من الأحداث العظيمة في شهر رمضان المبارك نزول التوراة، حيث كان النزول المبارك في السادس من الشهر الجليل على نبيّ الله موسى (ع)، فكان هبوط لكلمات النور ورسالة الإصلاح وشرائع إلهية وهبة من مواهب الرحمن التي لا تنقطع. حيث أنجى الله بني إسرائيل من عدوهم، وأغرق فرعون وملأه، ودمر ما كانوا يصنعون، وانتهت معركة موسى مع فرعون لتبدأ معركة أخرى، يواجه فيها ضلال قومه، وردتهم إلى الجاهلية، ولقد عاش بنو إسرائيل في ظل الوثنية الفرعونية زمناً طويلاً حتى تشربتها نفوسهم، ففسدت طبيعتهم، والتوت فطرتهم، وانحرفت تصوراتهم، معركة موسى الآن هي استصلاح نفوس بني إسرائيل من ذل الطاغوت الفرعوني، وسيكون جهده، في مثل هذه الحال، جهداً مضاعفاً، ومن ثم يجب أن يكون صبره مضاعفاً كذلك. فما أن جاوزوا البحر حتى وقعت أبصارهم على قوم وثنيين، عاكفين على أصنام لهم، مستغرقين في طقوسهم الوثنية؟ وإذا هم يطلبون إلى موسى، رسول رب العالمين، الذي أخرجهم من مصر باسم الإسلام والتوحيد، أن يتخذ لهم وثناً يعبدونه من جديد! ويغضب موسى (ع) يغضب لربه، سبحانه ويغار على ألوهيته أن يشرك بها قومه، فيقول قولته التي تليق بهذا الطلب العجيب: "قال إنكم قوم تجهلون، ثم يمضي يكشف لقومه سوء عاقبه القوم الذين رأوهم يعكفون على أصنام لهم، فأرادوا أن يقلدوهم: إن هؤلاء متبر ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعملون"، ثم يذكرهم فضل الله عليهم أن أنجاهم من عدوهم، وفضلهم على العالمين في زمانهم، باختيارهم لرسالة التوحيد من بين المشركين، كما أنه اختارهم لثورتهم الأرض المقدسة، التي كانت آنذاك في أيدي مشركة، فكيف بعد هذا كله يطلبون إلى نبيهم أن يطلب لهم إلها غير الله. ثم أراد الله تكريم سيناء، بأن يكلّم فيها موسى وينزل عليه التوراة في ألواح، شريعة مفصلة لبني إسرائيل، فكانت مواعدة الله لعبده موسى ليلقاه ويتلقي عنه، بعد ثلاثين ليلة، أضيفت إليها عشر، فبلغت عدتها أربعين ليلة، يروض موسى فيها نفسه على اللقاء الموعود، وينعزل فيها عن شواغل الأرض ليستغرق في هواتف السماء، ويعتكف فيها عن الخلق ليستغرق فيها في الخالق الجليل، واستخلف موسى أخاه هارون على قومه. فلما انقضت الأربعون ليلة، ذهب موسى للقاء ربه، كلّمه ربه، وفي غمرة هذه اللحظة العظيمة، تشفت نفس موسى إلى أمر جلل، وطلب ما لا يكون، وما لا يطبقه بشر في هذه الأرض، قال: "رب أرني أنظر إليك" فجاءه الرد الحاسم، "لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني"، ثم تجلى المولى للجبل فجعله دكاً وخر موسى صعقاً مغشياً عليه، غائباً عن وعيه، فلما أفاق قال: سبحانك تبت إليك عن تجاوزي في سؤالك؟ وجاءت البشرى، (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الأعراف/144).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق