1- النمو الجسمي:
يكتسب النمو في مرحلة المراهقة درجة من السرعة بحيث راح معظم علماء النفس يعبرون عنه بـ"القفزة"، ويحصل النمو لدى كلّ مراهق على ثلاث مراحل: بدء النمو، وذروة النمو، وانتهائه.
يُفاجأ المراهق بمثل هذه التغييرات والتطورات التي تطرأ على وضعه الجسمي نتيجة عدم معرفته المسبقة بها، وينتابه شعور بالإحراج والخجل من طول أطرافه المتزايد الذي يبدو وكأنّه قد أخل بالوضع الطبيعي لجسمه. وللمراهقين الأحداث عادة هيئة الطيور طويلة السيقان الأمر الذي يسبب لهم إحراجات في علاقاتهم مع المحيطين بهم ومع الوالدين بشكل خاص.
الجدير بالذكر هنا إن إيقاع النمو العضوي لدى المراهقين لا يتسم بوتيرة واحدة ثابتة في غالب الأحوال. بل إنّ هذه المسألة ترتبط إلى حدود كبيرة بنوعية الغذاء، وطبيعة المناخ، والظروف الجغرافية، والهيكل العظمي، وسلامة الأعضاء من العاهات والأمراض الوراثية خاصة.
ويعتقد "أريكسون" إنّ المراهق يجد نفسه وجهاً لوجه أمام ثورة فسلجية تغير تصوراته الذهنية عن جسمه وهويته، وتدفعه إلى التفكير بهيأته الجديدة وبالتصور الذي يحمله الآخرون عنها.
إنّ التغيرات الجسمية لدى المراهق، ترتبط في الغالب بتطورات القدرات الجنسية.
ومن جهة أخرى؛ فإن سرعة النمو تبلغ ذروتها لدى الفتيات في حوالي سن الثالث عشر ولدى الفتيان في سن السادسة عشر، ومن ثم يتنازل إيقاع هذا النمو إلى سن الثامنة عشر. وعلى أيّة حال لابدّ لهذه السرعة في النمو أن تتوقف عند مرحلة معينة، ويبدو أنها تتوقف لدى الفتيات في سن السادسة عشر حيث تتضاءل بعد ذلك إلى درجة كبيرة ولا تعد منظورة.
ويستمر نمو الجسم عند الفتيان إلى أن يتوقف من حيث نهاية الطول في الحادي والعشرين، وقيل في الرابعة والعشرين من العمر، حيث يكون الإنسان في هذا السن قد اكتمل من الناحية الجسمية، مما يُشعره بأنّه قد أصبح له شخصية كاملة، ويدفعه هذا نحو الاعتماد على نفسه، والعمل على إثبات وجوده، والرغبة في زيادة التحرر والاستقلال عن العائلة.
2- التغير النفسي:
من أبرز علامات المراهقة هو التغيرات النفسية المتعاقبة التي يشعر بها المراهق، فهو يعيش أوضاعاً نفسية غير طبيعية وصعبة. وقد يتعرض أثناء هذه المرحلة الانتقالية إلى اختلالات نفسية تؤدي إلى أن يلازمه القلق والاضطراب العاصف لمدة زمنية طويلة، وحتى يفقد توازنه الشخصي على أثرها. وبحسب تعبير أحد علماء النفس الروس: عندما يبلغ الأطفال درجة جادة من النمو، أي البلوغ الجنسي، تبدأ حينذاك الاضطرابات النفسية المختلفة لديهم. ففي هذه المرحلة عادة تتنازع نفسيات الأحداث أطباع متناقضة، ففي الوقت الذي تطبع سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين الوداعة والحلم تجدهم في ذات الوقت حادي الطباع ويغضبون عند أدنى إثارة.
ومن هنا فإنّ مرحلة المراهقة هي أكثر مراحل الحياة تأزماً، والتعامل معها أصعب وأشق بالنسبة لأولياء الأمور.
إنّ المراهق يتعرض إلى عاصفة من الاضطرابات النفسية، ترافقها تغييرات عضوية تهزه بقوة إلى درجة يمكن معها القول إنّه يعاني خلالها من الحيرة وفقدان التوازن. إنّه يبحث عن ذاته في هذه الأثناء بشكل مبالغ فيه، بتمثل وتقليد، للذين يعتبرهم قدوة له، من قبيل الأبطال، والممثلين وزعماء الجماعات. وقد تؤدي هذه الحالة بالمراهق – ما لم يتم ضبطها وترشيدها – إلى تضخم الذات لديه، وبالتالي سلوك مسالك منحرفة ذات عواقب وخيمة.
يمتاز المراهقون في هذه المرحلة أيضاً بفوران عاطفي حاد، وقد يبكون ويضحكون بصوت عالٍ، أو يمارسون العنف لأتفه الأسباب، وأحياناً يشعرون أنهم محرومون من اللذات الخاصة بهذه السن، ومحرومون من الحرية والاستقلال، وحتى من الزواج!!. ينتج لدى هذه الفئة نوع من الرغبة والنشاط الاستثنائي بحسب رأي "موريس دبس"، والمقصود هو نوع من العاطفة المتطرفة التي يمكن أن تستولي على كيان ومشاعر الشخص بالكامل وتوجه طاقاته باتجاه معيّن.
والتغيرات النفسية التي تصيب المراهقين تمثل منعطفاً مهماً في حياتهم، إذ أن كلّ مراهق يعيش صراعاً داخلياً بين العقل والنفس، بين الأمل والإحباط، بين الثقة بالنفس والخوف من المجهول، بين النجاح والفشل، بين التطلع للمستقبل والقلق من الحاضر... إنّه صراع نفسي معقد، ولكن بالإرادة القوية، والهمة العالية، والثقة بالنفس، والجد والاجتهاد، وضبط السلوك والعواطف، وتهذيب النفس وتزكيتها، والتحلي بالقيم الأخلاقية والروحية... يمكن للمراهق أن ينتصر في هذا الصراع الذي يقبع في داخل شخصيته، وأن يحسمه لصالحه، وأن يحول نقاط الضعف لديه إلى نقاط قوة، وبذلك يستطيع أن يحقق النجاح تلو النجاح.
3- التكون العقلي:
لكل مرحلة من مراحل نمو الإنسان يكون للعقل فيها خصائص تميزها عن غيرها، فالنمو العقلي في مرحلة المراهقة يختلف عن مرحلة الطفولة، وفي مرحلة الشباب يختلف عن مرحلتي الطفولة والمراهقة.
وقد أشارت بعض الدراسات إلى أنّ العقل يكون أكثر توثباً في مرحلة المراهقة من غيرها من مراحل حياة الإنسان، كما أنّ الذاكرة تكون نشطة في هذه المرحلة، بل إنّ قوة الذاكرة تبلغ ذروتها في سن 13-16 سنة من عمر الإنسان. كما أنّ المراهقين يكونون في درجة عالية من الذكاء في فترة المراهقة؛ إلا أنّ ذلك لا يعني أن جميع المراهقين هم كذلك، إذ أن بعضهم قد يُصاب باختلالات فكرية، أو اعتلالات في القدرات العقلية نتيجة للممارسات الخاطئة، أو الانحرافات الخطيرة، أو السلوكية غير المنضبطة مما يترك أثرً سلبياً على استثمار القدرات العقلية في هذه المرحلة.
إنّ فترة المراهقة هي نفسها فترة مهمة للتكون والنمو العقلي، إذ تنمو القدرات العقلية من قبيل الذكاء، والقدرة على الحفظ، ونمو التذكر، وتوسع التفكير والفكر وغيرها من القدرات العقلية، ولذلك من المهم توظيفها في كسب العلم، وإنماء المعرفة، وتعميق الفكر والثقافة.. لكي يبني الشاب شخصيته العلمية بصورة قوية ومتميزة. ولكي يكون قادراً على المشاركة في البناء الحضارية للأُمّة.
وقد أودع الله سبحانه وتعالى في عقل كلّ إنسان مجموعة كبيرة من القدرات العقلية: كقدرة التفكر والتفكير، وقدرة التأمل والنظر، وقدرة الحفظ والاستذكار، وقدرة الإدراك والتمييز، وقدرة الفهم والانتباه... هذه القدرات العقلية تنمو وتكبر بالتدريب والممارسة العملية، واستثمارها في كل عمل يحتاج فيه إلى قدرات عقلية. وقد تضعف وتضمر عندما لا يستثمرها أصلاً، أو يستثمرها بصورة محدودة جدّاً أو خاطئة.
ومن الضروري لكل مراهق أو شاب أن يوظف قدراته العقلية في الاستزادة من العلوم، وكسب المعارف، والتعرف على الثقافات؛ ومن جهة أخرى يجب استثمار القدرات العقلية في الإبداع والابتكار والاكتشاف العلمي.. وبذلك تتقدم الأُمّة، ويساهم المراهقون والشباب في بناء الحضارة الحديثة.
4- النضوج الجنسي:
يعد النضوج الجنسي من علامات المراهقة، وهو يتحدد عند الإناث بظهور الدورة الشهرية، ولكنه لا يعني بالضرورة ظهور الخصائص الجنسية الثانوية (مثل: نمو الثديين، وظهور الشعر تحت الإبطين وعلى الأعضاء التناسلية)، أما عند الذكور، فالعلامة الأولى للنضوج الجنسي هي زيادة حجم الخصيتين، وظهور الشعر حول الأعضاء التناسلية لاحقاً، مع زيادة في حجم العضو التناسلي، وفي حين تظهر الدورة الشهرية عند الإناث في حدود العام الثالث عشر، يحصل القذف المنوي الأوّل عند الذكور في العام الخامس عشر تقريباً.
ولما كانت الغريزة الجنسية في مرحلة المراهقة، تشكل واحدة من أقوى الغرائز وأكثرها تأثيراً في شخصية الإنسان، لذلك ينبغي للآباء والأُمّهات في هذه الفترة الزمنية من حياة أولادهم أن يهتموا برعايتهم أيما اهتمام، وأن يرشدوهم إلى طريق الخير والصلاح، وأن يراقبوا تصرفاتهم من بعيد كي لا يقعوا ضحايا للانحرافات الجنسية؛ إذ عادة ما يكون المراهق أكثر استعداداً للتجاوب مع المغريات الجنسية في هذه الفترة الزمنية الحرجة.
يقول الدكتور (علي القائمي):
"تتولد لدى الأحداث، خلال فترة المراهقة، دوافع جنسية انحرافية عديدة مثل: العادة السرية، والميل إلى نفس الجنس، واللعب بالأعضاء الجنسية إلى درجة الشذوذ.
وفي بعض الأحيان يشعر المراهقون أنهم أحرار وبإمكانهم ممارسة الجنس وإرضاء غرائزهم كما يشاؤون، لكنهم يخشون في نفس الوقت من هذه العملية لكونها تنطوي على احتمالات الحمل، وأحياناً أخرى يلجأون إلى إرضاء أنفسهم عن طريق ممارسة الاستمناء أو ما يسمى بالعادة السرية.
فطبقاً للتحقيقات التي أجراها "كينزي" حول فئة المراهقين، تبين أن 30-70% من الفتيات و70-90% من الفتيان في البلدان الغربية يمارسون العادة السرية. وبالطبع فإنّ هذه النسبة تقل في المجتمعات الإسلامية نتيجة تحريم الدين الإسلام لذلك.
وتشير الدراسات والبحوث العلمية حول هذا النوع من الانحراف إلى أنّه قديم ومزمن في أوساط المراهقين، لكنه لم يكن بهذه الدرجة من الشيوع التي نلاحظها اليوم في المجتمعات المعاصرة. ويعود السبب في ذلك إلى تأخّر سن الزواج من جهة، ولعوامل الإثارة المتزايدة في عصرنا الحاضر من جهة أخرى.
وفضلاً عما مرّ، يمكن أن يكون هذا الانحراف ناشئاً من عقد نفسية تعود في جذورها إلى ملابسات سنوات الطفولة، ويسعى الشخص في مرحلة المراهقة إلى التنفيس عنها عن طريق ممارسة العادة السرية".
وحتى لا يقع المراهقون في مستنقع الانحرافات الجنسية ينبغي العمل على تصريف هذه الطاقة عن طريق الحلال وذلك بالزواج المبكر، ولذلك حَثَّ الإسلام على الزواج، ورَغَّبَ فيه، يقول تعالى: (وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النّور/ 32)، ويقول (ص): "النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقبل أن يتزوج المراهق، وبعد ذلك أيضاً، من الضروري العمل على ترويض الغرائز لديه، وتعديل الميول، وتهذيب النفس، وزرع جذور التدين في شخصيته؛ وإلا تحولت الغريزة الجنسية عنده إلى سبب للانحرافات والشقاء، خصوصاً في هذا العصر، حيث المغريات الجنسية كثيرة، وعوامل الفساد متعددة، والنفس بطبيعتها ميالة لاتباع الهوى، وإشباع الغرائز، والانسياق وراء الشهوات. ومن هنا، يجب مضاعفة الرعاية والاهتمام بالمراهقين حتى نحافظ على تمسكهم بالقيم الدينية والأخلاقية.
وهذا يستلزم من الآباء والأُمّهات تربية الأبناء تربية سليمة منذ الصغر، وأن يكونوا بالقرب من أولادهم المراهقين من الناحية النفسية والعاطفية، وأن يجيبوا عن أسئلتهم تجاه مختلف القضايا الجنسية حتى لا يقع الأولاد ضحايا للأشرار الذين يعملون بكل الوسائل من أجل استقطاب الفتيان والفتيات في مرحلة المراهقة للقيام بأعمال منحرفة وشريرة.
وقد أصبحت مسألة الجنس من أكثر مشاكل المراهقة تعقيداً وصعوبة في عصر العولمة ووسائل الاتصال المختلفة، إذ إن شهوة الجنس تتأجج وتلتهب في سن المراهقة لدى الفتيان والفتيات، كما أنّ المثيرات والمغريات كثيرة، ما يجعل الأولاد أكثر عرضة للانحراف الجنسي، ولهذا كله، يجب على الوالدين مضاعفة الجهود لرعاية الأولاد في هذه المرحلة الحساسة والصعبة.►
المصدر: كتاب كيف تتعامل مع أولادك المراهقين؟ (قواعد في فن التعامل مع المراهقين)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق