يهتم الإسلام بالمجتمع، ويضع الأُسس الثابتة التي يقوم عليها بنيانه، والخطوط العريضة التي تصون كيانه، وتحفظه من التصدع والسقوط. إنّه يربط المسلمين جميعاً بعضهم ببعض برباط هو أوثق الروابط، وهو رباط الأخوة الدينية التي تنمحي أمامها جميع الفوارق: من نسب عريق، ومال وفير، وجاه عريض، وغير ذلك ممّا درج الناس على اعتباره مميزاً بعضهم عن بعض. فأي إنسان، مهما كان عريق النسب، أو كثير المال، أو كان له شأن في بيئته، فهو أخ لمن دونه نسباً، وأقل منه مالاً، وأحط شأناً في المنزلة الاجتماعية، وهذه الأخوة تكتسب بمجرد الدخول في دين الإسلام. يقول الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة/ 11). فالقرآن يعلن أنّ المشركين وغيرهم ينتظمون في سلك هذا الإخاء الديني بمجرد الدخول في هذا الدِّين. وقوله تعالى: (مُحمَّدٌ رَّسُول اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29). حيث تؤكّد هذه الآية على مسألة التراحم بين المؤمنين والمؤمنات في حياتهم اليومية، وذلك بغية المحافظة على أواصر الأخوّة الإيمانية وتعزيز روح المحبّة والتعاطف فيما بينهم، والتأكيد على استمرارية الترابط والتواصل بين المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، الكبير والصغير، الحاضر والغائب، كُلّاً على حدٍّ سواء. وإلى جانب ذلك تؤكّد الشريعة الإسلامية على تجنّب إساءة أو إهانة أو إيذاء المؤمنين بعضهم لبعض، وذلك بغية التخلّص من حالات الحسد والكراهية والحقد والتباغض وغيرها من السلوكيات الخاطئة التي تقع بين أفراد المجتمع الإسلامي. فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض؛ حتى تكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ: (رحماء بينكم)..».
الحبّ في الله له مكان فسيح في المجتمع الإسلامي، والمتحابون يتبوءون منازل الكرامة، ويبلغون درجات الصديقين. عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة، أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلّا ظلي». وزيارة أخ في الله على محبّة وشوق تستوجب محبّة الله وتدخل الجنّة، قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن عاد مريضاً، أو زار أخاً له في الله، ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنّة منزلاً». وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «وما تحابّ اثنان في الله إلّا كان أحبُّهما إلى الله أشدّهما حبّاً لصاحبه».
هذا الإخاء يقتضي تبعات وحقوقاً، فهو يقتضي أن يهتم كلّ أخ بأمر أخيه، وأن يُعنى بشأنه، والدفاع عنه والذِّياد عن حياضه، والعمل الدائب على ترقية حاضره، وإعداده لمستقبل أعزّ وأكرم. من حقّ المسلم على المسلم أن يحفظ عرضه، ويصون حرمته في حضوره أو غيبته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من امرىء يخذُل امرءاً مسلماً في موضع تُنتَهك فيه حُرمَتُه، وينتقص فيه من عِرضه إلّا خذله الله في موضع يحبّ فيه نصرته، وما من امرىء ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته». ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة». ويقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عنه ضَيعَتَه ويحوطه من ورائه»، أي أنّ المؤمن يبصر أخاه بعيونه، ويحافظ على ماله ولو كان غائباً، ويحوطه دفاعاً عنه. وهكذا يمضي الإسلام في تقرير هذه الحقوق وإيجادها لتكون دستوراً تلتقي الجماعة المسلمة عنده وتعتصم به.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق