• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قصص تربوية في التعليم والتعلم/ ج(1)

أسرة

قصص تربوية في التعليم والتعلم/ ج(1)
القصّة الأولى "إصبِرْ.. تتعلّم!!" خرج تلميذٌ مهملٌ للّهوِ واللّعبِ، تاركاً دروسه وواجباتِه، ثمّ جلسَ في بستانٍ فرأى عصفورةً فوق الشجرة تُعلِّمُ أولادَها الطيران. أخرجت الأوّل، ثمّ طارت أمامه من أسفل الغصنِ إلى أعلاه، ومنه إلى ما يُجاوره، ثمّ إلى أبعد منه، وهو يتبعها، وما زالت به تُعلِّمه حتى قدر على أن يُفارق الشجرة إلى شجرةٍ أخرى، فتركته، وجاءت لأخيه فعلّمته، وهكذا حتى صادفها فرخٌ بطيءٌ من أفراخها لم يقدر على اتِّباعها، فأخذته إلى العشِّ فنقرته نقراً خفيفاً، وأخرجته وطارت فتبعها، ثمّ عجز، فأخذته ونقرته نقراً شديداً، وطارت فتبعها، وما زالت به حتى صارَ كإخوته، يتمتّع بالفضاء الفسيح، يطيرُ فيه ويصيح، وبعد جولةٍ هنا وهناك يحطّ على الغصنِ ليستريح. فانتبه التلميذ المهمل الكسول إلى أن التعلم يحتاج إلى صبرٍ وإلى مواصلة التمرين، فعاد إلى كتبه ودروسه وبقيت صورة العصفور الضعيف الذي تعلّم كيف يطير مرسومةً وحاضرةً في ذهنه تذكره أنّ الإهمال عدوّ التعلّم، وأنّ الصبر زادُ المتعلِّمين!   - الدروس المستخلَصة: 1- في مدرسة الطبيعة ما أكثر المعلمون الصالحون، فكلّ ما من حولك يُقدِّم لك دروساً مجانية في تعلّم خصلة ما.. ما عليك إلا أن تفتح عينيك لتختزن من تلك الدروس ما تسعه ذاكرتك، وما يُلائم طبعك وثقافتك. 2- لسنا في الفصل الدراسي سواء، فبعضنا نشيط يتعلّم بسرعة، وبعضنا متوسِّطُ النشاط يحتاج إلى وقتٍ أطول، وبعضنا ضعيف يحتاج إلى تركيزٍ أشدّ، واهتمام أكبر، وعنايةٍ خاصة.. المهم أنّ التمرين والصبر ضروريان لمن يريد أن يتعلم ويلحق برفاق التعليم. قال الشاعر: وَمَن لم يَذُقْ ذُلَّ التعلم ساعةً **** تجرّع ذُلَّ الجهل طول حياته ومَن فاته التعليم وقتَ شبابه **** فكبِّرْ عليه أربعاً لوفاته حياةُ الفتى والله بالعلم والتقى **** إذا لم يكونا لاعتبارٍ لذاته!! وقال رجلٌ (لأرسطو): إنِّي لا أستطيعُ صبراً على تحمّل تعب العلم! فأجابه أرسطو الفيلسوف: إصبر إذن على تحمُّل شقاء الجهل!!   القصة الثانية "ليسَ لطلب العلم عُمرٌ!!" يُروى عن العالم اللّغوي (السكاكي) أنّه كان في بداية أمره حدّاداً، فصنع ذات يوم محبرةً صغيرة، وجعل لها قفلاً عجيباً، واهداها إلى ملكِ زمانه. فلما حضر بين يدي الملك، وجده مشغولاً مع العلماء الذين يجلّهم ويحترمهم ويُدنيهم من عرشه، فلمّا رأى صنعته أعجِبَ بها، لكنه لم يحتفِ به كاحتفائه واهتمامه بالعلماء، ممّا حدا بالسكاكي أن يهجر مهنته ويطلب العلمَ وهو في الثلاثين من عمره. في بداية تعليمه تعثّر كثيراً، فكان لا يُحسِن حفظَ ما يقوله أستاذه حتى كان يثير ضحك زملائه، ولما وجد صعوبة في التعلم، خرج إلى منطقةٍ جبيلةٍ قريبة، فاستوقفهُ ماء كان يتقاطر على صخرةٍ وقد ترك فيها أثراً. هنا سأل (السكّاكي) نفسه: هل عقلي أقسى من هذه الصخرة؟ ولمّا راجع نفسه أيقن أنّ الصبر على طلبِ العلم لابُدّ قائدهُ إلى ما ينبغي، وبالفعل صمّم على الاستمرار، وإذا به مع الأيّام يُصبحُ عالِماً يُشارُ له بالبنان، بل قيلَ إنّه حاز قصبَ السَّبْقِ على الكثير من علماء زمانه!   - الدروس المُستخلصة: 1- "إطلب العلمَ من المَهْدِ إلى اللّحد"، هذه الدعوة النبوية العلمية المفتوحة على الزمن ترفض أن تُحدِّد لطالبي العلم عمراً، فكل وقتٍ يطلب فيه الإنسان علماً هو الوقتُ المناسبُ، وإن كان العلمُ في الصغر كالنقش في الحجر. 2- حينما تتأمّل فيما حولك، تُهديك الحياةُ إلى دروس لم تخطر لكَ على بال. (فالسكّاكي) تأمّل في حال العلماء ومقامهم، فعرفَ أنّ العلم شرفٌ وفضيلة. وتأمّل في الصخرة التي أثّرت فيها قطراتُ الماء، فعرفَ أنّ عقلَهُ لن يكون أصلبَ منها في استقبال العلم.. وهكذا ففي كل شيء في الحياة مادّة للدرس والتأمّل والتعلم، وكلُّ مكانٍ في الطبيعة مدرسة، فما أكثر العلم وما أقل المتعلِّمين، وما أكثر العظات والعِبَر وأندر المُعتبرين والمتعظين!!

ارسال التعليق

Top