• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

قصص تربوية في السلوك الحضاري الراقي/ ج(7)

أسرة

قصص تربوية في السلوك الحضاري الراقي/ ج(7)
 القصة الثالثة عشرة "صُمْ ويَدُكَ مغلولةٌ إلى عُنُقِك!!"   تنويه: نسوق هذه القصة للمقارنة بين موقفين: موقف الأعرابي في القصة المارة الذكر قبل قليل، وبين صاحب القصة التالية: يُحكى في كتب المفاكهات أنّ رجلاً جاء إلى فقيه، فسأله عن حُكم إفطاره المُتكرِّر بسبب ضعف نفسه وتساقطها عند رؤية الطعام، وهذه هي الحكاية على لسان صاحبها: أفطرتُ يوماً في شهر رمضان، وجئتُ أسألُ الفقيه في حُكم إفطاري؟ فقال الفقيه: إقضِ يوماً مكانه. قلتُ له: قضيتُ. ثمّ استطرد: وأتيتُ أهلي وقد عملوا (مأمونيّة) (نوع من الحلويات)، فسبقتني يَدي إليها فأكلتُ منها. فقال المُفتي: إقضِ يوماً آخر مكانَه! فقلتُ له: قضيت! ثمّ أضفتُ: وأتيتُ أهلي وقد عملوا (هريسة) فسبقتني يَدي إليها. فالتفتَ الفقيهُ إلى الرجل، فقال لي: أرى أن لا تصوم إلا ويدُكَ مغلولةً إلى عنقك!!   - الدروس المُستخلَصة: 1- الأعرابي هناك تحت الضغطين السلطوي والنفسي، لكنّه يرفض ويأبى ويُمانع، وصاحبنا هنا تحتَ ضغط الشهوة فقط، ويضعف ويتقهقر وينهار ويستسلم. 2- الأعرابي هناك يملكُ (زمامَ نفسه)، وصاحبنا في هذه القصّة لا يملكُ (زمامَ يَدَه)! 3- الأعرابي هناك يمتنع عن (ضيافة الحجّاج)؛ لأنّه في (ضيافة الرحمن)، وصاحبنا يقع فريسة (المأمونة) و(الهريسة) وليس مأدبة الذي دعاهُ لضيافته، ومائدته التي لا تنفد. 4- فتوى الفقيه ليست مجرّد دُعابة، فصاحبنا بحاجةٍ إلى غلِّ اليد حتى لا تسبقه، ولكنّ الأعرابي هناك لم يكن لديه ما يغلُّ يدَه، بل عنده ما يغلُّ شهوتَه، لذلك كان الأقوى. وهذا هو الفرق بين الصِّنفين: صنف يضعف وهو حرّ، وصنف قوي على الرغم من محاولة استعباده. ودائماً تقول لنا المقارناتُ والتصنيفات: إخترْ مع مَن تكون؟ أو إختر مَن تكون؟   القصة الرابعة عشرة "العقوبةُ بالمالِ لتغيير سوء الحال!!" تمكّنت إحدى الراهبات من علاج سوء خلق قائد فرنسي عُرفَ بفظاظته وسبابه، وسوء أخلاقه على مدى ثلاثين عاماً، ثمّ أصيبَ بالشّلل، ولكنّه لم يترك بذاءاته. قالت له الراهبةُ: دواؤكَ عندي إذا طاوعتني. فقال لها: لكِ ذلك. فقالت: إذا تلفّظتَ بشتيمةٍ، تدفع لي في كلِّ مرّةٍ مئة درهم أُنفقها على الفقراء! فوافق العسكريُّ الفرنسيُّ على الشرط، فخسرَ في البداية دراهم كثيرة، لأنّه ليسَ من السهل على صاحب العادةِ أن يتخلّى عن عادته التي مارسها ثلاثين عاماً، ولمّا خشيَ الإفلاس، صارَ كلّما أراد أن يشتمّ أحداً أو يسيء إليه، يتذكّر (الغرامة) فيمتنع، وهكذا حتى تابَ من عادته.   - الدروس المُستخلَصة: 1- ليس كلّ العاهات والأمراض الأخلاقية تُعالج بالموعظة والنصيحة، فبعضها يُعالج بالغرامات أحياناً، سواء فُرضت الغرامة من الخارج كتشريع، أو فرضها المُتحالف على نفسه كتربية ذاتيّة. 2- لو أنّنا تذكّرنا الخسائر المُترتِّبة على معاصينا، والتي نخسرها كلّ يوم من رصيدنا عند الله تعالى، وخشينا الإفلاس، أكنّا نمتنع كما امتنعَ هذا الضابط، علماً أنّ الإفلاس يوم القيامة ليس كإفلاس الدنيا، فهذا يُعوَّض وذاكَ لا يُعوَّض؟! مشكلتنا أنّنا نُحصي خسائر الدنيا، جيِّداً، لكنّنا عن إحصاء خسائر الآخرة الفادحة عاجزون أو لاهون أو ضعيفون في الحساب، ولو تعلّمنا أن نُحصي خسائرنا هناك لاستقامَ سلوكنا هنا. فليتَ (لو) لها قدرة ردعٍ وقطع!

ارسال التعليق

Top