• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صلح الحديبية.. فاتحة خير وبركة

عمار كاظم

صلح الحديبية.. فاتحة خير وبركة

الحديبية كما ورد في (لسان العرب): موضع، وورد ذكرها في الحديث كثيراً، وهي قرية قريبة من مكّة، سُمِّيت ببئر فيها، وهي مخففة، وكثير من المحدِّثين يشدِّدونها. وأمّا صلح الحديبية، فخلاصته أنّ النبيّ (ص) رأى في المنام أنّه دخل مكّة هو وأصحابه آمنين، محلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين، وأنّه دخل البيت وأخذ مفتاحه وطاف مع أصحابه واعتمر، ثمّ أعلم أصحابه أنّه يريد العمرة، ففرحوا فرحاً شديداً، فرؤيا الأنبياء حق، وقد اشتد بهم الحنين إلى تأدية النسك والطواف بالكعبة ودخول مكة، موطنهم الأول ومسقط رأسهم. غادر النبيّ (ص) المدينة مع (400) من المسلمين، ولمّا سمعت قريش بخروجه (ص) استنفروا وجعلوا على الجبال عيوناً تراقب المسلمين، وتعاهدوا على منعهم من الدخول إلى مكّة. نزل النبي (ص) الحديبية وأرسلت قريش ممثلاً عنها يستطلع هدف المسلمين، فقال له النبي (ص): «إنّا لم نأتِ لقتال أحد، ولكنّا جئنا معتمرين». وبينما المسلمون جلوس تحت شجرة سُمرة، نادى منادي رسول الله (ص): البيعة، فبايعه المسلمون على عدم الفرار، فإمّا الفتح وإمّا الشهادة، وتُسمّى بـ (بيعة الرضوان)، ثمّ استقرّ الأمر بين رسول الله (ص) وبين قريش على الصلح ووضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس ويكفّ بعضهم عن بعض، وأن يرجع النبي (ص) وأصحابه ليدخلوا الكعبة العام المقبل، وأمر رسول الله (ص) المسلمين بالنحر والحلق بعد أن فعل ذلك، فتبعوه.

كان الصلح اعترافاً رسمياً من قريش بأنّ رسول الله (ص) ومَنْ معه قوّة مستقلة، كما كان فرصة ذهبية للإتصال بالقبائل فأسلم في سنتين من الصلح عدد مَن أسلم قبلهما، وأعاد الصلح فتح طريق القوافل المارّة بالمدينة، وعزل قريشاً عن حلفائها من اليهود، ودخل رسول الله (ص) العام القادم مكّة معتمراً وفق نصّ الصلح. الرسول (ص) كان مدركاً وموقناً أن هذا الصلح سيكون فاتحة خير وبركة على المسلمين بعد ذلك.

لصلح الحديبية دروس وحكم، حيث تعلم الصحابة من هذا الصلح وجوب طاعة النبيّ (ص) والانقياد لأمره وإن خالف ذلك العقول والنفوس، ففي طاعته (ص) الصلاح المتضمن لسعادة الدنيا والآخرة، وإن قصر العقل عن إدراك غايته وعاقبة أمره.

وفي هذا الصلح المبارك ظهرت أهمية الشورى، ومكانة المرأة في الإسلام، وأهمية القدوة العملية في موقف واحد. وأيضاً إهتمام النبيّ (ص) بالوفاء والذي يقضي أنّ من حقِّ قريش أن تقبل من يلجأ إليها من المسلمين ولا يحقّ للمسلمين أن يقبلوا من يلجأ إليهم من قريش. يروي أحدهم: أرسلتني قريش إلى رسول الله (ص) فلمّا رأيته أشرق في قلبي نور الإسلام فقلت: يا رسول الله (ص)، لا أعود إلى قريش. فقال (ص): «إنّي لا أخالف عهداً عاهدته، أرجع إليهم».

ارسال التعليق

Top