إنّ لصلة الرحم منزلةٌ كبرى وحيِّزٌ كبير في الإسلام، والآيات القرآنية التي قرنت عبادة الله الواحد وتقواه بصلة الرحم كثيرة، منها ما ورد في سورة النِّساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النِّساء/ 1)، ومنها ما ورد بصيغة ذي القربى. فالواصلون للرحم بشِّروا بالموقع الرفيع، فقد ورد في الأحاديث الشريفة قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسىء الأجل»، «أعجل الخير ثواباً صلة الرحم»، «إنّ المرء ليصل رحمه، وما بقي من عمره ثلاث سنين، فينسئه الله ثلاثين سنة، وإنّ الرجل ليقطع رحمه، وقد بقي من عمره ثلاثون سنة، فيصيّره الله إلى ثلاثة أيّام». «مَن سَرَّهُ أن يُمَدَّ له في عُمُرِهِ ويُبسَطَ في رزقهِ، فليَصِلْ أبويهِ، فإنّ صِلَتَهما طاعةُ اللهِ، وليصِلْ ذا رَحمه». «صِلوا أرحامَكم ولو بسلام». وعن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام): «صلة الأرحام زيادة في الأعمار، وعمارة في الديار». أمّا القاطعون، فيكفي أنّ القرآن يصنّفهم في خانة المفسدين في الأرض، ويجعلهم ممن يستحقّ الطرد والإبعاد من رحمة الله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمّد/ 22-23)، وفي الحديث أيضاً: «لا يدخل الجنّة قاطع رحم».
وعندما نتحدّث عن صلة الرحم، فلا نقصد فقط الرحم التي تتواصل معك، على قاعدة أنّك لا تتواصل إلّا مع مَن يتواصل معك، بحيث يكون التواصل عملية تبادلية، ولذلك ورد في الحديث: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها». وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «صِلْ مَن قطعك، واحسِنْ إلى مَن أساء إليك»، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تقطع رحمك وإن قطعتك». وقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «ما من خطوة أحبّ إلى الله عزّوجلّ من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفّاً في الله (أي يقف مع المجاهدين في سبيل الله)، وخطوة إلى ذي رحم قاطع».
والأحاديث والآيات حثَّت أيضاً على التواصل والتباذل والتزاور والتحابّ بين المؤمنين، فقد ورد في الحديث: «وجبت محبّتي للمتحابّين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ». وورد في الحديث أيضاً: «للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزّوجلّ عليه: الإجلال له في عينه، والودّ له في صدره، والمواساة له في ماله، وأن يحرِّم غيبته، وأن يعوده في مرضه، وأن يشيِّع جنازته، وأن لا يقول فيه بعد موته إلّا خيراً». وصلة الرحم قد تأخذ اشكالاً متعدِّدة، بالقول وبالفعل، بالسؤال عن أحوالهم، وعيادتهم إذا مرضوا، ومساعدتهم إذا احتاجوا، والوقوف معهم عند الشدائد والهموم والأزمات، وعدم تركهم يواجهونها وحدهم. وأقلّ ما يوصل به الرحم، السلام: «صلوا أرحامكم ولو بالسلام»، «صِلْ رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها».
ونحن على أعتاب دخول شهر رمضان المبارك، لنضع لهذه العلاقة الرحميّة، برنامج يكون لصلة الأرحام نصيب أساس منها، نتفقدهم فرداً فرداً، وإذا كانت هناك مشاكل ساهمت في حصول قطيعة أو عداء، فلنبادر إلى حلّها، ولو كان في بعض الحالات على حسابنا. ونحن في ذلك لن نخسر، بل سنربح في الدُّنيا، عندما نربح هذه العلاقة التي نحن أحوج إليها، وسنربح الآخرة، وهي أهمّ ما نبلغه.
علينا أن ندعو بما دعا به الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللّهُمّ وَفِّقنا فيه لأن نصِلَ أرحامنا بالبرِّ والصِّلةِ، وأن نتعاهدَ جيراننا بالإفضالِ والعَطيّةِ، وأن نُراجعَ مَن هاجرنا، وأن نُنصِفَ مَن ظلمنا، وأن نُسَالمَ مَن عادانا، وأن نتقرَّبَ إليك فيه من الأعمالِ الزَّاكيةِ بما تُطهِّرُنا به من الذنوبِ، وتَعصِمُنا فيه ممّا نَستأْنِفُ من العُيُوبِ». يكفينا من ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومَن وَصَل فيه رحمه، وَصَله الله برحمته يوم يلقاه»، رضواناً منه وجنة عرضها السماوات والأرض، فيما مَن قطع فيه رحمه، قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق