• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عادات المطالعة الحسنة والسيئة

جيرهارد هورنر/ ترجمة: محمد جديد

عادات المطالعة الحسنة والسيئة
◄- المواد المساعدة في المطالعة: لقد لاحظت طفلاً يتعلّم القراءة! إنّه يضع إصبعه بدقة تحت الحروف أو الكلمات التي يقرأها الآن، فلماذا؟ لأنّ الطفل يرفع، بهذه الوسيلةِ المُساعِدَةِ درجة تركيزه وانتباهه. وكذلك يستخدم معظم الكبار إصبعاً أو قلماً أو مسطرة عندما يبحثون عن رقم في دليل هاتف أو عن كلمة في قاموس، ولكننا أقلعنا عن هذا النوع من الوسائل المساعدة البصرية، لأن منظر الناس الذين يستخدمون إصبعهم في القراءة يبعث لدينا تداعيات سلبية: تلاميذ مدرسة إبتدائية، وتهجئة، ونقص في الذكاء... وهذا باطل بطلاناً مطلقاً، ذلك لأنّ العين البشرية كُتِبَ عليها، على وجه الخصوص، أن تتابع الحركات البصرية ويضاف إلى ذلك أنّ الوسائل تلك تساعد على القراءة وتخفِّض الجهد المبذول من قبل العين إلى الحدّ الأدنى، ولذلك تستطيع بهذه الوسائل المساعدة أن تقرأ قراءة أسرع مع فهم لا يقلُّ جودة. وما من شك في أنّه يُفضَّلُ استخدام عودٍ يتخذ للأكل أو إبرة تريكو بدلاً من الإصبع وقلم رصاص لأن هذه الأشياء لا تحجب عنك النظر إلى النص. وأكثر الأشياء فعّالية هي أن تتوقف تحت سطرٍ ما وتتحرّك في المجال الأوسط من الصفحة حركة إنسيابية نحو الأسفل.   -         التهجئة: التهجئة أيضاً تساند المتعلِّم البسيط لحروف الهجاء مثلما تسانده السبابة في تعلُّم القراءة، ولكن على النقيض من الوسائل المساعدة على القراءة، لا ينبغي لك، بحكم كونك كبيراً، أن تلجأ إلى هذه الطريقة بعد. ذلك لأن هذا الاسلوب في القراءة يهدر الوقت كثيراً من ناحية، إذ يجب عليك أن تستوعب كل الحروف إستيعابك لصورة واحدة قائمة بذاتها، لكي تُشكِّل منها بعد ذلك كلمة. ومن ناحية أخرى، فإنّ التهجئة تجعل الفهم الإجمالي صعباً جداً. فإذا كان لك مِران على القراءة إلى حدٍّ ما، كان في وسعك أن تتخلى عن التهجئة دون مشكلات، وعندئذٍ سيكفيك فقرة جزئية من النص لتُشكِّل منها كُلاًّ، وأمثلة ذلك أنّ أجزاء الكلمة B ch st be وM th de تدعك تعرف بسهولة بلا ريب أنّ هذه الأجزاء تكمن وراءها الكلمتان: Buchstabe, Methode بالتأكيد.   -         القراءة كلمة كلمة: تَصوَّر أنّك ترى فيلماً كاملاً في عرض بالحركة البطيئة، ولئن كان هذا في البداية، ومن حيث المشاهد المنفردة، كلٌّ على حدة، جذاباً، فلا ريب في أنّه سيغدو مملاً بعد هنيهة. ولمّا كان دماغك قد استنفد قدرته على التحمل، فهو يتوقّف عن العمل ولا يعود يفهم شيئاً وينتابه التعب. والحال كذلك أيضاً في حالة القراءة كلمةً كلمة، فعلى الأغلب لا تتضمّن الكلمة إلا قليلاً من المضمون الذي ينطوي على المعلومات، ولا ينجمُ سياق له معنى إلا من خلال العلاقة المتبادلة مع كلمات أخرى، وعندها تزداد سهولة فهم المقروء. وذلك أنّ القارئ القليل الميزان سوف يُقسِّم – مثلاً – الجملة الآتية إلى عدد جَمٍّ من مجموعات الكلمات: "لئن كان، مازال من الممكن، قبل مئتين وخمسين عاماً، بالقياس إلى امرئ، من أنصاف المثقفين، أن يحيط بكامل طيف المعلومات، بنظرة شاملة، فإن هذا يمثِّل، حتى في هذه الأيام، بالنسبة لأكبر العبقريات، مسألة تضاهي عملية، تربيع الدائرة، أي معضلة تستعصي على الحل!، ومن أجل ذلك". وفي مقابل ذلك، فالقارئ المدرَّب يخرج من هذه بقدر من حالات الإنقطاع أقلَّ من هذا. "لئن كان مازال من الممكن، قبل مئتين وخمسين عاماًن بالنسبة إلى امرئ من أنصاف المثقفين، أن يحيط بكامل طيف المعلومات بنظرة شاملة، فإن هذا يمثل حتى في هذه الأيام بالنسبة لأكبر العبقريات، مسألة مثل تربيع الدائرة" أتُراكَ تعتقد أنّك مازلت غير قادر على تشكيل مجموعاتٍ كبيرة من الكلمات؟ أنت قادر على ذلك بالطبع، وذلك أنّ عينيك آخر الأمر تتمتعان بمقدرة لا تكاد تُصدَّق: فبهذه الطريقة لا تؤدي الخدمة سوى 20 بالمئة من المئتين وستين مليوناً من مستقبلات الضوء في منطقة البشرة الشبكية الخاصة بطاقة الرؤية المباشرة أو المركزية، ولنقل أو فلنكتب، في مقابل ذلك 80 بالمئة، أي 208 مليون من مستقبلات الضوء التي تخص الرؤية المحيطية أو الهامشية. وذلك أنّه يوجد تحت تصرفك مجال رؤية أكبر إلى حد بعيد ممّا تعتقد على الأرجح وهذا المجال يكفي عند بعض الناس لمدى يمتد في حال نشر المرء ذراعيه، من رؤوس أصابع اليد الواحدة إلى رؤوس أصابع الأخرى. وكلّما قصرت المسافة المؤدّية إلى شيء ما صَغُر مدى الرؤية، وإذا طبّقنا هذا على مقدرة القراءة فهو يعني أنّك عندما تنظر إلى كلمة من مسافة 30 سنتيمتراً، لا تدرك نظرتك هذه الكلمة فحسب، بل تدرك مساحة دائرية يبلغ قطرها عشرة سنتيمترات حواليها.   -         ضبط بالحركات: وهذه الطريقة أيضاً تكبح سرعة القراءة بدرجة بالغة، وذلك أنّه في حالة الضبط بالحركات يزداد النص أو يقلّ وضوحاً مقارنةً مع الوسائل الكلامية، فالشفتان واللسان والحبال الصوتية لا تقارب في سرعتها سرعة العين والدماغ ولو مجرّد مقاربة. وهذا ما يُوضِّحه المثال الآتي: انظر من النافذة، ثمّ أغمض عينيك، ثمّ ابهَرهُما بعد ذلك لحظة وجيزة بفتحهما. وفي هذه اللحظة تدرك وتعالج قدراً كبيراً من الأمور. إنّه قدر أكبر بكثير مما كان في وسعك أن تُعبِّر عنه بالكلمات ضمن المدة الزمنية ذاتها. ويمكنك أن تتجنَّب الضبط بالحركات بأن تضع قطعة صغيرة من الورق بين شفتيك أو تلوك علكة.   -         الضبط الجزئي للحركات: الإنسان كائن يجنح إلى الغمغمة بطبيعته، إذ يتحدّث في أثناء القراءة، وفي هذه الحالة – وعلى النقيض مما يكون في حالة الضبط بالحركات – لا تكون الغمغمة بالوسائل الصوتية، بل تتم بغير صوت، في الذهن. أمّا مسألة إعاقة هذه العادة سرعة القراءة من عدمها، فتلك مسألة تختلف فيها العقول، إذ يُنظَر إلى الضبط الجزئي للحركات في كثير من كتب القراءة السريعة ومناهجها على أنّه عائق لابدّ من التغلُّب عليه، لأن مشاركة الذهن في الحديث تستغرق من الوقت، فيما يقال، مثلما تستغرقه المشاركة الفعلية في الحديث. وإضافة إلى ذلك، فهي تسدُّ باب العمل أمام الدماغ. وثمة آخرون من معلِّمي القراءة السريعة، مثل طوني بوزان، يرون بدورهم في الضبط الجزئي للحركات، أمراً لا مناص منه. وأوّلُ ذلك أنّه يورد تشكيلة الكلمات التي تطبعها العينان على منطقة الشبكية، في تسلسل لغوي، وثانيه أنّ هذه العادة، لا تمثِّل، فيما يقال، عائقاً في طريق القراءة مادام الدماغ مستعداً لأن يضبط الحركات، ضبطاً جزئيا، يصل إلى 2000 كلمة في الدقيقة، والثالث يقول إنّه يكاد يكون من المستحيل إلغاء هذه العادة بصورة كاملة، ولذلك لا ينبغي لك بحال من الأحوال أن تُفرِط في تعريض نفسك للضغط لإلغاء الضبط الجزئي للحركات. فمن الممكن أن يفضي هذا إلى تثبيط همتك في العادة، وسرعان ما تفقد المتعة في المطالعة.   -         القراءة البطيئة: ربّما تعرف مشكلة قيادة السيارة، عندما تكون في الطريق، ببطء، كثيراً ما تنطلق دونما تركيز، وسائق السيارة ينظر في المنطقة حواليه، إلى البشر، ولا يلتفت إلى حركة المرور إلا إلتفاتاً هامشياً. وعلى هذا النحو تسير الأمور في حالة المطالعة. فعليك بالقيام بالإختبار الآتي: اقرأ صفحة، مُتعمِّداً أن تكون سرعتك أبطأ كثيراً من الحد الطبيعي. ولما كان دماغك لا يُطلَب منه الكثير فإنّ أفكارك تشرد هنا وهناك، والحق أنّك لاحظت النص بعينيك، غير أنّك لم تدركه، أي إنّك لا تقرأ قراءة مُركَّزة إلا عندما تقرأ بسرعة، ولا تستطيع أن تفهم النص أيضاً حق الفهم إلا بالقراءة المركَّزة. فكيف تستطيع أن تقلع عن عادة القراءة البطيئة؟ لا تستطيع ذلك إلا بأن لا تعطي دماغك وقتاً ليهتم فيه بأمور أخرى. وقبل أن تسرع في القراءة ينبغي لك، من أجل ذلك أن تبرمج نفسك على السرعة. وتستطيع أن تُصَعِّد إهتمامك بنصٍّ من النصوص، عندما تُفكِّر قبل القراءة فيما يمكنك أن تقوله بصدد هذا الموضوع. وثمة إشارة أخرى: حاول دائماً أن تتبع فكرة المؤلف، ولتكن مهتماً بأطروحاته، وعليك بملازمة جوهر الموضوع دائماً! وأفضل ما تصل به هذا هو أن تتصوّر الأحداث التي يجري وصفها في النص تصوُّراً محسوساً مجسَّداً.   -         عمليات النكوص أو الإرتداد إلى الوراء: يُفهَم من كلمة النكوص الرجوع المتواصل إلى الوراء، إلى كلمات وجمل وفقرات لإعتقاد المرء أنّه لم يفهمها مطلقاً أو لم يفهمها على الوجه الصحيح. إنّ هذه العادة تكلفك الكثير من الوقت، والسبب: هو أنّك في حالة النكوص تمضي ثلاث خطوات إلى الأمام، ثمّ ترجع إلى الوراء بعدها على خطوتين من جديد، ذلك لأنّك تزيد من عدد عمليات تثبيت النظر في كل صفحة وتُبَطِّئ من جرّاء ذلك عملية القراءة، ولكن هذا غير ضروري أبداً، لأن عمليات النكوص قلَّما تزيد من القدرة على فهم النص، وهذا ما قررته الدراسات الخاصة بالقراءة، إذ تفيد أنّ فهم شخوص الإختبار – الذين كان فريق منهم يقرأ مع عمليات نكوص وكان فريق آخر يتخلى عن ذلك عامداً – لم يختلف بعضه عن بعض إلا قليلاً. والنتيجة هي أنّ عملية النكوص عادة حمقاء لا تمت بصلة إلى الفهم إلا من حيث الظاهر فحسب، والأحرى أنّ النكوص المتواصل، والعودة إلى الكلمات والجمل والفقرات إنّما هي نتيجة لنقص الفهم. وإضافة إلى ذلك، فإنّ النكوص يمت بصلة وثيقة للغاية إلى عادة القراءة البطيئة وغير المُرَكَّزة: والحق أنّ عينيك تتلمَّسان النص، ولكن دماغك ما يفتأ ينتابه الشرود المرّة بعد الأخرى والنتيجة أنّه لا يستوعب المقروء إستيعاباً صحيحاً. ولكن كيف تستطيع أن تلغي عمليات النكوص؟ أوّلاً: عندما تتجنّب – عن وعي وقصد – العودة إلى مواضع من النص، حتى وإن لم تكن قد فهمت شيئاً معيّناً في الظاهر على وجهه الصحيح. ثانياً: بأن تُلِح، عن وعي، على موضوع السرعة، وتحاول في هذا الصدد أن تحافظ على إيقاع منتظم متوازن لحركات عينيك، حتى وإن كان فهمك في البداية لا يستطيع أن يجاري سرعة القراءة.►   المصدر: كتاب القراءة السريعة المهنية

ارسال التعليق

Top