د. محمّد الرشايدة/ أكاديمي من الأردن
◄بات البحث عن سُبُل لمساعدة ذوي الإعاقة مطلباً مُلحاً وأمراً لا خلاص منه، خصوصاً إن عرفنا أنّ عدد المعاقين قد بلغ المليار شخص، وهو ما يعادل 15 في المئة من سكّان هذا العالم، ولهذا السبب نجد أنّ منظمة الصحّة العالمية اعتبرت الأشخاص ذوي الإعاقة هم أكبر مجموعة من الأقليات في العالم.
بعيداً عن الإحصائيات والنسب حول عدد ذوي الإعاقة، مَن منّا لم يسبق له أن رأى معاقاً، أو مَن منّا خلا محيطه الأُسري والاجتماعي من ذوي الإعاقة، أو مَن منّا ليس معرَّضاً لخطر الإعاقة؟
سيكون الجواب طبعاً أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة موجودون في كلّ مكان، فقد ترافق الإعاقة الإنسان منذ لحظة ولادته أو حتى قبلها لأسباب وراثية أو جينية أو بيئية، وأنّ الإنسان السليم يبقى معرَّضاً لخطر الإصابة بالإعاقات المختلفة طوال سنوات عمره، فقد تنجم الإعاقة الطارئة مثلاً عن حادث سير أو إصابة عمل أو نتيجة لتفاقم بعض الحالات المرضية.
- مَن هو الشخص ذو الإعاقة؟
بحسب اتفاقية الأُمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإنّ مصطلح «الأشخاص ذوو الإعاقة» يشمل كلّ مَن يعانون اعتلالات طويلة الأجل، سواء كانت اعتلالات بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّية، قد تمنعهم من المشاركة بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين.
- معدّل الإعاقة في الدول العربية:
سبق أن أوضحت أنّ 15 في المئة من سكّان العالم يعانون حالة إعاقة. أمّا بالنسبة إلى الدول العربية، فقد بلغ معدل انتشار الإعاقات فيها نحو 9,2 في المئة، حيث تتراوح نسبة ذوي الإعاقة بين 4,0 و9,4 في المئة.
ويظهر جلياً من الأرقام السابقة انخفاض معدل انتشار الإعاقة في الدول العربية، وهو أمر لا يتناسب مع الواقع الحقيقي لتلك الدول، حيث يمكن لنا القول إنّ واقع تلك البلدان يقف عائقاً أمام تصديق تلك النسب.
لكن حتى نكون أكثر دقة في تحليلنا لمدى انخفاض تلك النسب، نقول: «يعاني الدارس لحالات الإعاقة في المنطقة العربية صعوبات واسعة النطاق في أثناء بحثه عن المعاقين، وفي محاولته لجمع بياناتهم وتحليلها، ويقف وراء ذلك عوامل عدّة، أهمّها خوف أُسرة المعاق من الوصمة الاجتماعية. وبعبارة أُخرى، خوفهم من العار الذي قد يلحق بهم لوجود معاق بينهم، وهذا يشكّل رادعاً لهم فلا يبادرون للإبلاغ عن حالات الإعاقة».
- أسباب زيادة انتشار الإعاقة:
نلحظ أنّ معدلات انتشار الإعاقة في ازدياد مستمر، يقف وراء ذلك أسباب كثيرة، منها على سبيل المثال: الشيخوخة، الأمراض المزمنة، سوء التغذية، حوادث المرور، العنف، والحروب.
ولبيان مدى التزايد السريع في عدد الأشخاص ذوي الإعاقة خلال فترة زمنية قصيرة، نقول مثلاً إنّ هناك قرابة 3 ملايين شخص يعانون الإصابات والإعاقات من جراء النزاع السوري منذ بدايته عام 2011، مع الإشارة إلى أنّ كثيراً منهم سيعانون إعاقات مدى الحياة.
- أهميّة العمل لذوي الإعاقة:
يعتبر العمل أحد أهم الأنشطة في حياة الأفراد، سواءً كانوا أفراداً سليمين أو من ذوي الإعاقة، وممّا لا شكّ فيه أنّ حاجة المعاق للعمل تفوق حاجة السليم له، وذلك يعود إلى أنّ المعاق مهدد أكثر من غيره بالإصابة بالأمراض النفسية الناجمة عن العزلة الاجتماعية كالاكتئاب وغيره، فالعمل لذوي الإعاقة يشكّل فرصة مهمّة للحدِّ من هذه العزلة، فهو يُعدّ عنصراً أساسياً لتحقيق الدمج الاجتماعي والاستقلال الاقتصادي، وبالتالي الاعتماد على الذات، وفيه أيضاً تلبية لعدد من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك الحاجات الخاصّة لتنظيم الوقت وإدارته، وتنمية مهارات التفاعل الاجتماعي، التي تساعد بدورها على الحفاظ على الصحّة العقلية والجسمية والنفسية لذوي الإعاقة، كما أنّ العمل يتيح للمعاق أن يكون عضواً ناشطاً ومشاركاً في المجتمع، وهذا الأمر يسهم في تنمية تقدير الذات عند المعاق.
وقد أكّد عدد من الدراسات أنّ الهدف الرئيس من تدريب وتوظيف ذوي الإعاقة هو مساعدتهم على استعادة استقلالهم، ودمجهم في المجتمع، ونقلهم من مرحلة الاعتماد على الآخرين إلى مرحلة الاعتماد على أنفُسهم، وذلك يسهم في زيادة الوعي المجتمعي في تقبّلهم والتعامل معهم كأفراد سليمين.
- تحدّيات العمل لذوي الإعاقة:
لا شكّ في أنّ كثيراً من ذوي الإعاقة مستعدون للعمل وقادرون عليه؛ لكنّنا نجدهم في الوقت ذاته عاطلين عن العمل، وفي حال حصل أيّ منهم على فرصة عمل فعندئذ سيكون عملاً بنظام جزئي وبراتب منخفض أيضاً، وهذا على الرغم من اعتماد الدول العربية تشريعات إنسانية حقوقية توجب تمكين ذوي الإعاقة من العمل.
وخلاصة القول: إنّ البيانات المتاحة تشير إلى أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة في المنطقة العربية لا يحصلون على فرص عمل جيِّدة أو مساوية لما يحصل عليه غيرهم من الأشخاص السليمين، وهذا ليس لأنّهم يرفضون العمل، بل بسبب وجود صعوبات في وصولهم إليه.
تجدر الإشارة إلى أنّه على الرغم من انتشار حصص العمالة أو «الكوتا» في المنطقة العربية، فإنّ معدلات توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة لا تزال منخفضة بشكل ملحوظ، إلّا أنّه في كثير من الأحيان يتم توظيفهم فقط للوصول إلى النسبة التي تلزمهم الحكومة بتحقيقها، وليس للاستفادة الحقيقية منهم.
علاوة على كلّ ذلك، لابدّ لنا من الإقرار بأنّ واقع ذوي الإعاقة من الرجال يبقى أفضل من واقع ذوات الإعاقة من النِّساء في الدول العربية، حيث تواجه ذوات الإعاقة عوائق إضافية، وبخاصّة في أثناء محاولتهنّ في الوصول إلى العمل أو في التنقل بشكل عام.
وحينما يدخل الأشخاص ذوو الإعاقة سوق العمل، نجدهم يواجهون التمييز الذي يمنعهم في كثير من الأحيان من الإنجاز، بالإضافة إلى أنّ أرباب العمل يضعون توقعات منخفضة واتجاهات سلبية محدّدة لقدراتهم في العمل، وغالباً ما تشكّل تلك الافتراضات التي وضعها أرباب الأعمال أكبر الحواجز أمام الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يحاولون الحصول على فرصة عمل أو حتى الاستمرار في العمل في حال حصولهم على فرصة مناسبة.
