جاءت المبالغة عند البعض في الركون إلى الشفاعة في الآخرة، دون الاعتناء بالقانون الإلهي الذي ينظّم العلاقة بين الله والشفيع والمشفّع فيه، وهو ما يخالف صريح الآيات السابقة، وصريح الأحاديث الواردة عن النبي وآله في هذا الخصوص، من قبيل ما جاء في خطبة النبي (ص) الأخيرة حيث قال: "أمّا إنّه ليس بين الله وبين أحد من عباده شيء يعطيه به خيراً أو يدفع به عنه شراً إلا العمل، أمّا إنّه لا ينجي إلا عمل مع رحمة. ولو عصيتُ لهويتُ". فالله هو الذي جعل لنبيه الشفاعة للمذنبين، ولكن النبي يريد أن يقول للناس: انطلقوا مع العمل وانتظروا رحمة الله وشفاعته، ولا تتجرأوا على ترك العمل والابتعاد عن الخطِّ المستقيم. لأنّكم تقولون سيشفع النبي لنا. وكذلك فيما رواه أبو بصير قال: (دخلت على أم حميد أعزيها بأبي عبدالله – الإمام جعفر الصادق (ع) وهي زوجته – فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبدالله (ص) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال: اجمعوا لي كلّ من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحداً إلا جمعناه، قالت: فنظر إليهم ثمّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة). وقد أدّت القراءة الخاطئة لحقيقة الشفاعة أيضاً إلى دفع البعض للسعي نحو تطوير علاقة خاصة بالشّفعاء والتقرب إليهم بأنحاء القربات، لا بدافع الاقتداء والاهتداء، بل أملاً في نيل شفاعتهم، ما أوجد فرقاً شاسعاً بين السلوك العام لأولئك الناس، وسيرة الشّفعاء الذين يمثّلون القمّة في الإيمان والعمل الصالح والخلق القويم.   - نتائج مستخلصة: بمطالعة الآيات القرآنيّة التي تحدّثت عن الشفاعة يمكن استخلاص النتائج التالية: - أكّدّ القرآن الكريم أصل الشفاعة في الآخرة، وذكر الملائكة كشفعاء، كما ذكر بعض صفات الشفعاء. - الحديث القرآني عن الشفاعة في مجمله حديث سلبي، وذلك لمواجهة معتقدات المشركين. - شفاعة الشافعين لا تمثّل معارضةً للحكم الإلهي، ولا تغييراً لإرادته في إنزال العقوبة بالعاصين. - من الخطأ المبالغة في الركون إلى الشفاعة دون الاعتناء بالقانون الإلهي الذي ينظّم العلاقة بين الله والشفيع والمشفّع فيه.

تعليقات

  • مصطفى الفخراني

    أولا : تعريف الشفاعة تعريفا جازما بكل المعنى . شفع . وتختلف عن قول الشفاعة وهنا أشياء لم تعرفونها وغابت عن علماؤكم . تقرأها فى موضوع ( للعلماء فقط . مصطفى الفخراني على جوجل ) فمثلا هناك فرق بين ظاهر المعنى وباطنه فظاهر المعنى للبسطاء وللعامة . فمثلا نطق ألله وتكتب الله ، تقولون ألف الوصل ولم تكن ألف قطع ؟ مثل ألحمد لله تكتب الحمد لله . فذلك له معنى ولكن لا تعلمون ! كذلك أشـَّفاعة لحظتم أين اللام ؟ عجبا أتظنون هذا لام شمسية ولام قمرية هذا للعامة أيها الرجال . لكن لها معنى بليغ بليغ ولكن لن تصلوا إليه . مثل الرسم القرآني له جلالا وأي جلال ولكن لو اجتمعتم جميعا فلن تعرفوه وتقفوا على سره . ولكن ما أعظم هذه الأسرار . مثلا لماذا لم تبدأ التوبة بالبسملة ؟ نحن نعلمه . لذا لو علمتم أن الشفاعة للفرد تكون بعمل الفرد أم تفسيركم خطأ . فى قوله تعالى : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وهنا قف لاتفقهون بإذنه . إذا هناك فرق بين العمل وهو الشافع لكم . ومتى يكون شفيعا لنيل الدرجات ؟ حينما توزن الأعمال وهنا يعي كل ماكان له سر روح وتمتع وصار شيئا أي وله صلة بمعية ومعية من معية الكرام ومعية الله هنا للحساب يشفع لك عملك . ولكن الكرم كرم الله تعالى أن يزيد وهنا الكرم . أم يشفع ( يشفع لك عملك ) وسنشرح لكم اسرارا وأسرار . لذا ننصحكم أن نلفت نظركم للموضوع السابق . فتعالى الله الملك الحق موازينه موازين النون وليست بالكيلوا جرام . وندعو الله فقال ادعو الله أن يكرمكم فهناك فرق بين تكريمكم والشفاعة. لذلك فسروا قوله تعالى : والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى . فكم من نجم هوى وتحول فهل هذا يناقض القرآن الكريم أم أنكم الذين بعدتم عن التفسير الحق . حتى فى التفسير يقولون تعالى الله يقسم لنا ( أي يحلف لنا ) يظهر أننا الكبار والعظام ونحن الدخلاء على الكون . فهذا ليس أدبا أبدا . بل قولوا يوضح لنا مانحن فيه وهو كذا وكذا من قبل خلقكم فالجن قبلكم والحيوانات والشجر قبلكم ! لذا نحن نتحداكم بشرا لبشر حسب النحو والقواعد التي نهجتموها لما يقسم حسب قولكم مرة بالواو ومرة بالتاء ومرة بالباء وهلم جرا لماذا ( اسألوا أهل اللغة وراسيها لن يعلم ولآ أعظم عالم عندكم ) ليس للتعالي ولكن لتعلموا قدر القرآن الكريم . وربنا يعجل بالظهور لما يعلمه . أي بظهور الكتاب كتاب القرن بل كتاب الدهر وهو هدية الرحمن لتعليمكم البيان . وهنا تفسير الكلمة نكرر الكلمة حرفا حرفا .نكرر حرفا حرفا . والله ولي التوفيق . نحن آخر الزمان وارتقبوا الدجال ( الرؤيا تقول : الشمس ستغرب بعد ربع ساعة ) والربع ساعة عشر شنوات وست شهور وقد مر سنة إلا عشرين يوما . كانت برمضان . وهذا إنذار لكم فلا توبة بعد غروب الشمس وتهيأوا لقتال الدجال . وهنا الحرب العالمية الثالثة والنهائية ستقوم . وربنا يسترها على العالم . مع دعواتي لكم بأن يرحمنا ويرحمكم الله والسلام عليكم ورحمة الله .

ارسال التعليق

Top