◄قال الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون/ 115).
تحديد الهدف والغاية من أهم الأسرار الذاتية لتحقيق الإرادة للإنسان، لذلك يتطلب منّا الكثير من الخطوات التي توصلنا إلى الهدف، والغاية التي نبحث عنها في الحياة.
تحقيق الهدف خطوة أكبر تسمى التخطيط، وتشمل عملية التخطيط العلمي:
1- توفر المعلومات الكاملة.
2- امتلاك القدرة والخبرة العلمية.
3- توفير الوسائل والإمكانات التي تحتاجها لتحقيق الهدف.
4- الإشراف على التنفيذ، والمتابعة والمراجعة، والتقويم له باستمرار.
هناك صفات مهمة يجب على الإنسان اكتسابها وتفعيلها في ذاته، وفي حياته وهي صفات ترقى بالنفس إلى المستوى العالي، والكبير التي تجعل الإنسان مميزاً في حياته، وله رؤية واضحة، وأبعاداً مستقبلية في حياته:
1- تربية النفس وتعوّدها على التنظيم، والتخطيط لأمور الحياة من خلال الأمور التالية:
· ملاحظة الجانب التعبدي، والروحاني.
· إدراك أهمية الوقت، وأنّه أغلى الإمكانات المتاحة، وأنّه مورد لا يُمكن تعويضه واستغلاله باستمرار (الاستغلال الأمثل) "لا يتوقف لا يرجع للوراء".
· ليكن شعارك "الكون منظم فلا مكان فيه للفوضى".
· اجعل التنظيم، والتخطيط لأمور حياتك، سلوكاً دائماً تستمع به، وتعلمه من حولك.
2- عوِّد نفسك على أن يكون لكلّ عمل تؤديه قصد وغاية، وهدف فالنفس كالطفل إذا تعوّدت شيئاً لزمته، إذا لم يكن لديك هدف، فاجعل لك هدفاً تحديده يومي – أسبوعي – شهري – سنوي – لكلّ عقد من السنين – للحياة فتعمل على استمرار لأهدافك.
3- إرهاف الحواس وحسن توظيفها في الحياة.
4- معرفة السُنن الإلهية في تسيير الكون والحياة.
5- حياة القلوب ويقظة العقول "للقلب شعث لا يُمله إلّا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يزيلها إلّا الأُنس به، وفيه حزن لا يذهبه إلّا السرور بمعرفته، وصدق معاملته، وفيه قلق لا يسكنه إلّا الفُراد إليه، وفيه فاقة لا يسدّها إلّا محبته والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له، ولو أعطى الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبداً".
6- التفاؤل الدائم والنظرة الإيجابية للمستقبل، وعدم الوقوع فريسة للتشاؤم، والإحباط.
7- التخلص من صفة التردد والاضطراب، وتنمية روح المغامرة والإقدام.
"تقدم إلى الأمام وإلّا ستبقى سجين الآن".
8- المرونة في التفكير، والسلوك والتأقلم مع المستجدات، والظروف من خلال تقليب وجهات النظر، وتعدد زوايا الرؤية وعدم إغلاق الذهن أمام تعدد الاحتمالات، يتيح لك تعدد الخيارات الممكنة، والمتاحة لك للوصول إلى هدفك.
9- إذا فشلت في الإعداد لهدفك، فقد أعددت نفسك للفشل.
مهارات تحديد الهدف:
1- أهداف كُبرى كلية، عامة، دائمة، أو طويلة الأمد، وهي بالنسبة للإنسان كالبوصلة المُصحِّحة لسيره باستمرار "الهدف الاستراتيجي طلب رضوان الله تعالى".
2- أهداف صغرى جزئية، ومرحلية وخادمة للأهداف الكبرى.
هناك خطوات يجب علينا أن نعملها، لنصل إلى الأهداف الكلية، والجزئية:
- توفير المعلومات اللازمة لتحقيق الهدف، الخارطة الذهنية، والواقع الخارجي، الخبرات السابقة، والمعتقدات والقيم، والمبادئ.
- الإيمان بالهدف وقيمته، وأهميته وأولويته على غيره، وأنّه يضيف للحياة روحاً جديداً والقناعة الجازمة بذلك، وعلى قدر إيمانك بأهمية هدفك، وضرورته لك ولهجك به يكون مقدار إبداعك، وبدأبك وسعيك، وتجنيد جميع طاقاتك للوصول إليه.
- دراسة العواقب والآثار المترتبة على تحقيق الهدف بالنسبة لك، وبالنسبة للآخرين والتأكد من صلاحيتها، وإمكان تحمّلها.
- أن تتصور الهدف وقد تحقق تصوراً، واضحاً إيجابياً، بجميع حواسك، وأن تتخيل نفسك وأنت تعيش مرحلة الهدف بكلّ تفاصيلها وتستمتع بذلك، لأنّ ذلك يُحفز طاقاتك، ويوجّه تفكيرك للإبداع في كيفية الوصول للهدف.
- أن يكون الهدف مُمكناً؛ أي أن يكون واقعياً لا خيالياً وهمياً لأنّ الكثير من الناس يعيشون حياتهم في سماء الأوهام والخيالات كما أنّ الآخرين يعيشون أسرى الواقع الحاضر لا يتجاوزونه فيكون مناسباً من المقدار لإنجازه وأن تمتلك، أو تقدر على امتلاك ما تحتاجه من موارد لتحقيقه.
- أن يكون الهدف مجدياً، إذ لا يكفي أن يكون مُمكناً، بل لابدّ أن يكون الهدف عند تحقيقه أعظم نفعاً وفائدة، وأهم وأعلى قيمة من الثمن الذي يقدم للوصول إليه، وهذا يستدعي معرفة مقدار الثمن من الوقت، والمال، والجُهد والعلاقات وغير ذلك، وهل أنت مستعد وقادر على دفعه، وما هو الوقت المناسب لتقديم أجزاء ذلك الثمن.
- أن يكون الهدف مشروعاً.
- أن تعلم أنّك المسؤول الأوّل عن تحقيق هدفك وإنّ جُهود الآخرين في سبيل ذلك لا تتجاوز المساعدة التي لابدّ من تحديدها، ومعرفتها والتأكيد من إمكانية حصولها، والسعي لتوفيرها.
- أن تحدد في خطتك موعداً زمنياً للوصول إلى هدفك، وأن تصوغه بطريقة تمكنه من قياس قربك في تحقيق الهدف.
وأهم نقطة أن تجعل الهدف الأسمى في حياتك "رضوان الله تعالى".
إذن، من أهم مفاتيح النجاح، هو تحديد الهدف من المعلوم أنّ علم التطوير الذاتي ما زال حديث عهد بالبيئة العربية والإسلامية رغم أنّ الغرب قام ببلورته منذ زمن بعيد، ومن مبادئ هذا العلم أنّك لكي تحقق النجاح، فلابدّ أن تحدد هدفك بوضوح، وبدقة وأن تضع الزمن المناسب لتحقيق هذا الهدف، ولكي يكون الهدف قابلاً للتحقيق فلابدّ أن يكون واقعياً، متناسباً مع قدراتك.
فإذا كنت لا تعرف هدفك وغايتك في الحياة، فإنّك سوف تصل إلى طريق آخر لا ترغب فيه أبداً.
وتخيل أنّك تسير في سفينة تسير في البحر ثم قامت عاصفة شديدة، أعقبها هطول أمطار كثيفة، فأخذت الأمواج تتجاذبها بشدة من كلّ مكان، وأصبحت السفينة مثل ورقة صغيرة في مهب الريح.
إنّ البوصلة في هذه الحالة هي التي ستنقذ السفينة من الضياع والغرق، إنّ هدفك هو هذه البوصلة الذي يجب عليك تحديده والتمسك به فكما تهدي البوصلة رُبّان السفينة لكي ينقذ سفينته من الضياع وسط ظلام الأمواج، كذلك هدفك هو الذي يحدد لك الاتجاه الصحيح الذي يجب عليك السير فيه.
وتذكر دائماً أنّه إذا كانت لك غاية فلن تعدم الوسيلة المناسبة لتحقيق تلك الغاية، وتذكر مقولة (نابليون بونابرت) "إنّ الرجل الذي عقد النية على الفوز، لا ينطق بكلمة مستحيل".
ومعنى عقد النية على الفوز هنا، أي حدد هدفه وتحرك في سبيل تحقيقه.
وأعلم أنّه إن لم يكن لك هدف محدد خاص بك فسوف تعيش في أهداف الآخرين، فلماذا تترك نفسك فريسة لسيطرة الآخرين؟
عليك ودون أن تقوم أنت بالسيطرة في خنوع؛ يرددون مقولة "أنا عبد المأمور" ليسوا في واقع الأمر فاشلين لكنهم لم يحددوا لأنفسهم أهدافاً وتركوا الأمور لمدرائهم، يفعلون بهم ما يشاؤون.
أما الإنسان الذي لديه هدف واضح، فلا يرضخ لأي رغبة غير صحيحة، طالما لا تتماشى مع هدفه الذي يريد تحقيقه.
يقول علماء التطوّر الذاتي: (قلما نجد مَن قام بتحديد هدفه، وفشل في تحقيقه).
أما بدون الإحساس بالهدف فإنّنا ضائعون.
(فهذه دعوة للجميع ومن الآن علينا أن نحدد الهدف الذي نسعى إلى تحقيقه، والاستعانة بالله على ذلك وسوف يحقق الله هذه الأهداف، مادامت النوايا خالصة لله سبحانه).
ومن المستوى الفردي، إلى مستوى المؤسسات والمنظمات، فأي مؤسسة، أو منظمة – سواء عامة أم خاصة – أم غيرها هادفة للربح، لابدّ لها من تحديد الهدف من وجودها بدقة، حتى تستطيع البقاء في السوق ومنافسة غيرها من شركات التنظير مثلاً إلى بعض من المؤسسات العامة القائمة الآن نجد أنّها فقدت الهدف الذي نشأت من أجله، ولذلك فلم تعد تقوم بالدور الذي كان مرسوماً لها القيام به، وقت إنشائها وهذا ما يحتم على مثل هذه المؤسسات أن تقوم بإعادة صياغة هدفها، وطبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به إذا أريد لها البقاء في عالم الوجود.
فيجب على القائمين بالمؤسسات التحديد الدقيق للهدف المنوط من أجل أن يتضح للعاملين طبيعة الدور الذي يكون عليهم القيام به في سبيل تحقيق هذا الهدف.
أما في حالة عدم القيام بذلك، فلا ينتظر من أية مؤسسة تحقيق أي هدف منها يسهم في عملية التنمية، بل ومن الممكن أن يكون دورها معوقاً لعملية التنمية هذه، كما أنّ ذلك سيدفع كلّ فرد من موظفي المؤسسة، وبسبب من غياب الهدف العام لمؤسستهم إلى السعي لتحقيق أهدافهم الخاصة على حساب أهداف المؤسسة ككلّ.
كما أنّ غياب الهدف يؤدي لتزايد الفساد حيث لن يكون معلوماً الهدف الحقيقي من عمل المؤسسة، ومن هنا فلن يخضع هذا العمل لمعايير المحاسبة والمساءلة.
"ينبغي أن يكون هدفك متسقاً مع نظام القيم الشخصية الخاص بك، كما يجب أن تعتقد أنّك يمكن أن تصل إلى الهدف؛ من الأهمية بمكان أن تثق في نفسك، يجب أن ترى نفسك مع الهدف في متناول اليد".
هدف قابل للتحقيق:
يجب أن يكون لديك القدرة العقلية، والبدنية للوصول إلى الهدف، مع ذلك المهم بالنسبة للهدف الخاص بك أن يحفزك لتمتد إلى ما بعد الحدود المفروضة ذاتياً للهدف الذي يرفعك لتوسع وتنمي قدراتك، وسوف يكون الهدف الذي يمنحك رضاً أكثر، ولا تخاف أن تتحدى نفسك، وتتجاوز حدودك القديمة.
هذا يعني أنّك يجب أن تكون قادراً على تحقيق الهدف بنفسك، أو كسب تعاون الآخرين المستعدين لمساعدتك للوصول إلى الهدف، هذا يؤكد على أهمية بناء روح للذات، وإذا كنت غير قادر على السيطرة على نتائج حدث ما لكونه أبعد ما يكون عند قدراتك، ليس واقعياً أن تحدد هدف في هذا المجال سيكون مثل المغامرة دون قدرة، ونظام يتغلب على العوائق، فإنّ فقدان السيطرة على مُجريات الأمور سوف يؤدي إلى الإحباط، ويكلفك الكثير من المشقة والتعب.
تأكد أنّ الهدف لا يتشابك مع غيره:
تأكد أنّ هدفك لا يتعارض مع مناطق أخرى من حياتك، فبعض الأهداف تؤثر بشدة على مناطق أخرى من حياتك، مما يخلق صراعاً مع الأهداف الأخرى، يجب أن تقرر بعد ذلك ما هو أكثر أهمية، تأكد من تحديد الأولويات حتى تتمكن من التركيز على ما هو مهم حقاً ليس فقط عاجلاً كثيراً ما نتعامل مع الأزمات اليومية بدلاً من التعامل مع الأنشطة الهامة ذات الأولوية، والتي سوف تساهم في الوصول إلى الهدف.
الهدف الذي تريده حقاً يجب أن يكون من شأنه أن يكون مرضياً من ذاتك، ويدفعك ببذل جهود أكبر لتحقيقه، وسوف تشعر أنّك أصبحت شخصاً أفضل وأنّ الهدف يستحق الوقت، والجهد تأكد إن اخترت هذا الهدف لإيمانك به، وليس لمجرد انفعال وقتي، أو تقليد شخص آخر فسوف يتحقق.
لماذا يجب علينا تحقيق الهدف؟
حلم.. والحلم هو شيء نود أن يحدث، ولكن غير مستعدين لدفع الثمن لتحقيقه، أي هدف جدير بالاهتمام له ثمنه ربما هذا الثمن قد يكون مواجهة المخاوف الشخصية، أو استثمار كمية معينة من الوقت والجهد إذا قمت بتحديد مكافأة تنتظرها في نهاية تحقيق الهدف ستتمكن من التركيز على المكافأة، وليس الخوف من الفشل من سعيك لتحقيقه، فوجود مكافأة في الاعتبار سوف تعطيك شيئاً إيمانياً للتركيز عليه.
الأهداف مثل مكعبات البناء الذي ينتهي إلى بناء متكامل قوي، كلّ هدف يوفر قوّة واتجاهاً ذهنياً لازماً لمساعدتك في تحقيق هدف آخر.
كلّ مرة تقوم فيها بالوصول إلى هدف تكسب قوّة الشخصية واحترام الذات هذا يزيد الثقة في نفسك وقدراتك، وينمي موقفاً إيجابياً يمكنك من الاقتراب أكثر بشغف للتحدي المقبل، أو الفرصة التي قد تظهر في الأفق من خلال إجبار نفسك على المثابرة حتى تصل إلى هدفك، يُنمِّي شخصية قوية قادرة على التغلب على تحديات الحياة.
"اختيار الهدف يجعلك تعيش الحياة السعيدة الحقيقة التي غايتها رضوان الله تعالى، والفوز بالجنان الواسعة والنعيم الباقية، ويجعل لك رقماً أساسياً في حياتك تتميز به".
إنّ الوصول إلى هدفك سيُساعدك على تلبية احتياجاتك النفسية والذهنية وينمي قوّة الإرادة في داخلك.
"قوّة الإرادة من قوّة الهدف".
الخلاصة:
تحديد الهدف في الحياة أمر مُهم للغاية، فمن خلال الهدف نستطيع أن نصل إلى جميع الغايات والأمنيات، وأن نحقق السعادة الحقيقية، ولا شك أنّ الوصول إلى هدفك سيساعدك على تلبية احتياجاتك النفسية، والذهنية، وينمي مداركك العقلية، ويقوّي الإرادة الذاتية بداخلك.
ولذلك قوّة الإرادة من قوّة الهدف، لأنّ الإنسان الذي يحدد هدفه سيكون له أبعادٌ إستراتيجية كبيرة تساعده في تنمية الذات، وتكسبه قوّة شخصية وهذا يزيد الثقة في النفس، وينمي موقفاً إيجابياً يمكنه من الاقتراب أكثر بشغف للتحدي من خلال إجبار نفسه على المثابرة، والجد حتى يصل إلى هدفه.
وكذلك ينمي شخصية قوية، قادرة على التغلب على تحديات الحياة، والهدف الأسمى من الحياة هو رضوان الله تعالى، وتحقق آمالك في الفوز بالجنان الواسعة التي أعدها الله للمؤمنين من عباده، وهذا هو الذي يجب على كلّ إنسان أن يجعله نُصب عينه في الطريق للوصول إلى الهدف، والغاية في الحياة.
فإذا كنّا جميعاً نهدف إلى الوصول إلى رضوان الله تعالى، فسنعيش على مبدأ السعادة، وسنصل جميعاً إلى طريق، وهدف، وغاية واحدة؛ وهي رضا الله تعالى ونجعل أنفسنا مطمئنة قانعة لا تريد إلّا رضا لله تعالى.
كما قال رسول الله (ص): "مَن تمنّى شيئاً وهو لله رضاً لم يخرج من الدنيا حتى يُعطاه".
فإذا أردت الهدف جِدْ وقوِّ إرادتَك الذاتية، واسعَ بكلّ جهدك، ورغبتك حتى تصل إليه بأي طريقة كانت، ولا تحجزك العوائق والأزمات، تجاوز كلّ التحديات التي تصادفها في حياتك وإن شاء الله تعالى بعزك، وإرادتك تصل إلى كلّ ما تتمناه في الدنيا والآخرة.►
المصدر: كتاب طريق الإرادة إلى مستقبل السعادة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق