يقول القرآن الحكيم: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ (الانشقاق/ 6)، ويقول تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ (النجم/ 39- 42). وفي الحديث الشريف: «مَن تساوى يوماه فهو مغبون، ومَن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، ومن لم يرَ الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومَن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة..». وأيضاً ورد في الحديث: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»، «إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما». إنّ مسيرة العمل والكدح مستمرة إلى أن تنتهي حياة الإنسان في هذا الكون ويؤوب إلى ربّه. من هنا، يتبين لنا أهميّة الوقت وضرورة حُسن تدبّره والاستفادة منه في العمل الصالح المفيد وخصوصاً ونحن نعيش أجواء شهر رمضان المبارك.. شهر الصيام والصلاة والدُّعاء وقراءة كتاب الله.. شهر التطهّر من كلّ الأدران التي علقت بنا في بقيّة الشهور، هو فرصة للاستغفار والتوبة من الذنوب، ومحطة إيمانية روحية نتزوّد منها لبقيّة الأشهر، وهو سبيل للتقرُّب من الله، واللّوذ به، وطلب المغفرة منه، فلا نساعد في تحويله إلى ساحة للمعصية. فالصيام ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب، بل عن العادات والتقاليد التي تُسيء إلى نفوسنا، وتبعدها عن أجواء الانفتاح على معاني الصوم التي تحاول دفع الإنسان إلى اكتساب الخُلق الحسن والسلوك الحسن، ومن هذه السلوكيات وأهمّها، أن نقضي وقتاً ولو يسيراً في تدبّر كتاب الله، ومحاولة فهم معانيه وتلاوته، والإفادة من الجوّ الروحي للتلاوة، بما ينعكس راحةً نفسية على الإنسان، ويهذِّب من مشاعره، فيجعلها رقيقة ليّنة بعيدة من القساوة والخشونة. هكذا، نستغلّ هذه الفرصة التي لا تزورنا إلّا مرّة في السنة، في الانشغال بالعبادة، وإذا ما أردنا أن نموّه عن أنفُسنا، فليكن ذلك ضمن دائرة الحلال والمقبول، حتى يقبل الله صيامنا وصلاتنا، وحتى يغفر لنا، ولنكون من الفائزين برحمة الله في هذا الشهر، الذين تفتح لهم أبواب الجنان، لا من الأشقياء الذين يحرمون رحمة الله وتوبته علينا، «فإنّ الشَّقيّ - كما قال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) - مَن حُرِمَ غفران الله في هذا الشهر العظيم».
إنّ أكبر خسارة يخسرها الإنسان هي خسارة الوقت، فهو بذلك يخسر نفسه.. فالإنسان كما ورد في الحديث: «إنّما أنت عددُ أيّام، فكلُّ يومٍ يَمضي عليك يَمضي بِبعضِك». هي خسارة لا تعوَّض، ما يفوت منها لن يعود. ولذلك، كان نداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الآن الآن من قبل الندم، ومن قبل أن تقول نفس: يا حسرتي على ما فرَّطت في جنب الله»... «الآن الآن مادام الوثاق مطلقاً، والسراج منيراً، وباب التوبة مفتوحاً، من قبل أن يجفّ القلم، وتُطوى الصُّحف». وحتى لا نصل إلى ما أشار إليه الله سبحانه: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ) (فاطر/ 37). وقد قال الإمام عليّ (عليه السلام): «فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجّة، وأن تؤدّيه أيّامه إلى شقوة». إنّ تعزيز هذا السلوك، لن يحصل إلّا بتعزيز ثقافة تنظيم الوقت في الحياة، وبالقدوة الحسنة، وبإرادة لا تخضع لاعتبارات الواقع الذي أدمن ثقافة تضييع الوقت ولم يرَ له أهميّة. وحتى لا نقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) (المؤمنون/ 99-100).
ختاماً، فليسعَ كلّ منّا إلى أن يتفاعل مع فريضة الصيام واستغلال زمانه كما ينبغي، حتى تكون نفوسنا ونوايانا وأرواحنا محاكاة لأهداف الصوم، ولننظر إلى طبيعة أعمالنا ومشاعرنا، ونراجعها بوعي، ونصحّحها، ونعمل على بناء حياتنا من جديد، انطلاقاً من الإفادة الحقّة من كلّ أجواء هذا الشهر الفضيل الذي يريدنا أن نخرج منه أُناساً خاشعين لله، خاضعين له، ساعين لإعلاء كلمته وتأكيد هداه في كلّ الميادين. وليكن دعاؤنا لله سبحانه وتعالى: «واجعلْني ممَّن أطَلتَ عُمرَهُ وحَسَّنتَ عملَهُ، وأتمَمتَ عليه نِعمتك، ورَضِيتَ عنه، وأحيَيتَهُ حياةً طيِّبةً في أدوَمِ السُّرورِ وأسبَغِ الكرامةِ وأتمِّ العَيشِ».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق