• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التغيير من سُنن الحياة

عمار كاظم

التغيير من سُنن الحياة

◄الصّراع للبقاء:

الحياة حركة والحركة حياة وانطلاق، وبالحركة تتكامل عوالم الطبيعة والفكر والمجتمع، ولكلّ شيء في هذا العالم ضده ونقيضُه، والصراع بين الأضداد والنقائض قانون كونيّ عام وسُنة من سُنن الوجود. ومظاهر الصراع تتجلّى في كلّ عوالم الخليقة ومفرداتها، فالشجر يصارع ليقاوم العواصف والرياح العاتية، وتيّار الماء يصارع ليشقّ طريقه في وجه الأرض، وعالم الحيوان مسرح مدهش من مسارح الصراع والتنازع من أجل البقاء. وللصراع والتنازع نتائجه وآثاره في وجود الأطراف المتنازعة وبقائها ويسجّل لنا القرآن الكريم أوّل صراع دموي شهدته الأرض (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة/ 27). بدأت نوازع السيطرة على الآخرين تظهر، فبدأ الصراع على متطلّبات الحياة وبدأت سيطرة الأقوياء على الضعفاء، فبعث الله النبيين لحلّ الخلاف وإيقاف النزاع والصراع وحلّ مشكلات الإنسان وتصحيح تفكيره، فكان صراع الطواغيت ضدّ الأنبياء وبدأ الصراع بين الهدى والضلال.

 

صراع الحقّ والباطل:

فالصراع ليس حالة طارئة في حياة البشرية بل هو سُنّة من سُنن الحياة وسبب من أسباب حركة التأريخ والتغيير والتنمية الحضارية والاجتماعية والنفسية والسلوكية لدى الفرد والجماعة. يبيّن لنا القرآن حركة الصراع في المجتمع البشري وتميّز خطّ السير ومعسكر الهدى مقابل معسكر الغيّ والطاغوت ومنهج الضلال، ويتحدّث عن الهدى كمنهج ترشيد للفكر والسلوك ونظام الحياة وكقوّة يكافح أتباعها للإطاحة بالطاغوت واستئصال جذوره الفكرية والسلوكية (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 256). ويركّز القرآن على قانونية الصراع بين الطاغوت كقيادة للشرّ والغيّ والفساد، وبين دُعاة الهدى وروّاد الإصلاح كحركة تغييرية مضادة لحركة الطاغوت، فيحثّ على استمرار الصراع ويدعو إلى المواجهة الحادثة والتصدّي العنيف للطاغوت وأتباعه.

 

الله بالمرصاد:

ومن رحمته تبارك وتعالى لعباده أنّه لم يترك المفسدين العابثين في مقدّرات الأُمّة يعيثون في الأرض بحرّيّة وإلى ما لا نهاية، بل كان لهم بالمرصاد ولو بعد حين. لقد جرّبت الشعوب قديماً أن تغيّر واقعها فوصلت إلى ما أرادت إليه ولو بعد معاناة وفي عصرنا الحديث تحرّكت الشعوب وما زالت تتحرّك للتغيير والإصلاح لمقاومة المستبدّين والمتسلّطين على شعوبهم، والاستبدال جارٍ لبناء فكرٍ ينبض بالحياة والحركة والنور وقرارٍ يحسم كلّ المشاكل والوقائع ورقيبٍ يحكم السلوك، ولابدّ من الإصرار على وقاية مجتمعاتنا وأجيالنا وأن نتصلّب في حماية ثرواتنا ومصالحنا وخيراتنا من العابثين فيها وإنّ ربكم لبالمرصاد.►

 

المصدر: كتاب مفاهيمُ خيرٍ وصلاح

ارسال التعليق

Top