كانت الزهراء (عليها السلام)، قدوة في برّها بأبيها وفي عفافها ونجابتها وطهارتها واستقامة سيرتها. قدوة في علمها الذي انعكس على سلوكها ومواقفها. قدوة في بيت الزوجية وفي تربيتها لأولادها. قدوة في صبرها وتحمّلها وفي حوارها وبيانها وخطابها الذي يعتمد القرآن وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهجاً له. هي القدوةُ في كلِّ شيء، لأنها الإنسانة الكاملةُ في كلّ شيء. فاطمة الزهراء (عليها السلام) هذا الاسم الذي عندما تذكره فإنّه لا يوحي إليك إلّا بالطهارة كأصفى ما تكون الطهارة، وبالنقاء كأعذب ما يكون النقاء، وبالإنسانية التي تعطي الإنسان معنىً جديداً، وبالعصمة التي تتمثلها فكراً في فكرها وخُلُقاً في أخلاقها وسلوكاً في كلِّ حياتها وشجاعة في الموقف مع الحقّ، من دون أن تجد هناك أيّة نقطة ضعف. فلم تكن شجاعةً انفعالية بل كانت شجاعة رسالية، كانت وقفاتها وقفات من أجل الحقّ، وكان حزنها حزن القضية أكثر من أن يكون حزنَ الذات، فعندما ندرس كلَّ ما تحدثت به في حزنها فإننا نجد أنّ حزنها كان حزنَ الرسالة وحزن القضية فحتى وهي تحزن على أبيها وتبكيه لا تستشعر أنها تحزن على فقد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الأب، وإن كانت الأبوة التي عاشتها مع أبيها أبوةً من نوعٍ نادرٍ، لأنها كانت في حياتها معه لا تحس بالتعددية ولا تحس بالانفصال، كانت هي هو وكان هو هي، إلّا أنّ النبوّة فوق كلّ ذلك، النبوّة لا يمكن أن يقترب منها أحدٌ، تلك منزلة إلهيةٌ، ولذلك لم يقترب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيُّ شخص مهما كان قريباً إليه في معنى النبوّة، حيث تبقى النبوة نبوتَهُ في الرسالة، في الوحي، في عروجه إلى الله، ويبقى للآخرين القريبين منه كلُّ صفات الكمال «أنتَ منِّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».
علينا أن نعرف أنّ عظمة الزهراء (عليها السلام) إنّها كانت تتحرك في نشاط دائم من أجل أن تركّز الحقّ كما يريد الله سبحانه وتعالى. ومن خلال هذا نعرف أنّ مسؤولية المرأة أن تواجه واقعها وأن لا تكون معزولة عن الواقع وأن لا تبتعد عن القضايا الحيوية إذا كانت تملك طاقة وقوة في الحركة وظروفاً مناسبة، فإنّ عليها أن تواجه حاجة الواقع إلى نشاط المرأة كما هي حاجة الواقع إلى نشاط الرجل لتأمر بالمعروف هنا ولتنهى عن المنكر هناك، ولتقف بوجه التحديات حيثما نشبت. هكذا كانت الصادقة الأصدق، وكانت العابدة الأعبد، وكانت الإنسانة التي تفكر بالناس قبل أن تفكر بنفسها. وعلى المرأة والرجل أن يتحركا في هذا الخط لتكون فاطمة (عليها السلام) قدوة لهما في العطاء وفي الحركة وفي العلم وفي العبادة. وعندما نريد أن نثير ذكرى السيدة الزهراء (عليها السلام) فإنّ العبرة من هذا الدرس هي أن تتحرّك المرأة المسلمة من أجل أن تكون المرأة التي ترتفع بروحانيتها إلى الله، وتعبد الله، وتعيش إنسانيتها بالتفكير في الآخرين قبل التفكير بنفسها، وتعيش ثقافة الإسلام وثقافة الواقع السياسي، وتتحرك بحسب ظروفها لتدخل الواقع الإسلامي الذي يواجه التحديات سواء كانت ثقافية لتقدم ثقافتها في وجه هذه التحديات، أو اجتماعية لتقدم خبرتها الاجتماعية في خط المواجهة، أو التحديات السياسية لتقدم وعيها وثقافتها السياسية في ذلك، فالمرأة إنسان كما هو الرجل.
عندما نذكرها سواء في ذكرى ولادتها وهي تنفتح على الحياة، أو في ذكرى وفاتها وهي تنفتح على رحاب الله لتلتقي في أقرب موعد بأبيها رسول الله، عندما نتذكرها وهي لم تتخط شبابها بل ربما فارقت الحياة وهي في ريعان الشباب، عندما نتذكرها وهي الإنسانة التي كانت رسالة متحركة في عقلها وفي روحها وفي فكرها وفي علمها وزهدها وعبادتها وصلابتها وقوتها في الحقّ، عندما نتذكرها هذه الصدّيقة الطاهرة التي كانت الطهر كلّه، وكانت العصمة كلّها، وكانت الحقّ كلّه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق