هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام). كان يكنى أبا الحسن، ويلقّب بالأكبر؛ لأنّه أكبر أولاد الإمام الحسين (عليه السلام)، أنّه ولد بعد وفاة جدِّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بسنتين. وكان علي الأكبر (عليه السلام) أول المستشهدين يوم الطفِّ من أهل البيت (عليهم السّلام)، وقيل: كان عمره 18 سنة.
وكان علي الأكبر أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا بل أنّه شابه الخمسة أصحاب الكساء (عليهم السّلام)؛ فأمّا شبهه بجدِّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ففي كلامه ومقاله، وفي خَلقه وأخلاقه؛ وأمّا شبهه بجدِّه الإمام علي (عليه السلام) ففي كنيته وشجاعته وتعصبه للحقِّ؛ وأمّا شبهه بجدّته فاطمة الزهراء (عليها السّلام) ففي مدة حياتها؛ إذ توفيت الزهراء (عليها السّلام) وعمرها ثماني عشرة سنة. وأمّا شبهه بعمّه الحسن (عليه السلام) فقد كان بالبهاء والهيبة، فكان وجهه يتلألأ نوراً؛ وأمّا شبهه بأبيه الحسين (عليه السلام) فقد شابهه بالإباء والكرم، ويكفيه إباءً وكرماً أنّه أوّل مَن برز من أهل البيت الطاهر يوم كربلاء، وما زال يضرب في القوم (ضرب غلامٍ هاشميٍّ علوي) حتّى استشهد.
قال الامام الحسين (عليه السلام) حينما برز علي الأكبر يوم الطف: «اللّهُمّ اشهد، فقد برز اليهم غُلامٌ أشبهُ النّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك». ولد علي في بيت يتمتع بالحضور الكامل للايمان والتقوى بيت رحب الفكر واسع المعرفة مزدحم بالصالحين والطاهرين والذين لاتأخذهم في الله لومة لائم، الذين لايفتأون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم، ويتمسكون بحرفيتها، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً.. بيت هو العقيدة بذاتها، الأمر الذي يفسر دعوة الله للناس كي يحبوا ذلك البيت ويوادوه، ويحاربوا من يكرهه ويعادوه.. بيت عامر بكلّ ما يمت للاسلام بصلة وللحقّ والحقائق بروابط وعلائق. ومن شأن الوليد الذي يفتح عينه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة، وأوساط الشرف والسؤدد، وبيئة الخير والصلاح والهدى، من شأنه أن ينشأ على افاضات ذلك البيت النبيل، وقبسات أهل ذلك البيت من الرجال الذين أنيطت بهم حراسة القضية الاسلامية، وصيانة الشرع الشريف، وحفظ الدين المحمدي الحنيف. نشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيات، وقد تشرب بأخلص العواطف وصادق الحنان، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعرهُ السليمة وروحه الطاهرة، ونفسه السوية، أكل وشرب مما أنعم الله به حلالاً طيباً لايأتيه الباطل والشبهة.. نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء، ومزاحهم الجميل معه. فمادته ومعنوياته من فيض حوض طاهر نقي، بمعنى أنّ جسده وروحه تنزها عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة. ترعرع علي الأكبر (عليه السلام) في تلك الأوساط النظيفة، حيث قضى سني حياة صباه يدرج بين صفوة الرجال وصفوة النساء، وخيرة الفتيان والصبيان، بين شخصيات جليلة القدر وشباب يسمون نحو الكمال والعز والاباء. نشأ وترعرع وهو ملء العين، فتخطى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً زاهرة وليالي مباركة، وأشهراً وسنيناً خالدات، متسلقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته، وشاباً خلاّقاً في ربيع حياته، فرجلاً بطلاً ينفرد في مميزات جمة وجليلة سامية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق