• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلة بين العباد وملائكة الرحمن

إيمان مغازي الشرقاوي

الصلة بين العباد وملائكة الرحمن

◄إن الصلة بين بني آدم وبين الملائكة قائمة منذ زمن بعيد لا يعلم مقداره إلا الله عزّوجلّ، لكن الحكاية تبدأ عند خلق أبينا آدم عليه السلام، إذ أكرمه الله تعالى وخلقه ونفخ فيه من روحه، حتى إذا ما صار بشراً سوياً تدب فيه الحياة أسجد له ملائكته الأطهار، سجود تكريم وتعظيم وإكبار. قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 34)، سجدوا سجود خضوع وتواضع وائتمام، وقد علمت الملائكة أن آدم مخلوق مكرم ومقرب، إذ صار بفضل الله وعاء للعلم الذي خصه به وعلمه إياه كما قال تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة/ 31)، وهذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كلّ شيء دونهم، وكان ذلك بعد سجودهم له.. وهنا ينبغي أن يكون لنا وقفة متأنية لنرى أثراً عظيماً من آثار العلم حين يمنّ الله تعالى به على العباد، فقد كرم آدم به وقربه إليه، مع الفارق الكبير بين النور الملائكي والطين الآدمي، كرمه ورفعه رغم الاختلاف في أصل الخلقة.. وهنا يظهر فضل العلم وحامله مهما كان مستواه المادي أو الاجتماعي، ومهما كان شكله أو لونه أو جنسه أو موطنه أو لسانه، وأن العلم النافع منه للبشرية قد يفضل العبادة ويسبقها، فهو يدعو إلى العمل وإلى العبادة معاً، بل قد يترقى العلم ليصل إلى منزلتها أو يسبق درجتها، حيث يتعدى نفعه شخص صاحبه المتعلم إلى غيره، بخلاف نفع العابد بعبادته المقصور عليه وحده إذ ما يقع غالباً في العزلة عمن حوله.. والعبادة عمل وسرّ بين العبد وربه، وهي لا تمنع من تعلم العلم، بل إنها تدعو إليه إن فهم المرء معناها الحقيقي، ولا عبادة مع الجهل، ولا تصح بغير علم.

- الملائكة لا تنفك صلتها عن بني آدم:

وللملائكة علاقة وثيقة ببني آدم حيث وكل الله تعالى لهم أعمالاً كثيرة تتعلق بالبشر، ولا يفارقون الإنسان إلا لحظات معدودة، كما قال (ص): "إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم".

والملائكة تحصي على الإنسان أعماله.. وتحفظ أقواله وتسجلها بأمر الله عزّوجلّ كما قال لنا: (وإنّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار/ 10-12). أي رقباء حافظين يحفظون أعمالكم، ويحصونها عليكم ويسجلونها بدقة، قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 17-18). قال الحسن: "المتلقيان"، ملكان يتلقيان عملك، أحدهما عن يمينك يكتب حسناتك، والآخر عن شمالك يكتب سيئاتك، حتى إذا متّ طويت صحيفة عملك، وقيل لك يوم القيامة: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) (الإسراء/ 14). وقال مجاهد: وكّل الله بالإنسان مع علمه بأحواله ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله، ويكتبان أثره إلزاماً للحجة. وقال الأحنف بن قيس: "صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمين على صاحب الشمال، فإن أصاب العبد خطيئة قال له: أمسك فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها، وإن أبى كتبها".

 

- الملائكة تحفظ الإنسان وتحرسه:

كما أنها تحفظ الإنسان وتحرسه بأمر الله تعالى كما جاء في كتابه الكريم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ) (الرعد/ 11)، أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل وحرس بالنهار يحفظونه من الأضرار والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وآخر من أمامه، فهو بين أربعة ملائكة بالنهار وأربعة آخرين بالليل، بدلا حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم، وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون".

- تدعو للمؤمنين التائبين وتستغفر لهم: قال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئات...) (غافر/ 7-8).

- تؤمّن على دعاء المصلين: كما قال النبيّ (ص): "إذا أمّن الإمام فأمّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"، وتؤمّن على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب.

- تدعو للصائمين: وفي الحديث: "إن الصائم إذا أكل عنده لم تزل تصلي عليه الملائكة، حتى يفرغ من طعامه".

- تدعو لرواد المساجد: قال (ص): "فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، وتصلي الملائكة عليه ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه، يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه أو يحدث.

- ترضى لطلب العلم: قال النبيّ (ص): "ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع".

- تشمت العاطس: كما ورد في الحديث: "إذا عطس أحدكم فقال: الحمد لله، قالت الملائكة: رب العالمين، فإذا قال: رب العالمين قالت الملائكة: رحمك الله".

- تشهد يوم الجمعة وتكتب أسماء المصلين: قال (ص): "أكثروا من الصلاة عليّ في يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة"، "تقعد الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة، فيكتبون الأول والثاني والثالث، حتى إذا خرج الإمام رفعت الصحف".

- تتنزل في ليلة القدر: قال (ص): إن الملائكة في تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى".

- تحف الذاكرين الله: قال (ص): "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وخفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده".

- تصلي على النبيّ (ص): قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب/ 56)، وصلاتهم الدعاء والاستغفار، وهي تدعو لمن يصلي عليه، كما قال النبي(ص): "ما من عبد يصلي عليّ إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي عليّ فليقل العبد من ذلك أو ليكثر".

- تقبض أرواح العباد مؤمنهم وكافرهم: قال تعالى: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (السجدة/ 11). وعن النبيّ (ص) أنه قال: "إن الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان... وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج"، وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (الأنفال/ 50-51).

- والملائكة تثبت المؤمنين وهي جند من جنود الله.. قال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (الأنفال/ 12). قيل: كان هذا يوم بدر، وإنَّ الملائكة قاتَلتْ ذلك اليوم، فَكانُ المسلمون يَرَوْنَ رُؤسًا تَنْدُر عَن الأعْناق مِنْ غَيْر ضَارب يَرَوْنهُ.

- تستقبل المؤمنين بالبشارة يوم القيامة وعلى أبواب الجنة: كما قال تعالى: (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (الأنبياء/ 103)، فتبشرهم يوم معادهم إذا خرجوا من قبورهم أن أملوا ما يسركم، وتستقبلهم على أبواب الجنة يهنئونهم بالفوز العظيم. ►

 

ارسال التعليق

Top