لا تحتل المشروبات الغازية المرتبة الأولى على لائحة المنتجات الخالية تماماً من أي قيمة غذائية فحسب، بل تعتبر منتجاً غير طبيعي، يُلحِق أضراراً كثيرة بالجسم، لا تقل خطورة عن تلك التي يسببها التدخين. وهذه المشروبات، بأنواعها، لا تستطيع حتى أن تروي عطشنا، أي أنّها لا تحقّق الهدف الأوّل المنشود، أساساً، من أي مشروب. فثنائي الكافيين والسكر فيها يتسبب في خفض مستويات الرطوبة في الجسم عوضاً عن رفعها. لكن تأثيراتها السلبية لا تنحصر في ذلك، فقد أظهرت مئات الدراسات العلمية أنّ أضرارها كثيرة، بل وكثيرة جدّاً. نستعرض هنا أبرزها:
1- زيادة الوزن والسمنة: أكدت دراسة دانماركية حديثة نتائج عشرات الأبحاث، فأظهرت أنّ احتساء المشروبات الغازية يزيد من تراكم الدهون في الجسم. فقد تبيّن فيها أنّ احتساء عبوة منها يومياً لمدة 6 أشهر يزيد كمية الدهون في الكبد بنسبة تتراوح بين 132 و142%، وما بين 117 و221% في العضلات، و30% في الأعضاء الأخرى، كما يرفع مستويات الكوليسترول بنسبة 11%.
ويخطئ من يعتقد أنّ المشروبات الغازية من نوع دايت، أي الخالية من الوحدات الحرارية، لا تسهم في زيادة الوزن. فقد أفادت دراسة أجريت في جامعة تكساس الأميركية، وشملت 475 بالغاً، ودامت 10 سنوات، أنّه كلما ازداد احتساء المشاركين لهذا النوع من المشروبات الغازية، ازدادت إمكانية معاناتهم من زيادة الوزن. وتبيّن أنّ احتساء مجرد عبوتين أو أكثر من هذه المشروبات في اليوم يزيد محيط الخصر بنسبة 70% خلال فترة 10 سنوات. أما الأشخاص الذين كانوا يشربون أكثر من عبوتين في اليوم، فقد ازداد محيط خصرهم بنسبة 500%. ويقول الخبراء: إنّ مواد التحلية الاصطناعية في هذه المشروبات تعطِّل قدرة الجسم الطبيعية على تنظيم ما نتناوله من وحدات حرارية.
2- السكري: يزداد خطر الإصابة بالسكري بفعل زيادة الوزن، التي تسهم المشروبات الغازية في التسبب بها. وتحتوي عبوة واحدة من المشروبات الغازية على ما يعادل 10 ملاعق صغيرة من السكر. وتناول هذه الكمية، خاصة على شكل سائل، يؤدي إلى ارتفاع كبير وسريع في مستويات سكر الدم، ما يدفع البنكرياس إلى إفراز كمية كبيرة، أيضاً، من الأنسولين ليتعامل مع هذا السكر (ينقله إلى داخل الخلايا التي تستخدمه مصدراً للطاقة). ويقول العلماء: إنّ المواظبة على احتساء المشروبات الغازية تعني المطالبة المستمرة للبنكرياس بإنتاج الأنسولين، ما يجعله مع الوقت غير قادر على تلبية حاجة الجسم المتكررة لهذا الهرمون. كذلك فإنّ الأنسولين نفسه يصبح أقل فاعلية في التعامل مع السكر، وفي الحالتين يزداد خطر الإصابة بالسكري.
وكان البحاثة في كلية الطب بجامعة هارفرد قد وجدوا في دراسة شملت أكثر من 51 ألف امرأة على امتداد 8 سنوات، أنّ إمكانية الإصابة بمرض السكري ارتفعت بنسبة 83% لدى النساء اللواتي كن يشربن عبوة أو أكثر من المشروبات الغازية في اليوم، مقارنة باللواتي يشربن عبوة أو أقل في الشهر.
3- إلحاق الضرر بالأيض وبالقلب: جاء في دراسة أجريت في جامعة مينيسوتا الأميركية وشملت 10 آلاف بالغ، أنّ احتساء مجرد عبوة واحدة يومياً من المشروبات الغازية بنوعيها، يرتبط بزيادة نسبتها 34% في خطر الإصابة بالمتلازمة الأيضية، وهي مجموعة من الأعراض تتضمن تراكم الدهون في منطقة البطن، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الكوليسترول والترتغليسيريدز. ومن شأن كلّ ذلك أن يزيد من خطر الإصابة بمرض القلب وتصلب الشرايين.
إضافة إلى ذلك، تلعب زيادة الوزن الناتجة عن احتساء المشروبات الغازية دوراً كبيراً في زيادة خطر الإصابة بمرض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية. ويؤكد بعض الخبراء أنّ احتساء هذه المشروبات الغنية بالسكر يزيد من خطر الإصابة بهذا المرض، حتى بشكل مستقل عن زيادة الوزن. فعبوة سعتها 360 ملل من المشروبات الغازية تحتوي على 41 غراماً من السكر، 30 ملغ من الصوديوم، و38 ملغ من الكافيين. وتقول المتخصصة الأميركية في صحة القلب ماري آن ماكلوغلين: إنّ الكافيين يزيد من سرعة إيقاع ضربات القلب وضغط الدم، بينما يؤدي ثنائي الصوديوم والكافيين إلى خفض مستويات الرطوبة في الجسم. والناس الذين يختارون هذه المشروبات عوضاً عن الماء لتبديد العطش، يتبولون بكثرة بعدها بسبب الكافيين، ما يعني أنهم يفشلون في تزويد قلوبهم بالماء الضروري الذي تحتاج إليه.
4- مشكلات في الكليتين: تبيّن أنّ عادة احتساء المشروبات الغازية بكميات كبيرة تزيد من خطر تشكُّل الحصى في الكلى. ويعزو العلماء ذلك إلى ما تتميز به هذه المشروبات من ارتفاع كبير في نسبة الأحماض، التي تؤدي إلى اضطراب في توازن المعادن في الجسم. فالجسم يضطر إلى التعامل مع هذه الحموضة المرتفعة مستعيناً بالكالسيوم الذي يسحبه من العظام. وعندما يتخلّص الجسم من هذا الكالسيوم عن طريق التبول، تتشكل الحصى مع الوقت ببطء في الكليتين.
وفي دراسة نشرتها مجلة "علم الأوبئة" الأميركية، تمت مقارنة العادات الغذائية لدى 465 شخصاً يعانون مرض الكليتين المزمن مع عادات 467 شخصاً يتمتعون بصحة جيدة، وتبيّن أنّ احتساء عبوتين أو أكثر من الكولا في اليوم يضاعف من خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن.
وفي دراسة أخرى أجريت في كلية الطب بجامعة هارفرد الأميركية، استغرقت 11 سنة، وشملت أكثر من 3 آلاف امرأة، تبيّن أنّ احتساء الكولا من نوع دايت يضاعف خطر تراجع وظائف الكليتين، خاصة لدى النساء اللواتي كن يشربن أكثر من عبوتين في اليوم. واستنتج البحّاثة أنّ مواد التحلية الاصطناعية المستخدمة في هذه المشروبات تلعب دوراً في تفاقم هذه الحالة.
5- عسر الهضم وحرقة المعدة: عند احتساء المشروبات الغازية الغنية جدّاً بالأحماض، تتهيج الأغشية الداخلية للفم، البلعوم والمريء، وتتشكل فيها بيئة حمضية ضارة. وفي المعدة يتفاعل حامض الفوسفوريك الموجود في هذه المشروبات مع أحماض المعدة، خاصة حامض الهيدروكلوريك، ويعطل وظائفه، ما يؤدي إلى تراجع فاعلية المعدة في أداء وظائفها، ومعاناة عسر الهضم، وغازات وانتفاخ في البطن وحرقة في المعدة، كذلك تتعطل، بفعل الأحماض، عملية امتصاص العناصر المغذّية من الأطعمة.
6- هشاشة العظام ونخر الأسنان: يضعف حامض الفوسفوريك في المشروبات الغازية قدرة الجسم على امتصاص الكالسيوم الضروري لصحة العظام، ما يزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام. وإضافة إلى السكر، الذي يضر بصحة الأسنان، تعمل أحماض المشروبات الغازية، مثل حامض الستريك والفوسفوريك على إتلاف مينا الأسنان. فهي تحلل المعادن الموجودة فيه، ما يضعف الأسنان ويجعلها أكثر حساسية وعرضة للإصابة بالنخر والتسوس. ويقول أطباء الأسنان: إنّ أحماض المشروبات الغازية تلحق ضرراً بالأسنان، يفوق ذلك الذي تلحقه بها السكاكر وتجدر الإشارة إلى أنّ أنواع دايت من هذه المشروبات تكون أكثر حموضة من الأنواع العادية، أي أنها تسبب أضراراً أكبر. وقد تبيّن في دراسة، أجريت في جامعة ميتشيغان الأميركية، أنّ البالغين الذين يشربون ما بين 3 و4 عبوات أو أكثر من المشروبات الغازية في اليوم يعانون حالات أكثر بكثير من التسوس، أو الأسنان المفقودة أو المرممة، مقارنة بالآخرين الذين لا يشربونها. وقد تبيّن أنّ المواظبة على احتساء المشروبات الغازية يؤدي إلى تراكم البلاك على الأسنان، ويزيد من خطر الإصابة بمرض اللثة. وأكثر ما يضر الأسنان هو تناول هذه المشروبات لتبديد العطش. ففي حالات العطش تنخفض في الفم مستويات اللعاب الذي يبطل مفعول الأحماض، ما يضاعف الأضرار التي تلحقها هذه الأخيرة بالأسنان.
7- السرطان: طلب مركز علوم المصلحة العامة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية منع استخدام مواد التلوين الكراميل الاصطناعية، التي تمنح الكولا والبيبسي وغيرهما لونها البني. فقد أظهرت دراسات أجريت على الحيوانات أنها تسبب السرطان، وأنّه لا يجب تعريض البشر لهذا الخطر، خاصة أنّ هذه المواد تستخدم فقط للتلوين. وكان أحد المراكز الصحية في كاليفورنيا قد أورد هذه المواد ضمن 65 مادة تتسبب في السرطان. ويقول البحّاثة في المركز: إنّ مجرد 16 ميكروغراماً من هذه المواد في اليوم تكفي لتزيد من خطر الإصابة بالسرطان. ويذكر أنّ زجاجة من المشروبات الغازية سعتها 600 ملل تحتوي على 200 ميكروغرام منها.
8- الشيخوخة المبكرة: تتميز المشروبات الغازية بغناها بالفوسفات، أو حامض الفوسفوريك الذي يمنح الكولا طعمها المتميز، ويطيل مدة حفظها. وعلى الرغم من وجوده في العديد من الأطعمة، مثل اللحوم، والألبنان، والمسكرات، إلا أنّ ارتفاع مستوياته يمكن أن يؤدي إلى مشكلات في الكليتين والقلب، وإلى خسارة في النسيج العضلي، وهشاشة العظام، وإلى تسريع ظهور أعراض الشيخوخة. فقد تبيّن في دراسة أميركية أجريت في العام 2010 أنّ ارتفاع مستويات حامض الفوسفوريك في النظام الغذائي تسبب في موت فئران المختبر، قبل 5 أسابيع كاملة من موت الفئران الأخرى، التي كان نظامها الغذائي يحتوي مستويات عادية من حامض الفوسفوريك.
9- تأثير المواد المعدلة جينياً والمواد الكيميائية: تشكل الذرة مصدر العديد من مكونات المشروبات الغازية. والمعروف أنّ أكثر من 88% من الذرة، التي تزرع في الولايات المتحدة، تخضع للتعديل الجيني، كي تصبح أكثر مقاومة لمبيدات الحشرات السامة. ولا توجد حتى الآن دراسات تؤكّد ما إذا كانت هذه المحاصيل آمنة للاستخدام البشري. وكان علماء مستقلون قد أظهروا، في دراسات أجريت على الحيوانات، أنّ هناك علاقة بين تناول المحاصيل المعدلة جينياً والإصابة بمشكلات في الجهاز الهضمي، والخصوبة والشيخوخة المبكرة. كذلك أظهر البحّاثة الفرنسيون مؤخراً أنّ الفئران التي كانت تقتات على ذرة معدلة جينياً طوال حياتها، أصيبت بأورام في الثديين ونفقت قبل الفئران الأخرى، التي لم تكن تأكل هذه المحاصيل.
أما مادة الأسبارتام التي تستخدم كبديل للسكر في أنواع دايت من المشروبات الغازية، فيمكن أن تسبب ضرراً أكثر من السكر. فقد تبيّن أنّ هناك علاقة بين تناول مواد التحلية الاصطناعية ومئات المشكلات الصحية، مثل السكري، ومرض تصلب الأنسجة، والأورام الدماغية. كذلك تحتوي المشروبات الغازية دايت مادة غير موجودة في الأنواع العادية، وهي كابحة العفن، وتدعى صوديوم بنزوات أو بوتاسيوم بنزوات. ويقول المتخصص البريطاني في البيولوجيا الخلوية، البروفيسور بيتر بايبر: إنّ هذه المواد الكيميائية لها القدرة على التسبب في ضرر بالغ في الحمض النووي والخلايا، وتزيد من خطر الإصابة بالربو، وبعض أشكال الحساسية الأخرى مثل التهيجات الخفيفة للجلد، والعينين، والأغشية المخاطية.
وكأن ذلك كلّه لا يكفي، فحتى العبوة نفسها المصنوعة من الألمنيوم تضر بالصحة، فهي مغطاة من الداخل بمادة تدعى بيسفينول- أ، تستخدم لمنع تفاعل المشروب مع معدن العبوة. ويقول الخبراء إنها تتفاعل مع الهرمونات في الجسم، وتسبب اضطرابات في الغدد الصماء، ما يؤدي بدوره إلى سلسلة كبيرة من الأمراض، مثل مرض القلب والسكري والبدانة ومشكلات في الخصوبة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق