صيام شهر رمضان المبارك، هو مدرسة تربوية عظيمة فيها من الكثير الدروس والعبر، فالله تبارك وتعالى لم يشرع الصيام فقط ليكون فيه امتناع عن الطعام والشراب دون التطلع إلى حكم الصيام وغاياته. شهر رمضان هو شهر الله تعالى ونحن فيه بضيافة الكريم، فالمسلم بعد صيامه لابدّ أن ينظر إلى الثمار التي جناها بعد انتهاء هذا الشهر المبارك، فالثمرة المهمّة هي التقوى وهي الغاية التي شرع الله تعالى الصيام من أجلها، فالتقوى هي أن يفعل الإنسان ما أمر الله وأن ينتهي عما نهى، وبالصيام فإنّ المسلم يمتنع عن الطعام والشراب وغيرها من المفطرات امتثالاً لأمر الله تعالى، وإن كانت النفس تطلبها وتشتهيها وتلح عليه بفعلها، فإنّه يتجاهلها مقدماً أمر الله تعالى عليها. فأهم ثمرات الصيام تقوى الله عزّوجلّ. ومن ثمرات الصيام مراقبة الله تعالى في أي مكان وزمان، فالمراقبة أن تعلم أنّ الله تعالى ناظر إليك مطلع على سريرتك، وبالصيام يمتنع الصائم عن تناول وفعل ما يفسد صيامه لأنّه يعلم أنّ الله تعالى يراه ومطلع عليه ولا يخفى عليه شيء. وبالصيام فإنّ المسلم يصبر على الجوع والعطش فترة محدودة يعقبها فرحة الإفطار الذي ينسى بعدها التعب وشدة الجوع والعطش. ومن ثمرات الصيام الإرادة والعزيمة وهي بذل الوسع والطاقة دون توقف أو فتور حتى يحقّق المرء ما يريد متجاهلاً دعوات نفسه للراحة، فالمسلم يبدأ صيامه بإرادة قوية وعزيمة جامحة فيسوق نفسه ويطوعها حتى يحقّق مراده من الصيام. ومن ثمرات الصيام المسارعة إلى فعل الخيرات دون التعذر بأوقات دون أوقات والتأجيل والتسويف حتى تروق نفسه لذلك. والصائم مع جوعه وعطشه فإنّه لا يتأخر عن أداء الصلوات وفعل الطاعات.
من ثمرات الصيام التطلع إلى ماعند الله في الدار الآخرة والجد والاجتهاد في الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الجنّة واجتناب المعاصي والذنوب التي تقرب إلى النار، والصائم في شهر الصيام يجد ويجتهد ويصبر ليحافظ على صيامه، ويترك مايغضب الله تبارك وتعالى حتى لا يكون ذلك سبباً في عدم قبول صيامه ثمّ ينتهي هذا الشهر بفرحة العيد للطائعين والندم والحسرة للمفرطين. وحيث أنّ في الصيام صبراً فالصائم يصبر على رغائب النفس وشهواتها ويصبر على الجوع والعطش وفي الصيام يكون الصائم صادقاً، بل حريصاً غاية الحرص على الصدق في القول والفعل كما يكون كثير العبادة والقنوت آناء الليل والنهار، والمسلم يكون أكثر سخاءً وكرماً في شهر رمضان وفي شهر الصيام يكثر الإنسان من التوبة والاستغفار في الليل والنهار، خاصّة في وقت السحر يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. وأيضاً من ثمرات الصيام تربية النفس على الانضباط والانقياد والإذعان في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه وحمل النفس على التحمّل والصبر على كلّ ما يشق على النفس. فالصوم مدرسة للتدريب على الصبر ليتمكّن المسلم من مواجهة الحياة المغرية وليصارع في سبيل الحقّ ويتحمل في سبيل الله الأذى. والصوم يثبِّت الفرد على الطريق ويعلِّمه الإخلاص لله، لأنّها أحد العبادات التي لا يدخلها الرِّياء ويمنح الإنسان مَلكة مراقبة الله تعالى في كلّ لحظة. والصوم مدرسة تروض الإنسان وتقوِّي المجتمع على تحدي كلّ أنواع الظلم والشرّ والضلال. مجتمع الصائمين، هو المجتمع الذي لا يتجرّأ على حدود الله، بل يعمل بإخلاص وصدق على احترامها ومراعاتها، والإحسان ـ بالتالي ـ إلى الناس بكلّ قول طيب وفعل حسن وسلوك يعكس أخلاقيات المؤمن التقيّ.
الصوم يدفعنا إلى أن نوظّف قوتنا إلى جانب الحقّ، والتزامه والسير به، لا أن نوظف القوة في معصية الله وخدمة الشيطان وحزبه. وفي النهاية يخرج الصائم وقد استفاد الدروس الكثيرة التي من شأنه أن يجعلها نبراساً وانطلاقا ينير له الطريق إلى أن يلقى الله تعالى، فيحافظ على هذا النسق الذي سار عليه طوال شهر رمضان المبارك وما بعده فتزكو نفسه ويحافظ على عباداته ويحفظ نفسه من المعاصي. بالفعل إنّ الصيام مدرسة عظيمة نستلهم منها الدروس والعبر لنبدأ سنة جديدة في طاعة الله تبارك وتعالى. هكذا عشنا في أجواء شهر رمضان فيما أعطانا الله وفيما فرضه علينا وفيما استحبه لنا في الليل والنهار. ولذلك كان شهر رمضان شهر الصيام والقيام، فأنت تدعو ربّك لتذكره فتتحدّث معه، أعنّا على صيامه وقيامه لأنّ الصيام إذا لم ينفتح على القيام قد يكون مجرد حالة سلبية في داخل ذاتك لا تعطيك شيئاً. وبذلك، فإنّ الصوم يقول لك: كن الإنسان المتوازن في أفكاره وعواطفه ومشاعره وحركته، لأنّك كلّما كنت تقيّاً أكثر، كنت متوازناً أكثر، ولأنّ الانحراف عن التقوى، هو انحراف عن خطّ التوازن في الحياة في كلّ ما تفعل وكلّ ما تترك.
إن لله عتقاء في هذا الشهر، فاطلبوا من الله أن تكونوا من عتقائه، وإن أبواب الجنّة في هذا الشهر مفتحات، كما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاسألوا الله أن لا يغلقها عنكم، وإن أبواب النار في هذا الشهر مغلقات، فاسألوا الله أن لا يفتحها عليكم، ويد الشياطين في هذا الشهر مغلولة، فاسألوا الله أن لا يسلّطها عليكم، فقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتهم فيه من أهل كرامته؛ أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنّ الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. والسعيد في هذا الشهر من لم يحرم من غفران الله وعفوه، وحتى نكون فعلاً من السعداء، لابدّ لنا من أن نراجع أحوالنا، ونحاسب أنفسنا، وهل نحن فعلاً من الذين ينتصرون للحقّ حتى ولو كان على أنفسهم؟ وهل نحن فعلاً ننصر أهل الحقّ وندعمهم مهما كلّفنا الأمر؟مقالات ذات صلة
ارسال التعليق