• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

روِّح عن أولادك

روِّح عن أولادك

من أقوال أمير المؤمنين علي (ع): "روّحوا القلوب ساعة، فإنّها إذا أُكرهت عميت". ومن أقواله أيضاً: "روّحوا القلوب، وابتغوا لها طرفاً من الحكمة؛ فإنّها تمل كما تمل الأبدان".

للترويح إذن أصل في ديننا العظيم الجميل، الذي حث عليه ودعانا إلى الاهتمام به. ويقصد بالترويح: الترفيه عن النفس والفسحة بهدف تحقيق الراحة النفسية والجسدية، وإزالة آثار التعب والمشقة والمعاناة والتخفيف من ضغوط الحياة.

وقد يتصور البعض أنّ الترويح مضيعة للوقت، وهذا فهم مغلوط؛ لأنّ العماء عدوه من وسائل عمارة الوقت، يقول ابن القيّم (رحمه الله) في كتابه: (مدارج السالكين): "وعمارة الوقت الاشتغال في جميع آنائه بما يقرب إلى الله، أو يعين على ذلك؛ من مأكل، أو مشرب، أو منكح، أو منام، أو راحة، وإن كان له فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات".

إنّ الله عزّ وجلّ كريم لطيف بعباده، يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، يقول سبحانه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 32).

ولقد لاحظت أنّ كثيراً من الآباء لا يدرك أهمية الترويح عن أولاده، بل إنّ بعضهم يعتبره من اللهو المذموم الذي لا جدوى منه.. وفي المقابل.. يسرف كثير من الآباء في الترويح، فيفتح أبواب الترويح على مصاريعها كماً ونوعاً دون ضوابط وبلا حدود.. ولا شك في أنّ الأمر يحتاج إلى توجيه وإرشاد وضوابط.

 

الترويح المباح:

يستطيع الآباء بشيء من التخطيط والإدارة أن يربوا أولادهم على أنّ أوقات المسلم كلّها عبادة، وأن يستثمروا فرصة العطلة الصيفية وفي العطل خلال السنة في الترويح عن أولادهم وزوجاتهم كلّ حسب إمكاناته لتجديد النشاط والحيوية فيما هو مباح من وسائل الترويح، ففي ذلك طاعة لله عزّ وجلّ، وعيش الحياة كما أراد واهب الحياة؛ حيث يقول سبحانه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/ 162).

تلك طبيعة الإنسان، فهو يميل دائماً إلى أن يروّح عن نفسه ويلهو ويلعب ويمرح، ومن هنا أباح الله تعالى له من الترويح واللعب ما يتقوّى به على العبادة وعمل الخيرات والقيام بمهامه في الحياة.

اللهو المذموم:

اللهو هو الأقوال والأعمال غير الجادة وغير المقصودة كغاية في ذاتها، وتشغل عن ذكر الله، "فما شغلك فقد ألهاك"، كما يقولون: ذم رجلٌ الدنيا عند سيدنا علي (ع) فقال: "الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار نجاة لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها".

واللهو واللعب الذي لا هدف له ودون ضوابط يعد غروراً، وهو منهج الكفار في حياتهم؛ قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) (محمد/ 12).

فمن شغل حياته باللهو واللعب، وصبغ حياته بهما، وظن أنّه خُلق ليلهو ويلعب ويتمتع لهته الدنيا بزخرفها، وهو لا شك يختلف عمن روّح عن نفسه وأهله وأولاده، ليعود إلى عمله في همة عالية ونشاط.

 

طبيعة الأطفال وحب الترويح:

الأطفال مفطورون على محبة اللعب، وإدراكهم للحياة غير إدراك الكبار، فالسمات الحركية للأطفال تدفعهم دفعاً إلى اللعب، إذ يؤكد علماء نفس النمو أنّ الأطفال لديهم طاقات ينبغي التنفيس عنها حركياً، وذلك نتيجة سرعة النمو في عضلاتهم الكبيرة وهذا يجعلهم دائماً في حركة وركض وقفز، ومن ثم فهم يميلون إلى الترفيه واللعب واللهو والحركة؛ ومن ثم يجب على الآباء أن يوجدوا متنفسات لهؤلاء الأطفال، وإلّا أدى كبتها إلى أضرار نفسية وجسدية على الأطفال.

 

أخطاء ترويحية يجب تصحيحها:

لقد تحول الترويح في عصرنا من ترويح محمود إلى له مذموم؛ حيث أسرف الناس فيه، وأدمنوه تمتعاً وشهوة، واعتبروه غاية في ذاته وليس وسيلة كما أرادها الشرع، كما تفننوا في صناعته؛ ليجذبوا الشباب إليه، ويشغلوه عن ذكر ربهم، ويلهونهم عن أداء أدوارهم، ويضعفوا هويتهم، فصار كثير من أولادنا لا هدف لهم في الحياة، وانشغلوا بتوافه الأمور على حساب الثوابت والأصول والأساسيات والضرورات؛ لذا فإنّه من الواجب أن نبيّن هنا ضوابط الترويح، كي يعلمها الآباء والأُمّهات والأولاد، ففي مراعاتها والأخذ بها صيانة لهم ولمجتمعاتهم وأمتهم.

 

الكاتب: أ. د. سمير يونس/ أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية

ارسال التعليق

Top