◄معنى الهمة: جاء في القاموس: (هـ م م): ما هُمَّ به من أمر ليفعل.
فالهمة هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول، فمن الناس مَن تكون همته عالية علو السماء، ومنهم مَن تكون همته دنيئة سافلة، تهبط به إلى أسفل الدرجات.
وعرّف بعضهم علو الهمّة فقال: "هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور".
علو الهمة من الأخلاق العالية والصفات الرفيعة والخلال الحميدة التي تتحلى بها النفوس الكريمة، والشريعة الإسلامية تحث على علو الهمة وتحرص على غرس ذلك في نفوس أبنائها وأن يكون لهم دوافع التحفز الذاتي لإنجاز الأهداف المناطة بهم من قبل الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) وما تمليه الواجبات الاجتماعية والسياسية والذاتية عليهم.
إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيم
وقد قيل: "المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفع، وإن قصّر بها اتضع".
والهمّة قسمان:
1- الهمة الوهبية:
الهمة الوهبية هي ما وهبه الله تعالى للعبد من علو الهمّة، أو أهّله لها فطرياً، ويمكن تُنَمّى وتُرعى هذه القابلية الفطرية أو أن تُهمل وتُترك.
2- الهمة الكسبية:
إذا نمت وتربت الهمة الوهبية وترعرعت في بيئة باعثة على الحماسة السلوكية تتحول إلى همة كسبية، يستطيع الإنسان من خلالها تفعيل إرادته وتأجيج مشاعره المحفِّزة للسلوك أكثر فأكثر.
دوافع علو الهمة:
1- تذكر الآخرة:
أكبر البواعث على علو الهمة تذكر الآخرة قال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء/ 19).
2- الاستجابة لأوامر الله والقيادة الإلهية:
من أفضل ما يبعث على علو الهمة هو الاستجابة لأوامر الله والقيادة الإلهية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...) (الأنفال/ 24).
3- المثابرة لإحداث التغيير الذاتي:
الطائر يطير بجناحيه والإنسان يطير بهمته. السعي لإحداث التغيير أمر فطري تأنس به النفوس، فمن أراد النجاح في حياته فعليه أن يغير من نفسه قال الله عزّ وجلّ: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرّعد/ 11).
4- التصديق بوعد الله:
التصديق العيني بنصر الله والتمكين للذين آمنوا وصدقوا ما عاهدوا الله عليه في سعيهم وجهادهم.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الرّوم/ 47).
(يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء/ 105).
5- التسليم لغلبة حزب الله وخسارة حزب الشيطان:
الحزب جماعة من الناس وحزب الله مفردة تدل على الجماعة أو الأُمّة التي والت وبايعت وتابعت واستجابت وأطاعة وأمنت وارتبطت بالله، مما يبعث على علو الهمة التسليم بالنتيجة القطعية لفلاح حزب الله في أداء مهامه وغلبة وانتصار حزب الله على حزب الشيطان.
(.. فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (الزائدة/ 56).
(.. أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة/ 22).
(.. أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المجادلة/ 19).
6- التفاؤل بالخير:
"تفائلوا بالخير تجدوه"
ممّا يبعث علو الهمة صياغة الصورة الإيجابية لمستقبل الأمور وعدم الانسجام في إطارات الصور الذهنية السلبية.
(.. حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة/ 214).
مراتب الهمم:
الناس متفاوتون في مطالبهم وأهدافهم فلذا من الطبيعي أن تختلف مستويات هممهم بالمستوى الهدفي وانسجامه مع نظامهم الاعتقادي.
يتعيّن على المؤمنين أن تكون في قلوبهم نار متّقدة تكون في ضرامها – على الأقل – مثل النار التي تتقد في قلب أحدكم عندما يجد ابناً له مريضاً، ولا يدعه حتى يجرّه إلى الطبيب، أو عندما لا يجد في بيته شيئاً يسد به رمق حياة أولاده فتقلقه، وتضطره إلى بذل الجهد والسعي لنصرة الدين وبرهنة عشق الله على أرضه ببذل المزيد في سبيل تهذيب الذات وإصلاح المجتمع والحركة الدؤوبة لتطبيق حاكمية الله المطلقة على الأرض بمن عليها.
يتوجب علينا أن تكون في صدورنا عاطفة صادقة، تشغلنا في كلّ لحظة من لحظات وجودنا بالسعي في سبيل غايتنا، عاطفة تعمر قلوبنا بالطمأنينة، وتكسب لعقولنا الحكمة والإخلاص والتجرد، وتشغلنا عن الدنيا وأهلها وزخارفها.
علينا السعي لتحمل عبء مشروع الخلافة وتبني المشروع الإلهي المقدس في الأرض كما لو كان مشروعاً دنيوياً أنفقنا فيه كلّ ما نملك وتخلُّفنا عن العمل فيه يوجب الهلاك. هذه العاطفة ما لم تكن راسخة في أذهاننا، ملتحمة مع أرواحنا وقلوبنا، مستعمرةً أفكارنا؛ فإنّنا لن نقدر أن نسلك المسلك بمجرد أقوالنا الحقيقية أنّ الإنسان إذا كان قلبه مربوطاً بغايته، وفكره متطلعاً إليها، فإنّه لا يحتاج إلى تحريض أو دفع خارجي فالهمة والتحفز الذاتي يغنيه عن التأثيرات الخارجية.
المستوى الأوّل: مستوى الهمة هنا لا تسعف صاحبها لقضاء حوائجه الأساسية بل يظل عامة ليله وسحابة نهاره في نوم وتراخ وكسل، هذا المستوى أدنى مستويات الهمم، وصاحبها عاجز يعتمد على الناس اعتماداً كلياً.
المستوى الثاني: مستوى الهمّة هنا ترقى بصاحبها إلى قضاء الحوائج، والسعي في الأرض، وأداء الفروض، ولكن كلّ هذا يقضيه بقدر، بحيث يستصعب معه كثيراً من الأمور، ويعتقد استحالتها وهي أمور ممكنة التحقق عند غيره وممكنة له ولكنه لا يجرب، وهذا المستوى من الهمّة يشترك فيه كثير من الناس إن لم نقل أغلبهم.
المستوى الثالث: ومن الناس مَن يريد الارتفاع بهمته، ولكنه لا يعرف سُبُل استثمارها، ولا كيفية الاستفادة منها، فتجده متذبذباً في أموره، فتارة ينجز أموراً عظيمة، وتارة يستصعب الممكن ويستبعده.. والغالب على أهل هذا المستوى أنّهم لا يحققون ما يصبون له ويتطلعون إليه.
المستوى الرابع: ومن الناس مَن تتجاوز به همته واقع الناس بكثير وتتعداه، بل تكاد تستسهل المستحيل ولا تخضع له.. وصاحب هذه الهمّة نادر في دنيا البشر، ولكنه موجود معروف، يعرفه الناس ويقتدون به، والغالب على صاحب هذه الهمّة أنّه يحقق أهدافه وغايته، بل يحقق أموراً تحتاج في تصور معظم الناس إلى فريق من العاملين لإنجازها.►
المصدر: كتاب التحفيز الإيماني
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق