• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أهمية الاختيار السليم في حياتنا

أسرة البلاغ

أهمية الاختيار السليم في حياتنا

◄عزيزي القارئ الكريم.. نضع بين يديك مجموعة من الاختيارات العملية لعلك تجد فيها ما يناسبك ويرضيك.

1-       اختيار شريك الحياة المُناسب:

في وقت مبكِّر من عمر الإسلام، أكّد رسول الله (ص) على أهمّية الاختيار في الحياة الزوجية، سواء اختيار الرجل للمرأة أو المرأة للرجل، فقال في اختيار الرجل: "تخيّروا لنُطَفِكُم، فإنّ العِرْقَ دسّاس"[1]، وفي موضع آخر: "تخيّروا لنُطفِكُم، فإنّ الخال أحد الضّجيعين"، وهذا ما يتداوله الناس من أنّ ثُلثي الولد على خاله.

وسأله أحد الشبان: بِمَن أتزوّج يا رسول الله؟

فقال له: "عليك بذات الدِّين تَرِبَت يداك".

وأمّا في اختيار الشابة أو المرأة لشريك حياتها، فقد وجّه (ص) الخطاب بضرورة الاختيار السليم في الفتاة وإلى وليّ أمرها، بالقول: "إذا جاءكُم مَن تَرضون دينهُ وخُلقه فزوِّجوه، ألا تفعلوا تكن فتنةٌ وفسادٌ كبير".

فالشّرف الأساس في الاختيار، هو التقاء الإيمان بالإيمان والخلق النّبيل بالخلق النّبيل، وما عدا ذلك فتفاصيل، ولا نُقلِّل من قيمة أو شأن التفاصيل، لكنّا في صدد الإشارة إلى (الشّرط الأساس) في اختيار الزّوجين.

يُحكى أنّ شخصاً مسلماً استشارَ شخصاً مجوسيّاً في زواج ابنته من جارٍ له، فقال المجوسيّ: رئيس الفُرس (كسرى) كان يختار (المال)، ورئيس الرّوم (قيصر) كان يختار (الجمال)، و(رئيس العرب) كان يختار (الحسب)، ورئيسكم (محمّد) كان يختار (الدِّين)، فانظر لنفسّك بِمَنْ تقتدي؟ فيقول الشاعر:

لا تخطبنّ سوى كريمةِ مَعْشَرٍ **** فالعِرْقُ دسّاسٌ مِنَ الطرفَينِ!!

 

2-     اختيار الصديق المُناسب:

لم نجد تفصيلاً روائياً في علاقة حيويّة – بعد الزواج – كما في اختيار الصديق المناسب، فلقد أشبعت الروايات هذا الاختيار شرحاً وتوضيحاً، ولكنّنا نضع أو ننتقي الشروط الأساسية لاختيار الصديق الصالح، فصلاح الإنسان كثيراً ما يرجع إلى صلاح صديقه وفساده كثيراً ما يرجع إلى فساد صديقه، ولذلك دعا النبيّ (ص) إلى ضرورة تحرِّي الدِّقّة في اختيار الصديق بقوله: "أخوك دينك، فاحتط لدينك". قال (ص): "المرء على دينِ خليله، فلينظر أحدكم مَن يُخالِل". وكما وعظ القرآن بضرورة اختيار الطيِّب للطيِّبة شريكة للحياة، ونهى عن اختيار الطيِّب للخبيثة، فكذلك تستوي الضرورة هنا في اختيار الصديق لمثله.

ولقد عبّر الإمام عليّ (ع) عن ذلك، فقال: "لا يصحب الأبرار إلّا نُظراؤهم". وقال في نصيحة عمليّة: "قارِنْ (أي صاحِب) أهل الخير تكن منهم، وبايِن (فارِق) أهل الشر تبل (تختلف) عنهم".

وإليك أيضاً بعض ما يُعينك في الاختيار السليم للصّديق الحميم:

1-     يقول الإمام الصادق (ع):

"لا تُسَمِّ الرجل صديقاً سمة معرفة حتى تختبره بثلاث: تُغضبه فتنظر غضبه يُخرِجه من الحقِّ إلى الباطل، وعند الدِّينار والدِّرهم، وحتى تُسافر معه".

لأنّ الغضب كاشِف عن السريرة، ولذلك قال الشاعر: "اغضب صديقك تستطلع سريرته". وأمّا الدِّينار والدرهم، فمعرفتك واختيارك له عند الضِّيق والحاجة: يعينك أم يخذلك، وعند السفر؛ لأنّ السفر إنما سُمِّي سفراً لأنّه يُسفِر عن رأي يكشف القناع عن الأخلاق والسيرة والطِّباع.

2-     ويقول (ع):

"إصحَب مَن تتزيّن به، ولا تَصحَبْ مَن يتزيّن بكَ". والمراد: إصحب مَن مصاحبته زينة لك وله، ولا تصحب مَن يتزيّن بك ولا تتزيّن به، ولا يكون ذلك إلّا بين المؤمنين وأصحاب الأخلاق الكريمة، ولذلك كان الإمام عليّ (ع) يقول: "مَن دعاكَ إلى الدّار الباقية، وأعانكَ على العملِ لها، فهو الصّديق الشّفيق"!.

وطالما أنّ الحديث عن الصديق المناسب، تجدر الإشارة إلى (المستشار المناسب)، لأنّك تحتاجه في حسم خياراتك وترشيدها وتأكيدها، ولأنّك إذا استشرتَ ونجحتَ امتُدحتَ في فعلك، وإذا استشرتَ وأخطأت عُذِرْتَ في خطأك:

أمّا مَن تنبغي مشاورته، فهذه نصائح أهل العلم والعمل، فانظر فيها:

1-    قال رسول الله (ص): "استرشدوا (العاقل) ولا تعصوه فتندموا".

2-     وقال الإمام عليّ (ع): "مَن شاوَرَ ذوي الألبابِ (العُقلاء) دُلَّ على الصواب".

3-     وقال (ع) أيضاً: "شاوِرْ في أمورك (الذين يخشونَ الله) ترشد".

4-     وعنه (ع) كذلك: "أفضل مَن شاوَرْتَ (ذو التجارب)".

من ذلك نخلص إلى أنّ أصول الاختيار في المشاورة: (العقل) و(الدِّين) و(التجربة).

 

3-    اختيار الموقف المُناسب:

راجع أوّلاً الأسئلة التي تطرحها على نفسك عند أيّ اختيار لتتأكّد بأنّ اختيارك سليم، وأنك تقف الموقف الصحيح. والموقف من أيّ اختيار لا يتعدّى الحالات التالية:

1-     الخيار الإيجابي الذي تأكّدتَ إيجابيّته، من الطبيعي أن يكون الموقف منه إيجابيّاً.

2-     الخيار السلبي الذي يُمثِّل إملاءً أو ضغطاً خارجيّاً، أو إساءةً إلى كرامتك وسُمعتك ودينك، فالقول (لا) فيه، هو الموقف.

3-     اختيار الممكن، فحينما تتعذّر الاختيارات الأخرى، ويتعقّد سبيل الوصول إلى الخيار الأفضل، يكون اختيار الممكن هو الموقف: (تذكّر صاحب الشروط الأربعين للزواج). وبمعنى آخر:

خُذْ وطالِبْ.. وكَنْ لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو، وكما تقول النصيحة العمليّة: إقبل بالعمل الذي يقبل بك إلى أن تحصل على العمل الذي تقبل به.

4-     اختيار الإمهال: من حقِّك إذا عرض عليك خيارٌ ما أن تستوفي وقتك الكافي لدراسته حتى لا تتعجّل الموافقة فتندم، قُل للمُقتَرِح أو العارِض: أمهلني بعض الوقت حتى أفكِّر، هذا يعطيك الوقت أن تدرس الاقتراح أو العَرْض أو المشروع من قِبَلَك شخصيّاً، كما يعطيك الفرصة في مشاورة مَن تثقُ بهم في الأمر.

5-     اختيار التأجيل: حينما ترى أنّ الوقت أو الظّرف غير مناسب حاليّاً للبتّ في خيار عُرِضَ عليك، وهو يحتمل التأجيل إلى ما بعد مرور الأزمة وانتهاء الظّرف الاستثنائي، أطلب التأجيل وابق الباب مفتوحاً أو موارباً، فعسى أن يتغيّر الظّرف ويُتاح لك الأخذ بالخيار المطروح.

6-     اختيار الانسحاب أو المُقاطعة: فقد تدرس خياراً طُرِحَ عليكَ وتقبله على ضوء دراستك الأوّليّة له، لكن بعض المُلابسات التي تطرأ ولم تكن ادخلتها في الحسبان، وهي تؤثِّر على صوابيّة وسلامة اختيارك، فإنّ الموقف هو الانسحاب في مرحلةٍ مُبكِّرة، إذا يأستَ من علاج الخَلَل وإصلاحه، لئلا يتعقّد الأمر لاحقاً، وقد قال العُقلاء: "اعبر النهر ما دامَ ضيِّقاً"!.

 

4-     اختيار المُرشّح المُناسب:

بعد أن شاعت بعض الأساليب الديمقراطية في بلدان العالم الإسلامي، وأصبحت الانتخابات عُرفاً أو تقليداً مُتّبعاً في اختيار الرئيس ومُرشّحي البرلمان والمجالس البلدية، بل حتى في الدوائر الأضيق، كان لابدّ من مراعاة شروط اختيار المُرشّح المُؤهّل والتدقيق في سيرته ومتابعة مسيرته.

إنّ العمليّة الانتخابية ليست تصويتاً فقط، بل هي عمليّة من ثلاث مراحل تكامليّة:

أ- التدقيق والتأنِّي في دراسة المُرشّح، والسؤال عنه، وعن سيرته الذاتية وخلفيّته الثقافية والسياسية والعملية، وعدم الاكتفاء بالاستماع إلى خطاباته التحضيرية أو التمهيدية.

ب- الانتخاب، بمعنى الإدلاء بالأصوات.

ت- المُتابعة والمُساءلة، حتى لا يجد المُرشّح نفسه مُحصّناً بأصوات مُنتخبيه فيتسوّر بالشرعيّة، فلابد من نقد أدائه وتقييمه بين الحين والآخر.

ولا نجد خبيراً إسلامياً في اختيار أفضل المُرشّحين كالإمام عليّ (ع) في عهده الشهير لـ(مالك الأشتر) حينما أراد توليته على مصر، حيث يمكن تلخيص شروطه في الاختيار بما يلي:

أ- إنّ شرّ الوزراء (أسوأهم) مَن كان للأشرار سابق (الحكّام الظالمين) وزيراً؛ لأنّ المُعيِّن للظالم ظالمٌ مثله، أو شريك له في ظلم.

ب- آثر المُرشّحين (أفضلهم) أقولهم بمرِّ الحقّ، أي لا يهاب في الله لومة لائم، يقول الحقّ ولو على نفسه.

ت- إبحث عن أهل الصِّدق والوَرَع والمُروءة والسمعة الطيِّبة.

ث- إبحث عن أهل السوابق الحسنة المشهودة (لهم تاريخ مُشرِّف) وأصحاب النجدة والشجاعة والسخاء والسّماحة.

ج- استعمالهم اختباراً، أي يُوَلّون المناصب والأعمال بالامتحان، كما في البلدان المُتحضِّرة التي تُجري امتحاناً لقبول المُتقدِّم إلى وظيفةٍ ما.

ح- لا تختر محاباة (ميلاً منك لشخص).

خ- لا تختر بلا مشاورة، ولا تعتمد في الاختيار على فراستك (قوّة الظنّ والحدس).

د- توخّ أهل التجربة ممّن له قِدَم (سابقة) في الإسلام.

ذ- كُن عَيْناً مُراقبة لأدائهم وأمانتهم وإخلاصهم لشعاراتهم وبرامج عملهم ووعودهم الانتخابيّة.

 

5-     اختيار الوقت المناسب:

التوقيت المناسب نظام رباني نتعلّم من الله سبحانه وتعالى الذي جعل (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) (الرعد/ 38)، والذي نظّم أوقات الصلاة، بقوله سبحانه: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103)، كما حدّد للصّوم شهراً معيّناً، وللحجِّ أيّاماً معلومات، وللمرأة المُطلّقة أو الأرملة عدّة تعتدّ بها.. وهكذا.

فعلى سبيل المثال، إذا أردتَ أن تطرح موضوعاً ومُقترحاً مهمّاً على شخص يهمّك رأيه فيه فلا تطرحهُ عليه وهو منشغل بعمل، أو في وقت نومه، أو عند عودته من العمل مُتعباً، وعندما يكون على أهبة الخروج، فإنّه حتى إذا أعطاكَ رأياً فإنّ رأيه لن يكون الرأي المُناسب.

وقد تلحّ على أمرٍ يحتاج إلى مقدّمات حتى يكتمل فتأكل ثمرته فجّة، يقول الإمام عليّ (ع): "المُتعجِّل الثمرة قبلَ وقت إيناعها، كالزّارع في غيرِ أرضِه".

إنّ اختيار الوقت المناسب يعني:

أ- اختيار الوقت الذي تكون فيه مُهيّأ لطرح المشروع بثقة عالية.

ب- اختيار الوقت الذي يكون فيه الآخرون أكثر استعداداً للاستماع إليك وإبداء المشورة.

ت- اختيار الوقت الذي تكون فيه ظروف العمل والإنتاج متيسِّرة.

 

-          قبل الوداع:

قبل أن نختم معك هذه الجولة في أصول الاختيار السليم، دعنا نضع بين يديك هذه المانشيتات العريضة، استكمالاً للفائدة:

 

1-     صلاتك تذكير دائم بالإختيار السليم:

ألم تقل كلّ يوم خمس مرّات: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة/ 6).. (خيار).

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).. (خيار).

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ).. (خيار).

(وَلا الظّالِّين).. (خيار).

 

2-     أدعُ دائماً بهذا الدعاء الذي يعينك على الاختيار السليم:

يقول الإمام زين العابدين (ع): "اللّهمّ... ووفِّقني إذا اشتكلت (بدت شكلاً واحداً) عليَّ الأمور لـ(هداها).. (خيار).

وإذا تشابهت الأعمال لـ(أزكاها).. (خيار).

وإذا تناقضت المِلَل لـ(أرضاها)".. (خيار).

 

3-     اتّكل على الله في حُسنِ الاختيار:

يقول الإمام الحسن بن علي (ع): "مَنِ اتّكلَ على حُسْنِ الإختيارِ من اللهِ لم يَتَمنَّ أنّه في غير الحال التي اختارَها الله"!.

 

4-     لو خُيِّرتُ كنتُ المهذّبا!!

يقول (بشّار بن بُرد):

خُلِقْتُ على ما فيَّ غيرَ مُخيّرٍ **** هوايَ، ولو خُيِّرتُ كنتُ المُهذّبا!

أريد فلا أُعطى ولم أُرد **** ويقصرُ علمي أن أنالَ المُغيّبا!!

نتمنّى أن يكون قوله: (ولو خُيِّرتُ كنتُ المُهذّبا)، قد لقيّ صدىً في نفسك كما يلقاه في أنفسنا..

فحتّى لو لم تكن (جنّة) ولا (نار):

لو خُيِّرتُ كنتُ (المُهذّبا..)

لو خُيِّرتُ كنتُ (الصّادق..)

لو خُيِّرتُ كنتُ (الأمين..)

لو خُيِّرتُ كنتُ (الصالح المُصلح..)

لو خُيِّرتُ لاخترتُ (طاعة الرّحمن) على (طاعة الشيطان..)

لو خُيِّرتُ.. لاتّخذتُ مع الرسول سَبيلاً..

لو خُيِّرتُ.. لكنتُ عبداً شكُوراً! ►

 

[1] - في الحديث إشارة مهمّة إلى مسألة الوراثة، فلقد ثبت علمياً أنّ بعض المورثات الجينيّة تنتقل من الآباء إلى الأبناء، ولذلك حُذِّر من رضاعة الطفل من إمرأة حمقاء مثلاً، أو حُذِّر من الزواج من السِّكِّير، لما لذلك من تأثيرات سلبية على الجنين.

ارسال التعليق

Top