- تحسين فرص العمل:
هناك أُمور عدّة يمكن لها أن تزيد من تحسين فرص العمل لذوي الإعاقة، منها:
أوّلاً: العمل على تغيير التوقعات والافتراضات السلبية التي يتبنّاها أفراد المجتمع وأصحاب العمل بشكل خاصّ، والتي تتمثّل في اعتقادهم بأنّ الأشخاص ذوي الإعاقة لا يمكنهم إتقان الأعمال الموكلة لهم.
ثانياً: العمل على تحسين سُبُل التأهيل والتعليم والتدريب لذوي الإعاقة بما يمكِّنهم من الثقة بمهاراتهم، وبالتالي إعدادهم بشكل أفضل للعمل ويفتح لهم أبواب الدمج والاستقلال الاجتماعي.
ثالثاً: العمل على خرق بعض الخرافات أو المعتقدات الخاطئة – سيأتي ذكرها – التي ربّما تعدّ بمنزلة صورة نمطية سلبية في أذهان كثيرين حول عمل ذوي الإعاقة.
وهناك كثير من الأساطير حول توظيف ذوي الإعاقة، لدرجة أنّ عديداً من أصحاب العمل يقلقون من توظيفهم، حيث يخشى بعضهم من التكلفة العالية، بينما يعتقد آخرون أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة لا يمكنهم أداء المهمّة بشكل جيِّد.
والحقيقة هي أنّ عديداً من الأشخاص ذوي الإعاقة لديهم كثير من المهارات والإمكانات التي تتيح لهم المساهمة في القوى العاملة في المجتمع.. وحتى نزيد من فرص توظيفهم، لابدّ من تخليص أصحاب العمل من الخرافات التالية:
الخرافة الأُولى: إنّ توظيف شخص معاق يكلّف كثيراً، وبخاصّة أنّهم يحتاجون إلى إجراء تعديلات في مكان العمل ليتناسب مع ظروفهم.
الحقيقة: هذه واحدة من أكثر الخرافات الشائعة التي نسمعها، حيث لا يحتاج معظم الأشخاص ذوي الإعاقة إلى أي تعديلات في مكان العمل، وبالنسبة إلى أُولئك الذين يحتاجون إلى معدات أو تعديلات خاصّة، فالتكلفة تكون أقل بكثير ممّا يتوقعه معظم الناس. قد تكون هناك بعض التغييرات أو التعديلات التي يجب على أصحاب العمل القيام بها عند توظيفهم عاملاً معاقاً (تسمى هذه التعديلات المعقولة)، مثل توفير منحدرات لأُولئك الذين يستخدمون الكراسي المتحركة، مع العلم بأنّ متوسط التكلفة لتعديل معقول في المملكة المتحدة أقل من 80 جنيهاً استرلينياً.. ومع ذلك، فإنّ غالبية الأشخاص ذوي الإعاقة لا يحتاجون إلى أي تعديلات في أماكن عملهم.
الخرافة الثانية: المعاقون لديهم معدل غياب عن العمل أعلى من زملائهم.
الحقيقة: تشير الدراسات إلى أنّ المعاقين لديهم بالفعل معدلات أقل من الغياب، حيث أظهرت دراسة أسترالية أنّ معدل تغيبهم عن العمل أقل من زملائهم بنسبة 85 في المئة. بينما أكدت الدراسات التي أجرتها الشركات مثل دوبونت الأمريكية، أنّ الموظفين ذوي الإعاقة لا يتغيبون بمرات أكثر من الموظفين غير المعاقين.
الخرافة الثالثة: إذا قمت بتوظيف عامل معاق، فسيتعين على أحدهم مساعدته دائماً.
الحقيقة: من خلال التدريب والدعم المتخصص، وبخاصّة في أثناء تهيئة الموظفين، يتكيّف عديد من العمّال المعاقين – كما هي الحال مع جميع العمال – مع أدوارهم الوظيفية، ولا تؤثر إعاقتهم في قدرتهم على العمل من دون مساعدة.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق