• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حكمة الصيام

حكمة الصيام

تعددت النصوصُ الشريفة المبيّنة لحكمة تشريع الصوم، ففي حين رسم القرآن الكريم (التقوى) هدفاً أساساً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، بيّنت روايات أهل بيت العصمة (عليهم السلام) أهدافاً متعدّدة تصبُّ في خانة التقوى نذكر منها:

 

الشعور بالفقراء:

وهو ما ذكره الإمام الصادق (ع) لصاحبه الجليل هشام بن الحكم حينما سأله عن حكمة وجوب الصيام فقال (ع): "إنّما فرض الله عزّ وجلّ الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك انّ الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير، لأنّ الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مسّ الجوع والألم ليرقّ على الضعيف فيرحم الجائع".

 

تذكر الآخرة:

فقد روي عن الغمام الرضا (ع) تبيان لحكمة الصوم بقوله: "لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش، فيستدلوا على فقر الآخرة..".

 

الصبر على الطاعة:

ويكمل الإمام الرضا (ع) الحديث السابق بقوله: ".. وليكون الصائم خاشعاً ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً عارفاً صابراً لما أصابه من الجوع والعطش..".

 

التحرّر من سيطرة الشهوات:

ويكمل الإمام (ع) بقوله: "مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات..." فالصوم يعرِّف الإنسان بقدرته على السيطرة على شهواته وعاداته لينظمها هو كما يريد بدل أن تجرفه هي إلى حيث تميل.

 

التذلل لله تعالى:

فعن أمير المؤمنين (ع): "وعن ذلك ما حرسَ اللهُ عبادهُ المؤمنين بالصلوات والزكوات ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات، تسكيناً لأطرافهم، وتخشيعاً لأبصارهم، وتذليلاً لنفوسهم، وتخفيضاً لقلوبهم، وإذهاباً للخُيلاء عنهم. لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولحوق البطون بالمُتون من الصيام تذلّلاً".

 

تثبيت الإخلاص:

وهذا ما ذكرته سيدة نساء العالمين (ع) في خطبتها المعروفة قائلة: "فرض الله الصيام تثبيتاً للإخلاص".

ففي الصوم خصوصية بين العبادات عبّر عنها أمير المؤمنين (ع) بقوله: "الصوم عبادة بين العبد وخالقه لا يطلع عليها غيره وكذلك لا يجازي عنها غيره".

فالصائم يشعر ولو كان وحيداً بمراقبة الله تعالى له مما يثبِّت حالة الإخلاص لله في نفسه، ومع مراعاة هذا الأدب الباطني يشعر الصائم بالأنس مع الله تعالى فيعشق عبادته ليكون أفضل الناس كما حدّثنا رسول الله (ص) بقوله: "أفضل الناس مَن عشق العبادة فعانقها، وأحبها بقلبه، وباشرها بجسده وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر".

ولعل عشق العبادة التي منها الصيام يتبيّن حينما نتعرف على معنى العشق في اللغة، فإنّ كلمة العشق مأخوذة من نبتة تسمّى "عشقة" تلصق نفسها بشجرة تعيش عليها ولا تتركها حتى تذبل الشجرة فيقال لها: أصابتها عشقة.

فالعاشق إنسان أصابته العبادة فصام لله تعالى واستكان إليه وخضع له فاصفر لونه وضعف بدنه، لذا قالوا: إنّ من أسرار الصيام هو أنّه يقلل النشاط الحيواني للإنسان مثل الشجرة التي أصابتها عشقة فاثر ذلك عليها.

وهذا العشق للصيام يوصل الإنسان إلى القرب الإلهي الذي بيّن الله مرتبته بقوله: "الصوم لي وأنا أجزي به"، فلم يكتف تعالى بالقول "الصوم لي"، بل قال: "وأنا أجزي به" فقدم ضمير المتكلّم "أنا" على الفعل ولم يقل "وأجزي به" ليبين المرتبة العليا لمن سار في طريق عشق الصيام عشق الكتابة على الذين آمنوا لعلهم يتقون.

ارسال التعليق

Top