• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

سلوكيات خاطئة تُمارس مع الأبناء

سلوكيات خاطئة تُمارس مع الأبناء

لم نكن نريد بنتاً رابعة:

لم يزل هذا القول يعلق في ذهن إيمان، منذ أن سمعته وهي صغيرة من أبويها... لقد كان يسبب لها ألماً شديداً، كانت تحسّ أنها غير مرغوب فيها، لقد أفقدها هذا القول كثيراً من الثقة بنفسها وكان سبباً لكثير من المتاعب، فقد كانت تخشى الإقدام على أي عمل خوفاً من الفشل، لقد أحست أنها جاءت إلى الدنيا ولم تحفل بحسن الاستقبال ممن حولها، لقد كانت تشعر بالغيرة من أقرانها والحقيقة إن هذه المشكلة يقع فيها كثير من الآباء والأُمّهات عندما يرزقهم الله بابنة بعد بنات وقد كانوا يتمنون الولد الذكر، أو العكس، ويكون نصيب الولد أو البنت التي جاءت على غير رغبة الوالدين أقل بكثير من اخواتها من حيث الحب والاهتمام والعناية والرعاية.

ومن المعلوم لدى الجميع أننا لا نختار نوع الأبناء، فالله سبحانه وتعالى هو العليم الحكيم هو الذي يختار، فيهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور، فعلينا أن نحمد الله تعالى على ما رزقنا سواء ولد أم بنت، ولنعلم أن هذا لحكمة يعلمها الله تعالى، فلا نغضب ولا ننفعل ولنرضى بقضاء الله ولنحمد الله تعالى على ما رزقنا، فهناك من لا يجد ولداً ولا بنتاً، ويذهب هنا وهناك ويحتار بين الأطباء بلا جدوى، فالحمد لله رب العالمين.

 

إنني أحمي ابني من الفشل:

لقد كان هذا القول سبباً لكثير من المشكلات التي كانت تحدث لعبد الرحمن حيث أن أُمّه كانت دائمة الخوف عليه، فكان خوفها كثير ما يمنعها من السماح له بمشاركة زملاءه في بعض الأعمال، كما كانت لا تكلفه أعمالاً معينة خوفاً عليه من عدم القيام بها حق القيام، وإحساسه بالفشل فيها، إنما تحميه من الفشل اليوم – حيث فشله لا قيمة له – وتسبب له فشلاً ذريعاً في مستقبل حياته حيث هناك الفشل الحقيقي والنجاح الحقيقي.

يجب ألا نتهيب من فشل أبناءنا في بعض الأعمال أو عدم اتقانها، علينا أن ندعهم يعملون ونساعدهم ونوجههم ونشجعهم، عندئذ نغرس فيهم الثقة بأنفسهم ونعودهم عدم الخوف من الإقدام على الأحداث ومواجهتها، وإذا كان هناك عمل نحن متأكدون أنّ الطفل لن يستطيع القيام به وفشله متحقق فيه بنسبة مائة في المائة، فعلنا أن نقنعه أن يغير هذا العمل، ونحاول بذكاء أن نجعل هذا العمل لا يحدث كما يريد الطفل حتى لا يصدم عند عدم تحققه، أما فشل الطفل في بعض الأعمال بنسبة معينة فعلينا أن نتجاهله، بل نمدح فيه نجاحه بتلك النسبة ونقول له: "وفي المرة القادمة إن شاء الله سوف تعمل هذا بنسبة كبيرة وسوف تنجح فيه نجاحاً باهراً".

 

إنني أريد له مستقبلاً أفضل:

خلف هذه الكلمة تختفي طموحات شخصية للوالدين، أنهما يريدان أن يعوضا النقص الذي فيهما في ذلك الطفل الصغير، لقد كان الوالد يتمنى أن يكون طبيباً، فهو يدفع ابنه نحو حب العلوم والاهتمام بها، ولا يبحث مع مدرس الفصل عن ميول ورغبات ابنه الحقيقية والتي قد تكون خلاف ذلك تماماً.

ليس من المهم أن يكون الشخص طبيباً أو مهندساً أو غيره، المهم أن يكون ناجحاً في حياته راضياً عن عمله الذي يعمله محباً له، ومن قبل كلّ ذلك طبعاً يحوز رضى الله سبحانه وتعالى، فلا تحاول أيها الوالد من منطلق خوفك على الطفل أن تفرض عليه مطامحك الشخصية، وتظن أن ذلك أفضل لمستقبله، إن هذا الطفل خُلق لمستقبل غير مستقبلك أنت، ولزمان غير زمانك أنت، فلا تقيده بأفكارك عن المستقبل والتي ربما تتغير كثيراً عندما يكبر الطفل، ولكن ساعد طفلك في تحديد أهدافه، أن يحدد هو أهدافه بنفسه، ساعده في ذلك وفي تحقيق النجاح فيها، عليك فقط إبداء النصح والإرشاد له، لكن لا تفرض عليه وجهة نظرك، وضح له فقط الإيجابيات والسلبيات... ثمّ دعه يختار ويتحمل مسؤولية اتخاذ القرار حتى يشب على تحمل المسؤولية، اجعل ابنك حراً، مفكراً، مبدعاً...

 

إنني أريد أن يحس ألم العقاب حتى لا يكرر الفعل السيئ:

العقاب وإن كان ضرورياً أحياناً إلا أنّ العقاب البدني المؤلم بالنسبة للطفل له أضرار كثيرة، كما أنّه ليس من العدل أن نعاقب الطفل على شيء لا يفهمه، إنه لا يفهم لماذا يعتبر سلوكه هذا سيئاً، وعندما يواجه بالعقاب الصارم المؤلم فإن ذلك يخلق فيه الرعب والقلق.

إننا أفضل من ذلك يجب أن نبحث للطفل عن سلوك آخر بديل عن سلوكه السيئ، هذا السلوك يكون بمثابة العوض عن السلوك السيئ، حتى إذا تقدم الطفل في السن ووصل إلى مرحلة المراهقة فإنه عندئذ يستطيع أن يفهم السلوك وعندها من الممكن أن نعاقبه العقاب المناسب عند الخطأ، مع اقتران ذلك بجعله يفهم السبب وراء العقاب وما قد ينتج من آثار سيئة نتيجة سلوكه ذلك الذي يعاقب عليه.

والذي نريد أن نوضحه هنا أنّ العقاب الصارم والمؤلم الذي يتخذه البعض وسيلة من وسائل التربية إنما هو وسيلة فاشلة لا تؤتى ثمارها، بل قد تؤدي بالطفل إلى الانحراف الخلقي وأن يتصف بصفات سيئة مثل الجبن والكذب.

وخير للوالد أن يربي طفله على احترام كلامه وتنفيذه من غير اللجوء إلى الضرب أو القسوة بل تكفيه الإشارة أو النظرة... وعلى المربي الوالدة أو المربية الأُم أن تفرق بين أحوال الطفل وبين ما يحتاج للعقاب الشديد وما يحتاج لمجرد الإشارة، فلا تستوي الأفعال حتى السيئة، فمنها الصغائر ومنها الكبائر، والأفضل الابتعاد مطلقاً عن العقاب البدني المؤلم كما ينصح بذلك معظم علماء النفس والتربية.

 

إنّه ابني الوحيد:

تنطوي خلف هذه الكلمة كثير من المشكلات التي تستعصي عن الحل، والتي السبب الأساسي فيها هما الوالدان!!، فإنّ التدليل الزائد عن الحد والذي يقوم به الأب أو الأُم للابن الوحيد أو للبنت الوحيدة، إنّ هذا التدليل سبباً كبيراً لكثير من المشكلات النفسية التي يعاني منها الأطفال، ليس هذا فحسب إنما هو يدفع الطفل إلى عدم الاكتراث بتهديد الوالدين، وعدم الانصياع لأوامرهما، لأنّه يعلم مدى تدليل والديه له، وشعور الطفل بأنّه مدلل، هذا الشعور من الخطورة بمكان على أخلاق الطفل اليوم وفي المستقبل، وليس نهينا عن ضرب الطفل ضرباً مؤلماً مؤذياً يعني تدليله تدليلاً زائداً عن الحد، فربما تكون الآثار المترتبة عليه أكثر من الآثار المترتبة على ضربه، فلا يخدع الوالد نفسه بأن هذا ابنه الوحيد ولا ينبغي إيذاءه فيترك له الحبل على الغارب، ولكن عليه أن يتعامل معه حسب أحواله، فإن كان فعله يحتاج الشدة فليشتدّ معه، وإن كان يحتاج الوعظ والزجر فليعظه وليزجره، وهكذا بحسب أحواله وليس الحب معناه أن نتركه يفعل ما يشاء كيفما يشاء، أو نفرق بينه وبين إخوته حين يكون الولد الوحيد مع أخوات بنات أو العكس، وفي الحديث: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

 

عندما تكبر يا بني سوف أخبرك!

هذه الكلمة رغم بساطتها فإنها لا تعني شيئاً بالنسبة للطفل عندما يسألك سؤالاً محرجاً، فلا تستطيع الرد عليه، فتقول له: سأخبرك عندما تكبر، أو سوف تعرف عندما تكبر!!!.

الطفل عندما يسألك عن شيء ما فإنه يحتاج إلى تفسير لما يحدث حوله، ولا يقصد المعنى الذي يمكن أن تفهمه أنت، إنه يسألك حباً للاستطلاع، لمعرفة ما حدث حوله... إن هروبك من أسئلة الطفل يمثل عائقاً كبيراً أمام تقدم الطفل كما أنه يمكن أن يلجأ إلى آخرين حتى يحصل منهم على إجابات شافية لما يدور حوله، وأنت لا تضمن إجابات الآخرين فقد تكون مضللة أو غير سليمة، وبالتالي ينشأ عند الطفل أفكار خاطئة عن الأشياء تظل معه فترة طويلة وقد لا يستطيع التخلص منها بسهولة.

 

أمثلة لبعض أسئلة الأطفال والإجابات عليها:

قد يسأل الطفل الوالدين عن الموت، وما معنى أن فلان قد مات؟!!.

وأفضل إجابة للطفل عن الموت هو أن نقول له: "إنّ الموت هو النهاية الطبيعية في الدنيا لكل الأحياء وأنه نهاية الحركة والإحساس".

هذه الإجابة رغم بساطتها فإنها تشبع رغبة الطفل، قد تقول إنّ الطفل لا يفهم الموت أو لا يعرفه، نقول: "نعم هو لا يفهمه ولكنه يعرفه جيداً، إنه يراه في موت الحشرات أو بعض الحيوانات والطيور، وكلّ ما يريد أن يعرفه هو أن يدمج الموت من الناحية الطبيعية في فكرته عن طبائع الأشياء، والإجابة السابقة تعطيه هذا المعنى.

إذا مات قريب للطفل فعندما يسأل عنه فلا يجب أن نحيّره، ونحاول حجب الحقيقة عنه وإنما للنقل له الحقيقة، فالقصص الملتوية عن الموت والتي تستهدف حجب الحقيقة لا تولد في نفس الطفل إلا الحيرة والقلق.

وإذا سأل الطفل عن الحياة بعد الموت فيجب أن نجيبه بصراحه عنها، وأنه بعد الموت إذا كان الإنسان طيباً صالحاً في الدنيا يكون في الجنة إن شاء الله ينعم فيها ما يشاء، وإذا كان سيئاً وغير صالح فإنه يكون في النار وبئس القرار، ولا نقول أن هذه المعاني بعيدة عن الطفل ولن يفهمها... كلا إنها تكّون أفكاره واعتقاداته التي لن نستطيع تغييرها فيما بعد، فإن كانت خاطئة أو غير صحيحة فالطفل سينشأ عليها ويعتقد فيها.

يقول د. لوثر ودوارد: "إذا سأل الطفل عن الحياة بعد الموت جاوبه بصراحة عما تعتقد".

وقد يسأل الطفل: كيف جاء أخي الصغير إلى الدنيا؟!! فلا تحتار أو تحاول أن تجاوب إجابة فلسفية، بل جاوب ببساطة أنه جاء من بطن "ماما"، إذا سأل كيف؟ فأخبره أنه وُلد كما تلد القطة، ويمكن أن يشاهد الطفل "فيلم كارتون" مثلاً ويرى كيف أنّ القطة تلد أو الماعز أو غيرها من الحيوانات، وبالتالي تقترب إليه الفكرة أكثر ويستطيع فهمها.

يقول د. جولويس شوارتز: "الطفل لا يحتاج سوى إجابات مبسطة وشافية غير متفلسفة... يجب على الآباء أن يقرأوا الكتب المختلفة عن الأطفال ليس من أجل استخلاص الحقائق لتقديمها للأطفال عند سؤالهم، ولكن من أجل توسيع المعلومات والآفاق تمهد لدراسة الأطفال وفهمهم فهماً صحيحاً.

وقد يسألك الطفل عن الزواج: لماذا تزوج فلان وفلانة يا أبي؟!!، وماذا يفعلان بعد الزواج؟!!.

فتجيبه قائلاً: إنهما يا بني تزوجا لأنه يجب أن يتزوج الرجل عندما يكبر وتتزوج المرأة، وذلك حتى ينجبا أولاد صغار "حلوين" مثلك أنت وإخوتك، وإنهم يعيشون حياة سعيدة مثلما نعيش نحن، الأب يعمل، والأم تطبخ وتغسل وتراعي الأطفال، إنّه بهذه الإجابات البسيطة يستريح ولا يشعر بالقلق أو الحيرة، ولا تشعر الطفل بالحيرة عندما تجاوبه أو أنك قلق أو متضايق من أسئلته، فهذه الأسئلة طبيعية عند الأطفال.

الكاتب: عادل فتحي عبدالله

المصدر: كتاب افهم طفلك تنجح في تربيته

ارسال التعليق

Top