هو الحسن بن علي (علیه السلام)، کان یُلقب بـ(الصامت، الهادئ، الرفیق، الزکي، النقي، وغیر ذلك من الألقاب التي تعكس تلك الخصال الحمیدة التي تجلّت في حیاته (علیه السلام)). وكان (عليه السلام) تبعاً لصفاته الجليلة سيِّد الحوار في كلّ مجلس من المجالس.. ففن التواصل والحوار الناجح من أهم الأساسيات في حياة الإنسان وعلاقته مع بني جلدته، لذلك فإنّ الشخص الذي يختار كلماته بدقه، باستطاعته أن يمتلك عقول الناس ويسيرهم حسب إرادته، وفي هذا المجال هناك إرشادات وردت في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، لأجل الحوار الناجح مع الناس.
القرآن الكريم ينهى الإنسان من انتقاء الكلمات السلبية خاصّةً في الوقت الذي يكون في وضع منهك، أو في موقع إستراتيجي ويحثّ الإنسان على أن يؤثِّر في الطرف المقابل باستخدام اللين، حيث قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (آل عمران/ 159). والتكلّم بهدوء واختيار الكلمات المناسبة والكلام الجميل من صفات الإمام العسكري (عليه السلام) بدون منازع، قال تعالى: (فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا) (الإسراء/ 28). كما وأنّ اختيار الأجواء المناسبة والأماكن الجيِّدة للحوار من المهمّات، لأنّ الأجواء والأماكن لها تأثير كبير على القبول من الطرف المقابل. وفي نفس الوقت الشعور بالطرف المقابل، فقد جاء عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «كفاك أدباً تجنّبك ما تكره من غيرك». ومن الأُمور التي يتبعها الإمام (عليه السلام) النقاش بناءً على المعلومات والمستندات العلمية والدينية.. فهو إمام العِلم والمعرفة، ولا ينبغي للإنسان أن يتكلم هباءً دون أن يعلم ما سبب حواره. ومعرفة كافة الجوانب في الموضوع، كي لا يقع الإنسان في المهلكة (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء/ 36).
الحوار بنيَّة صادقة وقربة إلى الله تعالى وبهدف إظهار الحقّ، فهناك قصّة لطيفة وموقف جميل من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مع الفيلسوف الكندي، حيث يعلم الإمام بطريقة لطيفة أسلوب التعامل والحوار مع الناس بطريقة غير مباشرة، ومن الحوادث المهمّة في عهد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) محاولة الفيلسوف إسحاق الكندي في تأليف كتاب (تناقض القرآن)، مُعيباً على كتاب الله تعالى بأنّ فيه تناقضات فشغل نفسه بذلك أشهراً ووصل الخبر إلى مسامع الإمام (عليه السلام)، فتأثّر لذلك لأنّه لا يستطيع أن يصل إلى الكندي لبُعد المسافة والحصار الذي ضربه حوله بنو العباس، فصادف يوماً أن حضر عند الإمام العسكري (عليه السلام) أحد تلامذة الكندي، فقال له أبو محمّد (عليه السلام): «أما فيكم رجل رشيد يردع أُستاذكم الكندي عمّا تشاغل فيه؟». فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منّا الاعتراض على معلِّمنا؟. فقال الإمام (عليه السلام): «أُعلِّمك كلاماً تقوله له وتجعله بصيغة سؤال حتى لا يتصوّره اعتراضا منك فيما تقول؟». فقال التلميذ: نعم. قال الإمام (عليه السلام): «اذهب إليه وقل له عندي مسألة أسألك عنها، ثمّ قل له إذا جاءك أحد وقال لك إنّي أفهم من كلمات وآيات القرآن فهماً غير الفهم الذي أنت تستفيده منه، أيجوز ذلك؟». فإنّه سيقول لك: «نعم، يمكن ذلك وعندئذ سوف يفهم المقصود في كتابه (تناقض القرآن) غير صالح لأنّ للقرآن عدّة تفاسير ويحتمل عدّة وجوه من المعاني ولا يقتصر على معنى واحد». فذهب هذا التلميذ وفعل ما أشار به الإمام (عليه السلام)، وعندما سمع الكندي هذا السؤال تفكّر في نفسه ورأى أنّ ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً، فعرف أنّ المعاني التي دوَّنها قد تنقض بمعاني أُخرى محتملة، ففهم أنّ مشروعه فاشل، فترك الكتاب ومضى إلى أُموره الأُخرى.
هذا الموقف وغيره من المواقف تبيّن علاقة الأئمّة (عليهم السلام) مع القرآن الكريم، وإنّهم ينطقون بما يحمل القرآن بين دفتيه فهم حصن القرآن. لذا فإنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، يعلمون آياته ويفسّرون مراده وهم كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عزّوجلّ، وعِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أَهْلُ بيتي، وإنّ اللطيف الخبير أَخبرني أَنّهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما». إذاً فالقران وأهل البيت (عليهم السلام) هما حبل النجاة ووسيلة التقرّب إلى الله عزّوجلّ، ومن خلال الرجوع إلى نصائحهم وإرشاداتهم يستطيع المرء أن يتقن دروس النجاح وفن الحوار والحياة الراقية، ويكون ناجحاً في الحياة الدُّنيا قبل الآخرة.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق