د. محمد يوسف الشطي
المسلم يحمد الله أن بلغه شهر الرحمات والمغفرة والعتق من النار، وفي كل رمضان يضيف الصائم إلى رصيده شيئاً جديداً، ويتعلم من هذا الضيفالكريم حقائق تضفي على حياته السعادة والسرور والنعيم والحبور، وفي هذه الكلمات نسطّر ماذا يمكن أن يتعلّم الصائم من هذا الضيف الكريم؟
التزم الرسول (ص) نفسه وتعهدها بالتهذيب المستمر، وتقويم سلوكها، وطهارة الضمير، وظهر أمام أصحابه قدوة بخلقه وعمله وقوله، فقال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).
فيستطيع الصائم أن يغيّر سلوكيات كثيرة في حياته، لا تتوافق وشريعة الإسلام السمحة، والقوانين الكونية الإلهية، مثل: تضييع الأوقات، والسهر من غير حاجة، وشرب الدخان، والكلام البذيء والفاحش، ورمي القاذورات، والبصاق على الأرض، ورمي أعقاب السجائر في الشارع وغيرها، مما يراه المسلم، فهذا يخالف هدي الرسول (ص) وعلى آله وصحبه.
- تبليغ الدعوة:
من أشرف الوظائف التي يمارسها الصائم تبليغ شرائع الإسلام، وهدي الرسول (ص)، قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل/ 125).
فلا يعجز المسلم أن يبلغ ولو آية كما قال المصطفى (ص): "بلغوا عني ولو آية"، فكما تعلّمت شيئاً جديداً فلا تبخل به على إخوانك وأصدقائك وأقربائك، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.
- تربية النفس.. وغض البصر:
روى الترمذي والنسائي والحاكم وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله (ص) حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأوّل لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف الأخير، فإذا ركع نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (الحجر/ 24).
فيعلمنا القرآن، ويعوّدنا الصيام على سلوك إنساني رفيع، وهو غض البصر عن محارم الله تعالى، وعن النساء عند السير في الطرقات والأسواق والمجمعات التجارية، واعلم بأنّ النظرة الأولى لك من غير إطالة، والنظرة الثانية عليك، أي بتسجيل الإثم، فراقب الله تعالى في شهر المغفرة، فإنّه يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.
البعد عن كثرة الكلام، والتقليل من الجدل اللساني: كان رسول الله (ص) لا يحب لأصحابه أن يكثروا من الكلام من غير فائدة، وينفر من الجدل الكلامي من غير فائدة، وينفر من الجدل الكلامي ويقول: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، فرمضان فرصة أن يقلل الصائم من حجم الكلام، ويكثر من حجم العمل.
- تربية النفس على الصبر:
شهر رمضان شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، فجميل أن يربي الصائم نفسه على احتمال الأذى، وحبس النفس عن المكاره، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (التغابن/ 11)، فما يصيب المسلم إلا بإرادة الله تعالى وقضائه وقدره، والذي يتحلى بالإيمان يوفقه الله تعالى لليقين والصبر والرضا بقضاء الله، ولأنّ الصيام يعوّد صاحبه على احتمال الجوع والعطش، فيناسبه أن يعلم المسلم نفسه الصبر والمصابرة والمرابطة، ففيه فلاح الصائم في الدنيا والآخرة.
- تجديد التوبة:
من المعاني الجميلة التي يربي الصائم عليها نفسه ويتعاهدها كثرة الاستغفار، وتجديد التوبة، قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 31)، قال العلماء: فيه الأمر بالتوبة، ولا خلاف في وجوبها، وأنها فرض من فرائض الدين، فيعلّم الصائم نفسه الانكسار، والخضوع، والافتقار إلى الله تعالى في جميع أحواله وشؤونه، مدركاً أنه محتاج إلى رحمة الله تعالى، وراجياً أن يتقبل الله توبته، ولذلك لا تستغرب من هدي رسول الله (ص) في أنّه كان يستغفر في اليوم مائة مرة، وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإذا أردت أن تكون عبداً شكوراً، أكثر من الاستغفار، وجدد التوبة مع الله تعالى في كل يوم لتفوز برضوان الله وجنته.
- تربية النفس على البذل والعطاء:
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله (ص) أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان أجود من الريح المرسلة"، فرمضان فرصة لأن يُعلم الصائم نفسه حب العطاء والكرم، ليدربها على أن تكون نفسه سخية وقلبه رحيماً، فيرحم الفقراء ويحرص على إطعامهم ويسد جوعهم، فإذا ذاق الصائم شدة العطش والجوع في صومه، تذكر أصحاب البطون الجائعة، فيشفق عليهم؛ يقهر نفسه، ويكسر شهوته، ويخرج مما أعطاه الله تعالى، وهو طيب النفس، ويستشعر عظيم الأجر والثواب الجزيل من رب كريم.
فيا أيها الصائمون: قد أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه لينزل الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، وينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإنّ الشقي من حُرم فيه رحمة الله تعالى.
ارسال التعليق