◄يعتمد إنسان العصر الجديد على العديد من المصادر الجديدة في الحصول على المعلومات تختلف جملة وتفصيلاً عن المصادر التقليدية التي ظل يستخدمها الإنسان طول القرن العشرين وعلى رأسها الكتاب، ثمّ وسائل الإعلام المختلفة: الإذاعة والتليفزيون والصحافة.
فقد بدأ الإنسان المعاصر في العقد الأخير من القرن العشرين يلتفت إلى أوعية معلوماتية جديدة كالكتاب الإلكتروني والصحيفة الإلكترونية والإنترنت والقنوات الفضائية، وقد أدى ظهور هذه الأوعية المعلوماتية وغيرها إلى تحول في مفهوم الإعلام والمعلومات.
وتأتي هذه الأوعية كنتيجة للتزاوج الذي حدث بين ثورتي المعلومات والاتصالات، فالثورة الأولى وفرت المعلومات بصورة وصلت إلى حد الانفجار وفرضت ضرورة توافر أدوات ووسائل وأوعية غير تقليدية تساعد الفرد في إدارتها والسيطرة عليها والاستفادة منها، وقد جاءت ثورة الاتصالات لتوفر هذه الأدوات وتلك الوسائل والأوعية من خلال تطوير تكنولوجيا الحسابات كأداة لاختزان وإدارة واسترجاع ثمّ نقل المعلومات، وكذلك تطوير تكنولوجيا الأقمار الصناعية كأداة فائقة لنقل المعلومات من مكان إلى مكان على سطح الكرة الأرضية.
وقد نتج عن هذا التزاوج بين الثورتين الوصول بالمجتمع الإنساني إلى عصر المعلوماتية كحالة تعبر عن قدرة الإنسان على الوصول إلى المعلومات بالخصائص الكمية والنوعية المطلوبة دون وجود حدود مكانية أو زمنية على ذلك، بالإضافة إلى رسوخ المعلومات والمعرفة كمصدر أساسي من مصادر السلطة والقوة في العصر الحديث. وقد أدى المناخ الذي خلقته المعلوماتية إلى تحوّلات أساسية في مجال الإعلام والاتصال الجماهيري تعددت جوانبها وتجلياتها.
لقد أصبح الأمر مختلفاً، فالإعلام اليوم تكنولوجيا متخمة بالمعلومات التي لا يستطيع أي فرد أن يديرها بسهولة، فالمسألة لم تعد مقصورة على كتاب أو صحيفة ينتهي تدفق المعلومات فيه بمجرد وصول القارئ إلى آخر سطر فيه، بل تجاوزت هذا الخط بكثير.
لقد أصبحت المسألة المعلوماتية متجسدة في فيض من المعلومات غير المنتهى، والذي يعتمد على وسائط الكترونية تتضخم سعتها وقدرتها على تخزين المعلومات بشكل مستمر، بدءاً من الأسطوانات المدمجة التي يمكن أن تحتوي الأسطوانة الواحدة منها المعلومات التي تحتويها عشرات الكتب، وانتهاءً بشبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، وبالتالي فقدرة الفرد اليوم على إدارة هذه المعلومات والسيطرة عليها لم تعد سهلة، بل تسير في اتجاه التعقيد بشكل مستمر.
إنّنا يمكن أن نشبه موقف الإنسان اليوم من ثورة المعلومات المستعينة بتكنولوجيا الاتصالات بذلك الشخص الجائع الجالس إلى مادة متخمة بشتى ألوان الطعام بشكل لا ينتهي، وهو مطالب بأن يأكل من هذه المائدة بالمقدار الذي تستوعبه معدته، وهو على كلّ الأحوال مقدار محدود لأنّه يقع في حيز معيّن (حجم معيّن للمعدة) وما أسرع ما تمتلئ معدته بنسبة لا تذكر مما حدود موجود على المائدة، لذا فهو مطالب دائماً بأن يفكر جيداً قبل أن يأكل.
إنّنا بهذا التشبيه التمثيلي لا نبتعد كثيراً عن موضع الإنسان ككائن معلوماتي في هذا العصر، فالذي يتعامل مع شبكة الإنترنت اليوم يقف أمام طوفان من المعلومات في كافة المجالات، وفي كافة الأماكن والمواقع، وطاقة الإنسان على التعامل مع والاستفادة من هذه المعلومات محكومة دائماً بالأسلوب الذي يتعامل به عقله مع هذه المعلومات، فلابدّ أن يتعلم كيف يوظف عقله على النحو الأمثل في إدارة هذه المعلومات، كما عليه أيضاً أن يستخدم هذه المعلومات بشكل هادف ويديرها بأسلوب غرضي.
وإنسان هذا العصر مطالب أيضاً عند تعامله مع وسائل الإعلام بقدرات أخرى تختلف عن إجادة القراءة والكتابة تتعلق بالإلمام بالكثير من قواعد التعامل الإلكتروني – وخصوصاً مهاراة التعامل مع الحاسبات – إنّه مثقف تكنولوجي في الأساس يجيد التعامل مع الأدوات الإلكترونية التي تحمل المعلومات التي يرغب في الحصول عليها. إنّه يستطيع إذا أوتى الثقافة الإلكترونية أن يحصل على المعلومات، حتى ولو لا يجيد القراءة والكتابة، فبرامج الحاسب المتوافرة اليوم يمكن أن تقوم بهذا الدور عنه إذا أجاد التعامل معها.
إنّ البشر يعيشون مع مشارف القرن الحادي والعشرين تحت مظلة معلوماتية وسحابة تكنولوجية تغطي كافة جوانب حياتهم، والتواؤم مع العصر الجديد يفرض ضرورة استيعاب التحولات التي طرأت على مفهوم المعلومات وطبيعتها وأدواتها.
فالمعلومات اليوم تخترق كافة جوانب حياتنا، وتتدخل في كافة قراراتنا، بدءاً من اتخاذ قرار بالخروج من المنزل أو المكوث فيه بناء على قراءة أو الاستماع إلى النشرة الجوية التي تشرح أخبار الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة، ومروراً باختيار الثوب الذي يلبسه الإنسان، والسيارة التي يقتنيها، والمنزل الذي يعيش فيه، والمدرسة التي يلتحق بها ابنه، وانتهاءً بقراراته الاقتصادية وأين يوجه استثماراته وكيف يستثمر أمواله، كلّ هذه الأسئلة وغيرها كثير تتمثل إجاباتها في الحصول على معلومات معينة من خلال الأوعية الإعلامية والاتصالية المختلفة التي يتعامل معها الإنسان.
لقد أسقطت ثقافة المعلوماتية – في ظل مفهوم العولمة – Globalization حدود السياقات المكانية والزمنية. فالعولمة ببساطة هي ظاهرة التوحد الثقافي والاقتصادي التي يشهدها عالم اليوم، مع عدم إغفال بقية النواحي، من سياسة واجتماعية، ولكن التوحد الثقافي والاقتصادي يبقى هو الظاهرة الأبرز. ونقول يشهدها عالم اليوم لأنّ الثورة التقنية الأخيرة، أو الثورة في تأريخ البشرية، في وسائل الاتصالات والمعلومات جعلت من العولمة ظاهرة واضحة للعيان.
لقد جعلت ثورة الاتصالات والمعلومات من الثقافة تكنولوجيا ومن التكنولوجيا ثقافة، وأسقطت فكرة ارتباط الشخص عملياً بمكان أو بمصدر معيّن عند الرغبة في الحصول على معلومات. فالمثقف في عصر المعلوماتية يعتمد على أدوات تكنولوجية في الحصول على المعلومات التي يرغبها ولا يهم أن تكون هذه المعلومات موجودة على بعد أميال منه فالمكان لم يعد مشكلة والحدود لم تعد سياجاً على تدفق المعلومات من أو إلى أي شخص أياً كان موقعه على سطح الكرة الأرضية طالما كان هذا الشخص ممتلكاً للأدوات التي تساعده على الحصول على المعلومات.
إنّ التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصالات أحدثت ثورة في مفهوم الثقافة، فأنزلتها من أبراجها العاجية، وأسقطت فكرة البصيرة والنفاذ من أجل الفهم – كما يذهب الغذامي – وجعلتها مفهوماً أكثر شمولاً يحتوي في داخله على كافة المفردات والخبرات التي تساعد الإنسان على الحياة، كما جعلت الثقافة أكثر ديمقراطية، وجعلت المعلومة متوافرة في كلّ وقت. ويكفى في هذا الصدد النظر إلى الثورة التي تشهدها البنوك في مجال المعاملات نتيجة للتكنولوجيا من خلال توفير خدمات لمدة 24 ساعة على مدار اليوم على مستوى العالم من خلال خدمات تليفونية أو بواسطة التليفزيون أو من خلال الحاسب الآلي للعميل في المنزل.
ويزداد بمرور الوقت تأثير واتساع الشبكة الدولية للمعلومات "إنترنت" ويتبادل المشتركون فيها البيانات والمعلومات في كافة المجالات، ويزداد عدد المشتركين في هذه الشبكة بشكل مستمر. كما يزداد انتشار التليفون المحمول حول العالم. وتساعد تكنولوجيا المعلومات وإنشاء شبكات المعلومات عن طريق الألياف الضوئية على إيجاد روابط جديدة بين الأُمم والمنشآت والأفراد وتبادل الأفكار والابتكارات والبيانات بسرعة كبيرة.
كلّ هذه الأمور أحدثت انقلاباً في مفهوم الثقافة والمثقف، فأصبحت الثقافة المعلوماتية تعني الحياة، والحياة تعني الثقافة، وأصبح المثقف مصطلحاً دالاً على ذلك الشخص القادر على امتلاك مهارة استخدام والتعامل مع الوسائط الجديدة المستخدمة في نقل المعلومات، والتي تتطلب منه باستمرار أن يكون أكثر إيجابية، وأكثر قدرة على تحديد احتياجاته المعلوماتية بشكل دقيق وواضح في ذهنه. وأصبحت الفروق في درجات الثقافة بين البشر هي فروق في القدرة على استعمال العقل في تشغيل المعلومات المتراكمة (كماً ونوعاً) بشكل يحقق أعلى درجة من الانتباه، ثمّ الفهم، ثمّ التذكر الإيجابي للمعلومات لتحقيق أعلى درجة من الاستفادة والفائدة العملية منها.►
المصدر: كتاب دراسات في الإعلام الإلكتروني
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق