عايدة حبيب المخلوق
◄(... إنّني أتساءل بحيرة لماذا خلقني الله؟ أخلقني لأشقى؟؟؟ فأنا لم أشعر بالسعادة ولا بطعم الحياة أو أنّ هناك على الأقل من يحبني فأنا أحب كل الناس... كل الناس ولم أكره في هذه الدنيا غير نفسي، فأنا في نظر والديَّ والآخرين غير جدير بالاحترام وتحمّل المسؤولية لأنّهم مازالوا يرونني طفلاً صغيراً. لا أستطيع التعبير عن شيء سوى الاختناق والصمت.. أصبحتُ قريباً لفقدان ذاكرتي، كثير القلق والتفكير، عديم الثقة بنفسي، أي عمل أقوم به أخاف من نتائجه وأتردد في القيام به. لدي الكثير من الكلام المؤلم ولكني أحس بحاجة ماسّة إلى البكاء، فلا يوجد من يفهمني، إنني أعرف أني أموت موتاً بطيئاً فأنا أفقد الشعور بحواسي، أصبحت لا أحس بأي شيء ولا أشعر بالفرق بين السعادة والتعاسة، وعندما أبث شكواي إلى والدي يقول لي إن كل إنسان تمرّ عليه فترات حزينة ويمر بحالات نفسية... هذا فقط ما أسمعه منه، أما والدتي فهي دائماً خارج المنزل وقلما أجد منها الالتفات والعون على ما لديَّ من مشكلات، وعندما أخطىء ولو خطأً بسيطاً ينهالا عليَّ باللوم والتهديد وكأنهما لا يخطآن أبداً، لم يسألاني يوماً عن سبب تصرفي بهذه الطريقة وماذا أريد. وأنا الشخص الوحيد في البيت الذي يعاملانه بهذه الطريقة فإخواني وأخواتي الذين هم أصغر سناً مني هم في نظر أمي وأبي ملائكة، أما أنا فدائماً موضع اللوم والتأنيب، وأشد ما يحزنني عندما أجد والديَّ سريعَي الالتفات إلى أخطائي وكأني ملاك يجب أن لا يخطىء، وفوق ذلك يجب أن أتحمل أخطاء غيري من أفراد الأسرة وأنا لا أجد في هذا شيئاً من الإنصاف والعدل!! لماذا لم يسألاني عن مصدر الخطأ قبل التوجّه إليَّ بالاتهام؟؟
كل هذا يحدث لي دون أن أحظى بشيء من الحرية.. فأبواي دائماً يشدّدون عليَّ قبضتهما وقد فاتهما أن يدركا أنّه كلما حاولا التشديد على شخص والتضييق عليه، جهد هذا الآخر في التخلص والانفلات والحصول على الحرية بأي طريقة وإن كانت خاطئة، ولكنني كلما حاولت التخلص من هذا القيد ازدادت قبضة والديّ عليّ حتى إنني أشعر أن ملابسي مدبسة بملابسهما.
أنا بحاجة ماسة لمن يفهمني، ويجيب على أسئلتي، بحاجة إلى من يستمع إلى أحزاني ويشاركني أحلامي وأفراحي، لست بحاجة إلى موجّه فقط يلقي عليَّ الأوامر ويلومني، وينتقدني باستمرار... أريد أن أجرّب وأخطىء وأتعلم من أخطائي حتى أستطيع أن أصل إلى مرحلة أكون فيها واثق الخُطى معتمداً على نفسي بشيء من التوجيه والحنان لا التسلط والقهر).
ابني العزيز.. ابنتي العزيزة...
إنّ الإنسان لكي ينتقل من مكان إلى آخر يجد الكثير من التغيرات سواء في المكان أو الناس أو الأجواء المحيطة ويحتاج إلى وقت لكي يتأقلم معها. كذلك هي المرحلة التي تمر/ تمرّين بها فهي مرحلة انتقال من عالم الطفولة بما فيها من البراءة والاعتماد على الآخرين إلى مرحلة جديدة ومختلفة تماماً، وهي مرحلة الرشد، وفي هذه المرحلة يسعى الفتى ليكون شخصاً ذا كيان مستقل يرفض أي تدخل من الآخرين في شؤونه الخاصة. ولكي يصل إلى مرحلة الاستقلال والنضج هذه لابدّ أن يمر بمرحلة المراهقة، فهي مرحلة ولادة جديدة بكل ما تعنيه هذه الكلمة، يمر بها جميع الأفراد ولكن كل فرد يختلف عن الآخر في تكيفه مع تلك المرحلة، فالبعض يتجاوز تلك المرحلة بشخصية متوازنة واثقة متكيفة مع الآخرين، والبعض الآخر وبسبب الظروف المختلفة يتجاوزونها بشيء من الإحباط.. فنجد بعضهم يعاني من الأمراض النفسية كالاكتئاب مثلاً والبعض يلجأ إلى معاداة المجتمع.. ومع ذلك فهي مرحلة طبيعية تنتهي ليصل الإنسان إلى مرحلة الرشد.
أرشدونا كيف نتصرف إزاء مشاعرنا؟ إننا لا نعرف ماذا يجري في داخلنا وماذا نريد؟
أنا معك يا عزيزي/ عزيزتي في أن ما يعانيه الفتى أو الفتاة في هذه المرحلة من الخوف وتقلّب المزاج بشكل سريع ومشاعر الكراهية التي قد يوجهها إلى نفسه ويتمنى لو لم يُخلق، كما أنّ القلق على الدراسة والوظيفة هي مشاعر صعبة ولا يوجد من يقول انّها فترة تمر دون قلق عظيم، ولكننا إذا عرفنا أنّ في هذه المرحلة بالذات تحدث تغيرات حيوية تؤثر في نفسية الإنسان وعواطفه ويكون السبب الرئيس فيها هو نشاط الغدد الداخلية والإفرازات الهرمونية التي تؤثر على جميع أجزاء الجسم وتسبب التغيرات التي سوف تحدث داخلياً وخارجياً لكي يتحول إلى إنسان ناضج. فهذه المرحلة إذن مرحلة ولادة جديدة يكون الإنسان فيها أشبه ما يكون في مركبة تتأرجح به في جميع الاتجاهات وتكون غير ثابتة حتى تصل به إلى برّ الأمان، بالطبع ليس معنى ذلك أن تستسلم للحزن واليأس والبكاء، ولا تعتقد أنك الإنسان الوحيد الذي يمر بهذه الظروف. تحدّث مع والديك أو أصدقائك المقربين ومن ترتاج إليهم حول ما يدور في نفسك... لا تقلق كثيراً... حاول أن توصل مشاعرك إلى الآخرين وشاركهم مشاعرهم... تعلم الأساليب التي تمكنك من السيطرة على انفعالاتك، بالمحاولة والعزم أنت فقط تستطيع ذلك... إذا كنت تعاني من مشاكل كبيرة وعجزت عن حلّها بمفردك فليس من الخطأ ولا الضعف التوجه لمن يقدم لك النصيحة والمشورة كالمدرّس المقرّب إليك أو الأخصائي الاجتماعي والنفسي أو رجل الدِّين.
لماذا أنا الوحيد في المنزل الذي يعاملاني والداي بهذه الطريقة دون سائر اخوتي؟
أتفق معك في أن بعض الآباء والأُمّهات قد يفرقون في تعاملهم مع أبنائهم لأكثر من سبب، وليس معنى ذلك أن تصرفهم صحيح، ولكن بالطبع ليس الكل هكذا، فمعظم الآباء والأُمّهات يحبون أبناءهم ويرونهم سواء، ولكن بطبيعة الحال نحن نتصرف مع كل إنسان بحسب شخصيته وما يناسبه، فتعاملنا مع الأطفال لا ينفع مع الكبار والعكس، وقد يكون والداك يتعاملان معك على هذا الأساس أي انك إنسان كبير ومسؤول وكما قلنا من قبل أنك الآن في مرحلة ولادة جديدة مختلفة كلياً عن السابق فقد كنت طفلاً صغيراً تعتمد عليهم في كل شيء أوامرك مطاعة، أما الآن فقد حان الوقت ليحمّلوك شيئاً من المسؤولية تجاه نفسك وتجاه الآخرين فهما يريانك تكبر شيئاً فشيئاً وأصبحت جديراً بأن تتحمّل أعباء الحياة لتخرج إلى المجتمع إنساناً معتمداً على نفسه ذا أهمية ومكانة في المجتمع...
كنت فيما قبل أخرج مع من أريد، ومتى أريد، حتى أصدقائي كنت أنا من يختارهم. أما الآن فقد تغيّر كل شيء وأصبح والدي يتدخلان في جميع أموري، وأنا الآن في حيرة لِمَ كل ذلك؟؟ ألست جديراً بالثقة؟؟ أم أنا إنسان سيء؟
عزيزي.. كنت فيما سبق طفلاً صغيراً، كنت دائماً مع والديك تخرج معهم وتقضي معظم الوقت بالقرب منهما، أما الآن فقد أصبحت لك اهتماماتك الخاصة البعيدة عن والديك وأصدقاء خاصين بك، وبعد أن كنت لا تخرج إلّا بصحبة أحدهما أصبحت دائم الخروج لوحدك دون رقابة من أحدهما، وهذا شيء لم يألفاه من قبل، ولذلك تجد منهما شيئاً من القلق والخوف عليك وليس عدم ثقة بك كما تظن. وقد يكون لما يسمعانه من مشاكل وانحرافات بعض الشباب الأثر الكبير في كيفية تصرفاتهما معك، لذلك تراهما دائماً يريدانك أن تكون بقربهما لتكون في حمايتهما من كل مكروه وليس معنى ذلك أنهما لا يثقان بك وبأخلاقك، بل هما يتطلّعان لأن تكون أحسن إنسان في هذه الدنيا، فأنت فلذة كبدهما وثمرة زواجهما ويتمنيان لو يعطيانك الدنيا بما فيها وأن تكون بمنأى عن كل خطر. أنا أعرف أن ذلك التصرف من والديك قد يزعجك ويشعرك بالعجز أحياناً ولكنك عزيزي لو وضعت مكانهما لتصرفت بنفس الطريقة. فعلى سبيل المثال لو اضطررت أن تكون مسؤولاً عن أختك أو أخيك ليوم واحد فقط لوجدت نفسك تتصرف كما يتصرّف معك والداك، سوف تكون خائفاً عليهما من أي مكروه وحريصاً على أن لا يصيبهما أي شيء... كذلك هما والداك.
لماذا لا يحترم الآخرون مشاعرنا وأحاسيسنا؟؟ ألسنا بشراً نحسّ كالآخرين؟؟
إنّ الآخرين يشعرون ويدركون ما أنت فيه ويحسون بتلك المشاعر سواء كانت مشاعر حزن أم مشاعر فرح وقد مرّوا بتلك المشاعر من قبل، وهم في الوقت نفسه يدركون أنك وصلت إلى مرحلة لابدّ أن تتغيّر فيها تصرفاتهم وطريقة تعبيرهم عن مشاعرهم تجاهك، أي لابدّ أن يكونوا أكثر حزماً معك ويخفون بعض مشاعر الخوف عليك لكي تتقدّم وتطوّر من نفسك، فمشاعر القسوة التي تراها منهم إنما هي مشاعر ظاهرية في أغلب الأحيان، أما الواقع فإنّ الوالدين في هذه الفترة بالذات يكونان أكثر خوفاً عليك من أي وقت، ويكنان لك الحب وإن كانا يبديان القساوة في بعض الأحيان.
يجب أن تدرك أيضاً عزيزي أن عامل الحزم والتخويف في هذه المرحلة له أهمية في تكوين شخصية الفرد وأيضاً في صلاحها، وسوف تدرك ذلك بنفسك عندما تخوض تجارب أكثر في هذه الحياة، ذلك لأنّ الخوف كالملح على الطعام إذا قلَّ عن الحد صار غير مستساغ وإذا زاد صار منفراً وكل إنسان بحاجة إلى الحزم والتخويف لكي تحميه من الانفلات والتورط في تصرفات قد يندم عليها فيما بعد... تأكد أنّ الآخرين لا يتجاهلون مشاعرك أبداً ولكنك كبقية الناس في هذه المرحلة تتأثر من أقل كلمة وتكون حسّاساً لها وقد تفسّر كلام الآخرين وتصرفاتهم حسب رغباتك واعتقاداتك أنت، وهذا كله لا ينفي وجود بعض الأسر التي لا تفهم ولا تقدّر مشاعر أبنائها، وعليك – إذا كان والداك من هذا النوع – أن تحاول أن تفتح بينك وبينهما حواراً هادئاً توضّح فيه مشاعرك بهدوء وتحاول إيصال ما في نفسك لهما.
حاول فهم والديك... ولن يتخليها عنك أبداً
لماذا أنا الوحيد الذي يحصل لي كل هذا؟ كل شيء ضدي.. ليتني أموت وأرتاح من هذه الدنيا بل ليتني لم آتِ إليها؟؟
لا يوجد إنسان لم تمر به لحظات حزن كالتي تمر بها أو تشعر بها الآن، بل وقد يشعر بأكثر من ذلك، لحظات اكتئاب وسؤم حتى من نفسه، والاختلاف يكون في كيفية تعاملنا مع تلك اللحظة العصيبة وكيف نواجهها فإما أن نستسلم للحزن والألم ونستجيب للشيطان في ندائه لنا أو نلجأ إلى الله جلّ وعلا. أن نستجيب للشيطان فتلك اللحظة هي من أسعد اللحظات عنده لأنّه يرى فينا اليأس والقنوط من رحمة الله – عزّ وجلّ – مستسلمين لليأس فيبدأ حينها ببث ألاعيبه وخططه حتى نبتعد رويداً رويداً عن الله ونصبح فريسة للأوهام وتصبح الدنيا بلا قيمة وتكون المصائب – وإن كانت صغيرة – عظيمة وجليلة في نفوسنا، أما الصنف الآخر من الناس وإن مرّت عليه لحظات حزن واكتئاب – وهذا شيء طبيعي من وقت لآخر – نراه لا يستسلم لها إنما يلجأ إلى الله تعالى ويفوّض أمره إليه ويطلب منه العون في الخروج من تلك الحالة أو ذلك الأمر العصيب.
وأنت أيضاً كباقي البشر تمر بك تلك اللحظات ولكن لا تستسلم ولا تمكّن الشيطان منك، الجأ إلى الله تعالى وفوّض أمرك إليه وحاول أن تنظر إلى مصائب غيرك فحينئذٍ ستهون عليك مصيبتك، واعلم أنك لست الوحيد الذي يعاني وتذكّر أنّ الله أمرنا باللجوء إليه وعدم القنوط من رحمته بل هو لا يرضى من عبده ذلك، وقد وعد عزّ وجلّ من يلجأ إليه ويطلب العون منه أن يكفيه همه وحزنه حيث قال: (ادعوني أستجب لكم).
وتأكد يا عزيزي أنّ الإنسان إذا كان حزيناً أو قلقاً فإنّه يرى كل شيء ضده وكل شيء يخالفه والعكس عندما يكون سعيداً وفرحاً يرى كل شيء فرحاً.
جرّب ذلك وابدأ من الآن... ارجع بذاكرتك إلى الوراء... راجع تصرفاتك السابقة هل كنت على حق في حزنك أم لا؟؟
جرّب ان تفهم الآخرين وتفهم تصرفاتهم...
جرّب أن تلتمس لهم العذر في بعض تصرفاتهم...
جرّب أن تحب الآخرين وأن تتقرّب منهم...
وأخيراً جرّب أن تشغل وقت فراغك بأي شيء مفيد لكي لا تسيطر عليك الهموم والوساوس ولكي لا يتمكن منك الشيطان ويصوّر لك الأشياء على غير حقيقتها.
همسات في أذنيك:
· تقبَّل ذاتك كما هي.
· كن واثقاً من نفسك ومن أنك لم تخلق بلا هدف في هذه الحياة.
· كن متعاوناً مع جميع أفراد أسرتك ولا تكن منغلقاً على ذاتك.
· تعلم بعض الأساليب التي تساعدك في السيطرة على انفعالاتك وغضبك كالاسترخاء، التأمل، التصورات الذهنية الإيجابية عن شخصيتك.. وبمجرد أن تتقنها سوف تجد أنك قادر فعلا على التحكم في مشاعرك وانفعالاتك.. ابدأ من هذه اللحظة.
· لا تستسلم لأحلام اليقظة فقد تسحبك من الواقع الذي تعيشه إلى عالم الخيال وذلك من شأنه أن يزيد من متاعبك وقلقك.
· الجأ في وقت الحزن والضيق إلى الدعاء والصلاة وإذا صادفك أي مشكلة فتأكد من أنّ القرب من الله هو البلسم الذي يخفف عنك الكثير مما أنت فيه (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28).
· حاول أن تقرأ وتطلع على كل ما يرتبط بالمرحلة التي تمر بها، كي تزيد من تفهمك لها وتنظر إليها على أنها مرحلة طبيعية تماماً كمرحلة الطفولة ولا تدعو للخوف أبداً.
· لا تحاول تقليد الأصدقاء في كل شيء فأنت شخص لك كيانك الخاص وقد لا يناسبك ما يناسبهم ولكن حاول أن تقرأ وتبحث وتسأل ذوي الخبرة حتى تصل إلى الحقيقة بنفسك.
· استشر من هم أكبر منك سنا فأنت بحاجة إليهم فقد لا تكون دائماً على صواب والآخرين دوما على خطأ.
· احترم الآخرين واحترم مشاعرهم لكي يبادلوك ذلك الإحترام.
· وأخيراً كن متفائلاً.. فأنت يمكنك أن تغير من عاداتك إلى الأفضل وأن تتعلم ما يناسبك لكي تصل في آخر المطاف إلى مرحلة أكثر نضجاً واستقراراً.►
المصدر: سلسلة التوعية الأسرية 3
ارسال التعليق