قد أراد الله تعالى لنا أن ننطلق في هذا الشّهر الكريم، لنتغيَّر من حالات السَّلب إلى حالات الإيجاب، وأن نستفيد من صيامنا، بأن نقوِّي إرادتنا، لأنّ الصِّيام يمثِّل الوسيلة التي يملك الإنسان من خلالها الإرادة في طاعة الله، ليكون ذلك منطلقاً لترك ما حرَّمه الله عليه في العمر كلّه، لأنّ مسألة أن يتدرَّب الإنسان على أن يضغط على شهواته وغرائزه وعاداته في شهر رمضان، إنما هو ليحصل على مناعةٍ نفسيةٍ تؤدِّي به إلى ترك كلِّ ما حرّمه الله عليه في الشّهور كلّها، وأن نستفيد من قراءتنا للقرآن قراءة تدبّرٍ وتأمّلٍ ووعي لمعانيه، وكيف يمكن أن ننفتح على الإسلام كلّه في عقيدته وشريعته وأخلاقه وكلّ قيمه، لأنّ الله أراد لنا أن نقرأ القرآن لنضيء به عقولنا وقلوبنا، ولنثقّف به كلّ معلوماتنا، لنكون المسلمين الواعين الذين لا ينفتحون على الإسلام من موقعٍ جامد، بل من موقعٍ منفتحٍ واعٍ، يجعلنا نعرف إسلامنا بشكلٍ قويٍّ فيه الكثير من الثقافة.
والمسألة في هذا الإصرار على تلاوة القرآن في شهر رمضان أو في غيره، يراد من خلالها أن يتثقّف كلّ مسلمٍ بالإسلام من خلال القرآن، وقد حدَّثنا الله تعالى عن القرآن بأنّه النّور: (قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (المائدة/ 15)، فهو النّور الذي يضيء العقل والقلب والحياة. وقد أرادنا رسول الله (ص) في الخطبة التي استقبل بها شهر رمضان، أن نطلب من الله أن يوفِّقنا لصيامه وتلاوة كتابه: "فاسألوا الله ربَّكم بنيَّاتٍ صادقة ـ من خلال صدق النيَّة وإخلاصها لله ـ وقلوبٍ طاهرة ـ ليس فيها شيء من الشِّرك والانحراف والعداوة لأولياء الله ـ أن يوفِّقكم لصيامه ـ لتحصلوا على المناعة الروحية والعملية في الإقبال على الطاعة وترك المعصية ـ وتلاوة كتابه ـ لأنّ الإنسان إذا لم يستطع أن يحصل على هذه المناعة الروحية الَّتي تجعله يلتزم خطَّ الطاعة ويبتعد عن خطِّ المعصية ليحصل على مرضاة الله، فإنّه يخرج من شهر رمضان شقيّاً لا شقيّ مثله ـ فإنّ الشّقيَّ من حُرم غفران الله في هذا الشّهر العظيم".
ثم يعالج رسول الله (ص) المسألة الشعورية، فيما يحسّ به الإنسان من جوعٍ وعطشٍ خلال النهار، فيطلب من الصائم أن لا يشغل نفسه بانتظار وقت الإفطار في حالة ذاتية نفسية، بل أن ينتقل، من خلال إحساسه بالجوع والعطش، إلى يوم القيامة؛ ذلك اليوم الطويل الذي يشعر النّاس فيه بالجوع وأيّ جوع! وبالعطش وأيّ عطش! "واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".مقالات ذات صلة
ارسال التعليق