• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صوت العراقيين.. الغائب

نــزار حيدر

صوت العراقيين.. الغائب
   خيراً قال السيد رئيس مجلس الوزراء في جمهورية العراق في كلمته الأسبوعية اليوم، عندما دعا العراقيين ليكون لهم صوت في أزمة (الميزانية) الحالية، ولكنه لم يقل خيراً عندما اتهم مجلس النواب بالهرب من الاستحقاقات الدستورية والقانونية التي تخص مصالح الشعب العراقي.
   ولقد كُدْتُ ان أصدّقه في قوله الأول لكنني ترددت كثيراً عندما تصفحت مواقفه ممن يوجه له نقداً أو استفساراً أو حتى تهمة في أمر ما، لتبدأ ماكينته الإعلامية، الرسمية وغير الرسمية، المرئية والمسموعة والمقروءة ومعها مواقعه الإلكترونية، تدور وتدور لتخّون وتتهم وتطعن وتشكّك وتُسقِّط وربما تنشر ملفاً أو ملفين كانا مركونين على الرف، وقد حان حينها الآن.
   كما كدت انّ أصدّق قوله الثاني، لولا انني تذكرت أمرين:
   الأول: هو انّه من بين الذين يهربون من الاستحقاقات الدستورية والقانونية، ولذلك لا يحق له أن يتهم الآخرين بما ابتلي به، وإلا بالله عليك، دولة الرئيس، حدثنا قليلاً عما يجري منذ (٥٢) يوماً في الأنبار؟ حدثنا قليلاً عن أجساد الشهداء من القوات المسلحة، ممن قضوا في الأنبار، والتي تحتفظ بها الحكومة في برّادات المستشفيات ولا تسلمها إلى ذويها في المحافظات الجنوبية؟ حدثنا قليلاً عن المبادرة التي تبنتها الحكومة بشأن الأنبار؟ حدّثنا عن بيان وزارة الدفاع، أهو إعلان عن انتهاء العمليات العسكرية هناك؟ أم مجرد هدنة؟ أم ماذا؟ حدثنا عن السلاح الأميركي والروسي الذي قلت بأنّ العراق استلمه واستخدمه في عمليات الأنبار، هل كان فاعلاً أم لا؟ وماذا حقق من نتائج؟ حدثنا ما إذا قضيت على (داعش) كما وعدتنا؟ أم انها قضت علينا؟ إذا حدثتنا عن هذه أو بعضها، فسأُصدّق اتهامك لمجلس النواب بالهرب من الاستحقاقات وأُبَرِّؤُك.
   إذا حدثتنا عنها فسيكون للعراقيين صوت.
   الثاني: انّ مجلس النواب يتألف من ثلاث كتل برلمانية كبيرة، تتزعم أنت أحدها، فهل انها مشمولة بالاتهام؟ أم انّ على رأس كتلتك ريشة؟.
   إذا كانت مشمولة فتلك مصيبة، وإذا لم تكن مشمولة فالمصيبة أعظم.
   لا علينا، فتلك كانت دردشة وانتهت.
   أعود هنا لأسأل سؤالاً في غاية الأهمية، وهو: كيف ومتى يكون للعراقيين صوت في القضايا المهمة والمصيرية؟ فكلّ السياسيين يدعونهم ليكونوا كذلك، ولكنهم ليسوا كذلك، فكيف يمكننا تحقيق هذا الأمر المهم جداً في بلد ضاعت فيه مصداقية السياسيين، وغابت عنه الثقة بين الفرقاء، ولم يعد الشارع يصدق بكلام أحد لأنّ السياسيين يُكَذّبُ بعضهم بعضاً، مجلس النواب والحكومة، المركز والإقليم، المركز والمحافظات، الكتل لبعضها، وهكذا، كلّ يتّهم الآخر، وكلّ يكذّب الآخر، وكلّ يرمي المسؤولية على الآخرين كلما مرّ البلد بأزمة، والمضحك في كلّ ذلك هو انّ كلّ نتائج اجتماعاتهم إيجابية وقد اتفقوا على كلِّ شيء وأنهم تجاوزوا مشاكلهم، ليخرجوا علينا أمام الشاشة الصغيرة وقد تشابكت الأيدي المرفوعة وهم يوزعون الضحكات يمنة ويسرة.
   لا يمكن أن يكون للعراقيين صوت مسموع ومؤثر في الشأن العام، خاصة وقت الأزمات، ما لم تكن المعلومة متاحة بالنسبة لهم، يصلوا إليها بشكل صحيح وسليم، ومن مصادرها الحقيقية، متى ما شاؤوا، حتى لا يقعوا ضحية الكذب والتزوير والتضليل، فكيف يمكن تحقيق هذا الأمر؟.
   يمكن ذلك من خلال المقترحات التالية:
   الف: إنّ تُنشر محاضر الجلسات والاجتماعات، وبكلِّ أشكالها، في الإعلام الرسمي، بعد مصادقة الأطراف التي تحضرها، حتى لا يتنصل عنها أحد عند المحاسبة مثلاً أو توجيه السؤال إليه، وسنضمن بذلك عدم تكرار تجربة تمرير قانون التقاعد بنسخته السيئة والتي آثارت جدلاً واسعاً لعدم إطلاع الرأي العام العراقي على محاضر الجلسة الخاصة بالتصويت عليه.
   باء: وإذا حصل إن اتفقت أطراف اجتماع ما من الاجتماعات على أن تكون محاضرة سرية لا تنشر في الإعلام، فلا بأس بذلك، شريطة أن يتم حفظ المحاضر هذه والموقعة من الأطراف المعنية في خزينة الدولة، مثلاً، ليتم الرجوع إليها في أية لحظة تتفجر فيها الخلافات بينهم.
   جيم: إنّ مجرد وجود إمكانية للعراقيين للإطلاع على محاضر الجلسات والاجتماعات يعد، بحد ذاته، رقيباً فاعلاً وحاسماً ومؤثراً على المجتمعين، يعلمهم كيف يتخذون القرار؟ وكيف يتفقون؟ وكيف يختلفون؟ فمثل هذه الإمكانية مدرسة للسياسيين تعلمهم كيف يحترمون كلامهم وتوافقاتهم وحواراتهم، وقبل كلّ شيء المواطن فلا يفكروا بالتنصل عن كلام قالوه أو موقف اتخذوه، أو أن يعتذروا له إذا ما ارتكبوا خطأ.
   إلى متى تُطبخ القرارات كأمور تدبر بليل؟ إلى متى يظل المواطن يأكل نتائج الأزمات من دون أن يكون له أي دخل في صناعتها؟.
   دال: إنّ إطّلاع العراقيين على المحاضر المصدقة، سيمنحهم الفرصة والقدرة على الرقابة والمشاركة والصوت المرتفع الذي تحدث عنه السيد رئيس مجلس الوزراء.
   سيمكّنهم من معرفة حقيقة وجوهر الاتفاقات، وما إذا كانت تصب في الصالح العام أم انها مجرد محاولة للانحناء أمام عاصفة أزمة فهي تحقق مصالح طرف دون آخر، أو فئة دون أخرى؟.
   سيمكنهم من معرفة ما إذا كان هذا الإتفاق أو ذاك دستورياً أم لا؟ استراتيجياً أم لا؟ حقيقياً أم دعاية انتخابية؟ واقعياً أم هو مجرد ملف جديد سيحتفظ به طرف من الأطراف ليكشف عنه في أقرب أزمة؟ وهكذا.
   هاء: إذا اختلف الفرقاء المعنيين على نصوص إتفاق ما من الإتفاقات، فلا نقبل منهم أن يظهر علينا كلّ واحد منهم على حدة ليفسر ويحلل ويبرر ويدافع ويتهم ويلوم على كيفه، وبما يحمي نفسه من التهمة والتقصير، وبما يحمّل الآخرين المسؤولية، وإنما عليهم أن يظهروا لنا في مناظرة تلفزيونية على الهواء مباشرة، كلّ يدلي بدلوه، وليدعوا للعراقيين فرصة التحكيم، فعندها سيقرر الشارع الحقيقة وأين هي ومع من؟.
   إنّ ذلك يُبصّر العراقيين بحقيقة خلافات السياسيين، أهي دستورية كما يدعي البعض؟ أم انها دعاية انتخابية كما يذهب إلى ذلك بعض آخر؟ أم انها خلافات سياسية أو حزبية أو كتلوية أو شخصية أو بسبب عقد نفسية أو بسبب مواقف عنصرية أو طائفية؟ أم ماذا؟.
   بذلك سيكون الشعب حاكماً على خلافاتهم، أو على الأقل ناظراً وشاهد حقّ، يعرف عن ماذا يدافع إذا دافع، ولماذا ينتقد إذا انتقد؟.

ارسال التعليق

Top