• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قواعدُ لرعاية وحفظ المجتمع

عمار كاظم

قواعدُ لرعاية وحفظ المجتمع

يبيِّن القرآن الكريم من خلال آياته عدّة أُسس لابدّ من أن تحكم المجتمع المؤمن وتشكّل أساساً وقاعدةً وفي مقدّمتها حفظ كرامة الإنسان في هذا المجتمع، فهو لم يسمح للمسّ بها أو النيل منها أو إهدارها تحت أيّ اعتبار. ومن أبرز الموارد التي تحفظ كرامة الإنسان، عدم الافتراء عليه لتشويه صورته وإسقاط موقعه في نفوس الناس. وقد جاء التحذير في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من انتهاج هذا الأسلوب، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْمًا مُبِيناً) (الأحزاب/ 58). وفي الحديث: «إذا اتّهم المؤمن أخاه، إنماث الإيمان من قلبه كما ينماث الملح في الماء». وقد ورد في الحديث: «خمسٌ لا كفَّارةَ لهم: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرَّم بغير الحقّ، والفرار من الزحف، والبهتان»، والبهتان هو الافتراء.

أمّا القاعدة الثانية، فهي أنّ العدالة في هذا المجتمع للجميع، وهي ليست للبعض دون البعض الآخر، فالعدالة في نظر الإسلام لا تتأثّر بعاطفة حبّ أو بُغض أو هوى لاختلاف في الدِّين أو المذهب، ولا تخضع لموازين القوى أو موازين المال أو السلطة، فالعدالة هي فوق كلّ اعتبار. هذا ما دعا الله تعالى إليه عندما قال:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النِّساء/ 135)، ثمّ يقول: (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النِّساء/ 135). وقد كانت وصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) لولديه الحسن والحسن (عليهما السلام): «أوصيكما بتقوى الله في الغنى والفقر، وكلمة الحقّ في الرِّضى والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على الصديق والعدوّ».

أمّا القاعدة الثالثة، فتتّصل بتوجيه المجتمع المسلم إلى عدم الدفاع عن أيّ شخص يخون أمانته، فيسرق أو يتّهم بغير حقّ، حتى لو كان من أقرب الناس إليه. ولتبيان أهميّته، كان الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) (النِّساء/ 107). وإلى الذين دفعتهم عاطفتهم للدفاع: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (النِّساء/ 109). إنّ الالتزام بمثل هذا السلوك، هو الذي يردع السارقين والفاسدين عن سلوكهم، فهم يرتدعون عندما يقاطعهم المجتمع، ولا يرون أحداً بجانبهم يبرّر لهم أعمالهم وسلوكهم. وقد حمّلنا الله سبحانه وتعالى كمجتمع هذه المسؤولية، عندما قال: (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (هود/ 113). كما قال الإمام عليّ (عليه السلام) لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام): «كونا للمظلوم عوناً وللظالم خصماً».

الله تعالى هو ربّ الوجود كلّه، الذي يتطلّع إليه الإنسان في كلّ أوضاعه، ليمنحه القوّة في مواطن الضعف، وليرعاه في كلّ أُموره، فلا يحسّ بالضياع، ولا يشعر بالقلق أمام الكون في علاقته بحركته ووجوده، لأنّه يرتبط به في وحدة النظام العام، والخضوع لكلّ تدابيره، وبهذا يمتد الإحساس بهذه الوحدة إلى داخل المجتمع الإنساني الذي يعيش كلّ أفراده في نطاق الرابطة الإنسانية التي تجمع كلّ تنوّعاتهم في وحدة داخلية في إنسانيتهم التي يلتقون عليها، وفي دورهم الذي يتكاملون فيه، ولذلك فلا يمثّل التنوّع تبايناً، بل يمثّل تكاملاً في الخصوصيات، بحيث ينضمّ بعضها إلى البعض الآخر من أجل إنتاج القضايا الكلّية في مسار الإنسان، وهذا هو الذي عبّر عنه القرآن الكريم في تأكيده على وحدة عنصر الخلق وتنوّع خصائص الإنسان: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13).. فالتنوّع هو الوسيلة الفُضلى للتعارف، باعتبار انجذاب الإنسان إلى الإنسان الآخر في حاجاته إليه، من خلال ما يملكه من طاقات فاعلة تؤثّر في حياة الإنسان الآخر إيجاباً، فيدفعه ذلك إلى إيجاد العلاقة به من أجل الحصول على ما لديه من هذه الحاجات.

ارسال التعليق

Top