• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. فرصة لتهذيب النفس

عمار كاظم

شهر رمضان.. فرصة لتهذيب النفس

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185). "أيّها الناس قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات. هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله. أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب. فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنّ الشقي مَن حُرم من غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس يُتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في صلواتكم، فإنّها أفضل الساعات ينظر الله عزّوجلّ فيها بالرحمة إلى عباده يجيبهم إذا ناجوه، ويربيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه".

بالآية الكريمة والكلمات الدريّة المروية عن الرسول الأعظم عن طريق العترة الطاهرة نستقبل شهر الخير والبركة. وهذا الشهر شهر كريم، فإنّه شهر الله الذي أنزل فيه القرآن، فما أعظم مكانته حيث نزل في النور المبين الذي أضاء العالم منذ نزوله إلى يومنا هذا. هذا وإنّ الرسول يعرّف شهر رمضان بأفضل ما يمكن ويقول: إنّه شهر البركة والرحمة والمغفرة، وإنّ أيامه ولياليه أفضل الأيام والليالي، ويبيّن وظيفة الصّائم الفردية والاجتماعية، يفرض عليه السؤال عن ربّه بنيّات صادقة وقلوب طاهرة، ليوفقه للصيام وتلاوة القرآن وأن يذكر بجوعه وعطشه جوع الآخرة وعطشها. هذا ما يتعلّق بوظيفته الفردية، أما الوظيفة الاجتماعية للفرد الصائم فهي القيام بالتصدق على فقراء الأُمّة ومساكينها أوّلاً، وتوقير الكبار والترحّم على الصغار ثانياً، وصلة الأرحام ثالثاً. وبما لهذا الشهر من العظمة عند الله تبارك وتعالى يلزم على الصائم المراقب لجوارحه أن يغض بصره عمّا لا يحل النظر إليه، ويسد سمعه عما لا يحل الاستماع إليه رابعاً.. إلى غير ذلك من الوظائف التي جاءت في الخطبة المباركة. هذا ما ذكره الرسول في خطبته، وفي الوحي الإلهي إيماء وتصريح للغايات التي فرضت لأجلها تلك الوظيفة. قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة/ 183-184). فهذه الآيات تعرب أوّلاً عن أنّ تلك الفريضة كانت فريضة إلهية مفروضة على الأُمم كلّها، فهي والصلاة فريضتان لم تخلُ شريعة منهما. وأنّ الغاية من فرضها على الناس هو التقوى والتخلي عن المعاصي والتحلّي بالفضائل. وأما الصلة بين القيام بالصيام والتخلّي عن الرذائل واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من البيان. فالإنسان الشبعان المتروي من الماء يكون أكثر استعداداً من الإنسان الجائع والعطشان، لاقتراف الذنوب وإرضاء الغرائز الجامحة. فهناك علاقة وثيقة بين الصيام وتجنب الذنوب، كما أنّ هناك رابطة واضحة بين إشباع الغرائز ورفض الحدود. ويوضّح قوله سبحانه في الآية الكريمة (أياماً معدودات) أنّه ليس إلّا أياماً قلائل يتقلص ظلالها بسرعة. ولكن الإنسان الواعي هو الذي يغتنم هذه الفرصة فيتلو فيه كتاب الله تبارك وتعالى ويتدّبر آياته، وقبل هذا وذاك يكسب رضوان الله تبارك وتعالى. وما أشبه هذا الشهر الفضيل بنهر عظيم يفيض بالخير والعطاء واليمن والبركة في دنيا الصائمين، وعليهم أن يغتسلوا فيه ليتخلّصوا من أدران الذنوب التي علقت بهم في مسار الحياة، حتى يكونوا طاهرين متطهرين. وليس هناك أشقى ممّن حرُم المغفرة في هذا الشهر المبارك ولم يغسل نفسه بماء الغفران الذي مُنح بلا مشقة.

ارسال التعليق

Top